عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

لماذا يهاجر السعوديون؟

آراء

من حيث المبدأ تعد هجرة الإنسان من وطنه إلى دول ومناطق أخرى سلوكاً طبيعياً منذ خلق البشرية، وتعددت أسباب الهجرة البشرية، فمنها الهروب من الاضطهاد السياسي والديني والاجتماعي، والغالبية في وقتنا المعاصر تهاجر لأسباب اقتصادية، ولكن دولة مثل المملكة يقصدها الملايين للعمل، وكثير يتمنون الحصول على تأشيرة تحقق طموحاتهم للعمل في بلادنا، مع هذه الصورة الغريبة نقرأ بعض الإحصاءات عن أعداد من السعوديين هاجروا أو قدّموا طلبات هجرة في بعض البلدان، ولاسيما الدول الغربية المتقدمة، فقد أشار إحصاء لمكتب إحصاءات الهجرة التابع لوزارة الأمن الوطني الأميركية أن هناك حوالى 11700 طلب هجرة لسعوديين بين عامي 2001و2010، فهذه الأرقام في اعتقادي مفزعة وتحتاج إلى دراسة، فالقضية ليست هجرة عقول ونخب مهنية، وهذه القضية تعاني منها دول العالم الثالث أجمع، ولكن الحالة التي أتحدث عنها تفضح وفي شكل واضح الفشل في إيجاد وظائف لمن تعلموا ودرسوا في تلك الجامعات الغربية، وبعضهم عاد وتمت محاربته في الحصول على وظيفة تناسب تحصيله العلمي، بسبب عدم العدالة والمحسوبية في التعيين. وإن من يُجري المقابلات الوظيفية لبعض أبناء هذا الوطن- ولاسيما في القطاع الخاص – من الأجانب، فمن الطبيعي ألا يحصلوا على وظائف، وإن حصلوا عليها فإنه يُهمَّشون بطرق عدة، وينتهي بهم المطاف إلى الهروب من تلك الوظائف.

بعضهم يعتقد بأن سبب هجرة السعوديين هو الانبهار من ثقافة الدول الأخرى، ولكن في اعتقادي أن الإعجاب لا يخلق شعوراً وسلوكاً يجعل الفرد يهاجر عن بلاده ويعيش في دول أخرى، كم من السعوديين يتفاخرون بجوازات السفر التي حصل عليها أبناؤهم عندما كانوا في بعثات دراسية! ومبعث هذا الافتخار أن تلك الوثائق تمثل ضماناً لهم في حال تغيرت الظروف في بلادهم، وكذلك للخدمات الميسرة عند رغبتهم في السفر خارج البلاد، وكلنا يعرف أن الكثير من رجال الأعمال وبفضل أموالهم يحصلون على وثائق سفر لدول أجنبية، وكأن بلادهم ليست إلا مصدراً الاقتصاد فقط، وليس هناك انتماء حقيقي للوطن. أنلوم هؤلاء على مثل هذا الهروب أم أن علينا مناقشة هذه القضية في شكل جاد وموضوعي ومعرفة أسباب هذه الهجرة، إضافة إلى أن هناك الكثير الذين يفكرون فيها، هل هناك خلل في الانتماء؟ وما أسباب ذلك؟ وكيف ينظرون إلى المستقبل؟ وهل ما يطرح خلف الجدران حقيقي ودافع رئيس لهذه الهجرة؟ بعضهم يرى أن من أراد الهجرة فهو يخفف من مستويات البطالة مثلاً، ولكن القضية أعمق من ذلك، وأعتقد بأن لها علاقة بالعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة الحقيقية، فعلينا أن نكون صادقين في ذلك، فهناك قلة هي من تحتكر الامتيازات وتعيش برخاء اقتصادي ولا تتعرض لمضايقات في حياتها الاجتماعية، فنحن نتمنى أن تكون أنظمتنا وقوانيننا الموجودة تُطبَّق على الجميع، من دون مواربة، وتراقَب بكل شفافية.

وأتذكر صديقاً سعودياً هاجر إلى الولايات المتحدة منذ 30 عاماً، وهو من عائلة بسيطة اقتصادياً، وأصبح بعد هذه الأعوام رجل أعمال ناجح هناك، وأسس شركة طيران خاصة، وهو عضو ناشط في الحزب الديموقراطي وعلاقته ببلده شبه منقطعة، وقابلته بالرياض قبل عامين، قادماً لزيارة عمل، وكان يأمل في إنشاء شركة طيران داخلية، ولكنه لم يجد الترحيب من الأجهزة ذات العلاقة، وقال لي وهو مغادر: إن الظروف هي نفسها لم تتغير منذ تركتها قبل 30 عاماً. فأنت محتاج إلى علاقات وواسطة ومعرفة النافذين لبداية أي مشروع اقتصادي. مثل هذه التجربة تلخص أزمة بعضنا وتدفعه إلى هجرة الوطن.

كلنا يعرف أن هناك هجرة من نوع آخر إلى دول الخليج من السعوديين، وهذا يطرح السؤال: إذا كانت هذه الدول قريبة وبها مشتركات كثيرة معنا فلماذا نهاجر إليها ونتملك العقارات فيها؟ قد يكون ذلك بسبب الحريات، ولاسيما في الجوانب الشخصية التي لا تمس في تلك الدول، بعكس ما هو موجود لدينا، فكثير من الجهات التي تفرض رؤيتها على المواطن، وقد تتسبب حادثة بسيطة عن سؤال مثل: «هل من معك في المطعم أو المقهى هي زوجتك أو أختك أو أمك»؟ في خلق نواة للهجرة.

المصدر: الحياة