محمد العريان
محمد العريان
خبير اقتصادي عالمي

لهذه الأسباب سوف ينتعش الاقتصاد المصرى

آراء

من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، سماع أو قراءة أى شىء متفائل عن مصر هذه الأيام. فالقلاقل فى الشوارع مستمرة، مع وجود تهديد كبير على نحو غير مريح بتجدد المواجهة التى تشمل توليفة من مؤيدى محمد مرسى ومعارضى الرئيس المعزول والجيش. وتكافح الطبقة السياسية كى تجتمع حول إجراءات انتقالية فورية لإدارة الحكومة، ناهيك عن تلك الإجراءات اللازمة لإعادة البلاد إلى الطريق إلى الديمقراطية القادرة على البقاء. أما الاقتصاد فهو فى وضع حرج مع انتشار الفقر وزيادة العجوزات وارتفاع معدل التضخم وزيادة البطالة وانهيار الدخول.

لا سبيل لإنكار ذلك. فمصر اليوم تفتقر إلى أية دعائم اقتصادية ومالية ومؤسسية وسياسية قوية. بل إن دعائمها الاجتماعية تعانى من ضغط غير مسبوق.

●●●

وليس مستغربا أن يخشى عدد من الناس مما كان لا يخطر فى الماضى على بال أحد، ألا وهو الحرب الأهلية فى البلد الأكثر سكانا وتأثيرا فى منطقة جرى العرف على أنها متقلبة.

ومع ذلك، فمع أن التشاؤم الحالى يبرره الواقع على الأرض، فلا ينبغى أن يعمينا ذلك عن خمسة عوامل سوف تحرك انتعاش مصر فى نهاية الأمر. وعلاوة على ذلك فهى تدل على قدرة كبيرة كبتها طوال عقود نظام اختار أن يفيد قلة مميزة لا أن يخدم الدولة ككل ويمكِّنها.

أولا: تمتلك مصر العديد من محركات النمو الاقتصادى والدخل والتوظيف التى يمكن إعادة تشغيلها بسهولة بمجرد أن يُستعاد الهدوء. وسواء أكان الأمر يتعلق بالسياحة أو التصنيع، والزراعة أو الصناعة أو التمويل الإقليمى، فقد أخضع عدم الاستقرار الاجتماعى السياسى جزءا مهمّا من الاقتصاد لتوقف أصابه بالضرر. إلا أنه على عكس بعض الاقتصادات الأوروبية، ومنها قبرص واليونان، مازالت محركات النمو هذه قوية وقادرة على الحياة بشكل تام، ولكثير منها آثار مفيدة لتوزيع الدخل.

ثانيا: على الرغم مما تتسم به تمويلات البلاد الداخلية من فوضى، فهى لا تستعصى على الإصلاح. إذ إن عجز الميزانية المتفاقم يعكس انخفاضا فى الإيرادات، ونموذج السياسات المالية من الممكن «ويجب» إصلاحه. والأمر الأكثر أهمية هو أن الاستهداف الأفضل للدعم بحيث لا يستفيد منه الأسر والشركات الغنية التى لا تحتاجه وأن يكون موجها إلى شرائح السكان الأكثر عرضة للخطر الذى يمكن أن يحقق الكفاءة وأهداف المساواة.

ثالثا: يمكن لمصر تخفيف ضغوط احتياطى النقد الأجنبى والعملة من خلال تمويل عاجل بشروط جيدة. ولنشاهد فحسب التعهدات الأخيرة بمليارات الدولارات من الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فهى تدل على الاستعداد لدعم الانتقال التاريخى الذى يُنظر إليه ليس على أنه مهم للخمسة وثمانين مليون مصرى فحسب، بل كذلك للمنطقة ككل. وهى تأتى فى وقت تعزز فيه أسعار النفط العالمية عائدات أصدقاء مصر وحلفائها فى الخليج.

رابعا: لسنوات طوال، تعرضت مصرَ لمشكلات الإدارة السيئة للاقتصاد والتجاوزات السياسية المفرطة التى كان يمكن تجنبها. وبعون من حرية التعبير التى أكسبتها انتفاضة يناير 2011 وعززها الأداء المُعاد الأخير الذى يهدف إلى تعديل مسار الثورة، أصبح الوعى القومى بـ«أهداف» البلاد واسع الانتشار. وعلاوة على ذلك، وبناء على الكلمات والأفعال الأخيرة، يبدو أن جهات فاعلة كثيرة ومعها الجيش يتعلمون من أخطاء الماضى وينفذون تصحيحات للمسار، وإن كان جزئيّا ومترددا فى البداية.

خامسا: الشباب المصرى الأكثر تمكينا وانخراطا يفعل ما يزيد على مجرد التأثير على مصير البلاد. فالإحساس الأكبر بالمِلكية والانتماء يغير الحقائق على المستوى الجزئى.

وقد كان لطاقة حركات الشباب والتزامها وقدراتها التنظيمية وفاعليتها دور مهم فى تعبئة ملايين المواطنين بنجاح فى المظاهرات السلمية. كما أنها تعطى قوة للجهود المدنية، وبخاصة تلك التى استهدفت تحسين التعليم والخدمات الصحية لكل من أسيئت خدمتهم بواسطة توفير الحكومة المثقل بالأعباء للخدمات الاجتماعية وشبكة أمانها التى تكثر فيها الثقوب. إنها مسألة وقت فحسب إلى أن يصل تنظيم الأعمال الأساسى إلى الكتلة الحرجة التى تحقق الفوائد الاقتصادية الجزئية والفوائد الاقتصادية الكلية.

●●●

هذه كلها سمات لها قيمتها. وهى يمكن أن تساعد فى الحد من انحدار البلاد. وسوف تحقق فى نهاية الأمر لمصر أرباحا مهمة متوسطة الأجل عندما تنتظم العملية السياسية. ولنعتبرها أشعة ضوء فى الظلام التشاؤمى الحالى الذى يسود فى واقع الأمر كل تحليل لوضع مصر الحالى وآفاقها المستقبلية. بل إنها يمكن أن تزيد على كونها ضربة جزئية مضادة للإحساس المتزايد باليأس وخيبة الأمل الذى يمكن أن يشل بسهولة الجهود القومية والدولية اللازمة لوضع مصر على طريق الرخاء متوسط المدى. وقد تكون كذلك بمثابة إشارة محفزة لمتخذى القرار الرئيسيين؛ فالجانب الإيجابى من القرارات الاقتصادية والسياسية المعقولة أكبر بكثير مما يحكم كثيرون، إن لم تكن الغالبية، بأنه مرجح.

المصدر: صحيفة الشروق