محمد العريان
محمد العريان
خبير اقتصادي عالمي

” دويتشه بنك “.. دواعي القلق

آراء

ركزت في مقال سابق على الرياح العكسية التي تواجه النظام المصرفي الأوروبي وعلى الآثار الأوسع نطاقاً لاهتزاز الثقة بمصرف «دويتشه بنك»، وانخفاض سعر سهمه بنسبة تتجاوز النصف.

دعونا الآن نلقِ نظرة أكثر قرباً على العوامل الخاصة بالبنك، والتي تشمل ما يمكن أن يحدث، وما لن يحدث على الأرجح، بادئين بالاحتمال المخيف، الذي أراه غير قابل للتصديق، الخاص بتحول المصرف إلى «لحظة ليمانية»، نسبة إلى «ليمان براذرز» البنك الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية عام 2008. العبارة بنصها، مستمدة من الآثار المؤلمة للأزمة المالية العالمية قبل 8 سنوات. و«اللحظة الليمانية» يقصد بها «التوقف الفجائي» للاقتصاد العالمي، بمعنى حدوث هبوط، في وقت واحد، في التجارة، والاستثمار، والاستهلاك. السبب التقريبي لذلك، هو فقدان الثقة داخل النظام المالي، بسبب تفكك المؤسسات، نتيجة لقلقها من الخطر الذي يشكله «الطرف الآخر» في تعاملاتها مع الأنظمة المالية المماثلة. وفي هذه الحالة، تنسد وسائل التحويل داخل النظام المصرفي، ويجف الائتمان، وحتى المقترضون الذي يتمتعون بجدارة ائتمانية، يجدون صعوبة في ترتيب تمويل تجاري بسيط لأعمالهم. وهذه التطورات هي المعادل الاقتصادي للنوبة القلبية؛ وبالتالي فإنها إذا لم تُعالج بسرعة، فإن الكثير من الأعضاء الأخرى في الجسم، ستفقد قدرتها على العمل بصورة طبيعية، ما يؤدي إلى انتشار حالات فشل متتالية، في مختلف أنحاء النظام.

ليس من المرجح أن يؤدي ما يحدث في «دويتشه بنك»، إلى خلق نسخة عام 2016 من «لحظة ليمان برازرز» لأسباب جوهرية منها: أن مصادر تمويل «دويتشه بنك»أكثر تنوعاً بكثير من ليمان براذرز؛ فضلاً عن أن ميزانيته أكثر قوة بكثير مما كانت عليه ميزانية البنك الأميركي في أي وقت. كذلك يختلف «دويتشه بنك» عن «ليمان براذرز» في نقطة مهمة، وهو تمتعه بالقدرة على الحصول على «تمويل طوارئ» من البنك المركزي الأوروبي.

يتمتع البنك أيضاً بوسائل داخلية لتوليد رأس المال، على الرغم من حقيقة أنه كلما استخدمت هذه الوسائل أكثر، باتت أقل جاذبية، سواء للإدارة ولحملة الأسهم الموجودين. فضلاً عن ذلك، إذا ما أخذنا في الاعتبار احتياطيات التقاضي المتراكمة في البنك، فسوف ندرك أن الضغوط ستخف عليه كثيراً بعد أن توصل، كما أشارت تقارير خبرية الأسبوع الماضي، إلى تسوية مع وزارة العدل الأميركية، تتطلب منه دفع مبلغ أقل بكثير من الغرامة الأصلية التي فرضتها الوزارة على البنك ومقدارها 14 مليار دولار.

ولكن حتى إذا لم يكن «دويتشه بنك» يهدد بخلق «لحظة ليمانية» فإن ذلك لا يعني أن المتاعب التي واجهها لن يترتب عليها أي آثار منهجية. فهناك أربعة عوامل يجب أخذها في الحسبان: – أن قصة ما حدث مع البنك، توجه ضربة أخرى إلى السمعة الهشة للنظام المصرفي؛ كما ستؤدي إلى تأجيج سياسات الغضب، وتغري بعض السياسيين بالإدلاء بتصريحات، يمكن أن تقوض الثقة في عملية الوساطة المالية. – من خلال تسليط الضوء على الثغرات المتبقية في البنية التحوطية الشاملة، فإن المتاعب التي يواجهها «دويتشه بنك»، تضع البنوك المركزية، والمنظمين تحت ضغط شديد، مرة أخرى. وهو ما يعرضهم لتهديد أخطر، يتمثل في التدخل السياسي، في وقت تثور فيه العديد من الأسئلة، ويتنامى الغضب من البنك المركزي الأوروبي، للجوئه إلى سياسة تقوم على استخدام معدلات الفائدة النسبية، وميزانيته، في تمويل عمليات شراء أصول على نطاق واسع. – المخاوف المتجددة بشأن البنوك الأوروبية، يحتمل أن تمثل ريحاً عكسية أخرى، تواجه توقعات النمو غير المطمئنة بالفعل، في المنطقة. وعلينا أن نتوقع أيضاً أن المؤسسات المالية الأوروبية، ستصبح أكثر تحوطاً، عندما تعطي الأولوية لمتانة ميزانيتها على منح القروض، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بإقراض المشروعات الصغيرة، والمتوسطة الحجم.

الصعوبات التي يواجهها «دويتشه بنك» تنشر الإحساس بالتقلب، وعدم الثبات في بنية رأس المال، في البنوك الأخرى؛ ما يحتمل أن يؤدي إلى زيادة عدد المؤسسات، التي تجتذب البائعين على المكشوف؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة احتمالات حدوث حالة، أوسع نطاقاً، من عدم الاستقرار. إن المزايا التي ستترتب على تحقيق استقرار مصرف «دويتشه بنك» تمتد بعيداً إلى ما وراء مؤسسة واحدة؛ وجدت نفسها مجبرة، على إعادة تعريف نموذج نشاطها، نتيجة لتحديات داخلية وخارجية واجهتها. ومن حسن الحظ أن هناك أدوات أخرى لاستعادة الاستقرار. وفي حين أن حدوث «لحظة ليمانية» أمر غير وارد، فإننا يجب أن ندرك أن الوقت ينفد تدريجياً من أوروبا، ونظامها المصرفي، للمبادرة بالقيام بعملية احتواء وتقليص لأقصى حد، لمخاطر أي أضرار جانبية، أوعواقب غير مقصودة.

*رئيس مجلس التنمية العالمية

التابع للرئيس أوباما

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»

المصدر: الإتحاد