محمد العريان
محمد العريان
خبير اقتصادي عالمي

تحديات صعبة أمام «الاحتياطي الفيدرالي»

آراء

يأتي الكم الهائل من البيانات الاقتصادية الصادرة خلال الأسبوع الحالي في الولايات المتحدة (والبيانات الأقل الصادرة في الصين ومنطقة اليورو) في لحظة خاصة مناسبة. وتنتشر الآراء الخاصة بالفرص المتاحة أمام الاقتصاد الأميركي على نطاق واسع. وهناك تباين كبير في التقييمات الخاصة بتأثير احتمال زيادة مصرف الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة خلال العام الحالي. كذلك هناك اختلاف أكبر في الآراء بشأن بما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تساعد في انتشال باقي العالم من التراجع أم أنها ستنجر إليه. وكان هذا التنوع في الآراء نتيجة العوامل المحلية والعالمية. وعبر الجدل حدود الزمن والجغرافيا.

في الولايات المتحدة، لم يتفق خبراء الاقتصاد بعد على الحد الذي يمكن أن ينجح فيه التعافي المستمر للاقتصاد في التصدي للرياح المناوئة الداخلية التي يشير إليها من يشعرون بالقلق من حدوث ركود للاقتصاد القائم على السوق. ولم يقدم سوى عدد قليل حلا حاسما لمشكلة الأجور التي تتمثل في الفجوة الهائلة بين توافر الوظائف والدخل المنخفض. ويبدو أنه لا يوجد تناسب بين إجمالي توجهات الإنتاجية وتأثير التكنولوجيا التحويلية على الأرض. على الجانب الآخر، التأثيرات النهائية للانخفاض الحاد في أسعار النفط، والتقدير الملحوظ للدولار، غير مفهومة تمامًا، خاصة في ظل سعر الفائدة المنخفض جدا المصاحب لهذين التوجهين. كذلك يتسم السياق العالمي بسيولة أكبر، وهناك صعوبة أكبر في توقع مساره.

وتتسع دوائر عدم اليقين بشأن الوضع الجغرافي السياسي، مع اندلاع الحرب في اليمن، والتي تضيف عنصرا آخر إلى قائمة تضم بالفعل مناطق أخرى من الشرق الأوسط، فضلا عن توترات بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.

على الجانب الآخر، لا يزال الاقتصاد الصيني، الذي كان حتى وقت قريب محرك النمو العالمي، يعاني من التباطؤ، وهو ما يثير أسئلة بشأن هبوطه الآمن السلس. وسوف تلقي البيانات والإحصاءات التي تصدر خلال الأسبوع الحالي بعض الضوء على تلك الأسئلة. ورغم أن تلك اللمحات الشهرية لن تكون مؤكدة، ينبغي أن تساعد في تضييق الفجوة بين الآراء المتباينة. على سبيل المثال، نحن على ثقة من أننا تمكنا من التعامل بشكل أفضل مع قوة النمو الاقتصادي من خلال جمع البيانات الخاصة بالسيارات، والبناء، والمصانع، وخدمات التصنيع ودخول الأفراد معا، لكن رغم أن تلك التغطية واسعة النطاق، وأنها مصحوبة ببيانات واضحة صادرة من الصين ومنطقة اليورو بشكل خاص، تظهر الأرقام، التي سيكون لها أكبر تأثير، في تقرير الأجور الشهري في الولايات المتحدة، والذي يتضمن أجور كل العاملين باستثناء موظفي الحكومة، والعاملين من المنزل، والعاملين في المنظمات التي لا تهدف للربح، والذي سيصدر غدا الجمعة.

ومن المتوقع أن تكشف الإحصاءات عن توفير 25 ألف وظيفة جديدة في مارس (آذار)، وهو ما يجعل شهر مارس الشهر الثالث عشر على التوالي الذي يشهد توفير وظائف يزيد عددها على 200 ألف.

ويتوقع البعض زيادة في تلك الإحصاءات بفضل التأثير التراكمي لانحسار التراجع في أسواق العمل، في حين يرى آخرون أن تراجع نمو الأجور بات أكثر رسوخًا في بنية الاقتصاد. ولا يمكن التقليل من أهمية هذه المسألة.

ومن دون نمو مستقر للأجور، سيتأرجح تعافي الاقتصاد الأميركي مع تأرجح الدوافع المحلية الضعيفة أمام الرياح الخارجية والداخلية. وسيكون النمو الاقتصادي خلال عام 2015 في حدود اثنين في المائة، وقد ينخفض إلى 1.5 في المائة أو أقل من ذلك. ومن المتوقع أن تزداد أوجه عدم المساواة في الدخول والثروات سوءا. وسيواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي تحديات صعبة في السياسات وهو ينظر في «أوجه النفع والتكاليف والمخاطر» المتعلقة بموقفه من سعر الفائدة الذي وصل إلى الصفر. ورغم أن هذا النهج غير التقليدي في وضع السياسات أثبت فعالية محدودة عند مقارنته بالتوقعات، وأنه يتضمن مخاطرة متنامية بوقوع دمار شامل، يمكن أن يعجل الاستئصال المبكر بتكرار حدوث عدم الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يزيد من تآكل ديناميكيات النمو الاقتصادي.

على الجانب الآخر، من شأن وجود دليل على زيادة الأجور أن يعزز التوقعات بزيادة الاستهلاك في القطاع المنزلي، الذي يمثل العمود الفقاري للاقتصاد الأميركي. كذلك سوف يحسن فرص قيام شركات، لديها موارد، لكنها غير متحمسة حتى هذه اللحظة لاستخدامها، باستثمارات. وهذان الأمران سوف يدفعان باتجاه زيادة معدل النمو السنوي إلى حدود ثلاثة في المائة، وكذلك سوف يسهمان في تهدئة المخاوف من حتمية تفاقم عدم المساواة في الأجور والثروات والفرص، حتى وإن كان ذلك على مستوى الإطار الخارجي. وكذلك سوف يعزز هذا فرصة اتجاه سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي النقدية نحو نمط طبيعي منتظم. ورغم عدم اكتمال عملية تحليل البيانات، يخبرني حدسي أن النمو الضروري أكبر منقذ للأجور، ومن شأنه تخفيف الضغوط المدمرة التي تواجهها القطاعات الأقل حظا في المجتمع، سيصاحب الزيادة الكبيرة في الوظائف، وأن هذا الأمر ليس سوى مسألة وقت. وآمل أن تأتي بيانات وإحصاءات الأسبوع الحالي لتؤكد وتدعم تفاؤلي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/326916