جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

لو كان السريحي دكتوراً!

آراء

في قرار جامعة أم القرى بإلغاء رسالة الدكتوراه لسعيد السريحي وردت جملة: «يطلب من الطالب الرجوع والتوبة»، يبدو أن السريحي لم يعلن التوبة حتى الآن من الاعتماد على البحث العلمي واحترام قواعده، على رغم مرور نحو 28 عاماً، لذلك لا حق له في استعادة الدرجة العلمية التي منحت له سهواً، قبل أن تستيقظ الجامعة وتسترجعها منقذة المجتمع من المناهج الغربية الغريبة!

طلب التوبة من الباحث منهج مبتكر ودقة فريدة في تفحص نوايا الرسائل الجامعية ومعرفة هواجس كاتبها، ما يجعل جامعة أم القرى رائدة ومتفردة في آليات الموافقة على الرسائل الجامعية أو رفضها، لأن جامعات العالم التقليدية تكرر دوماً مسوغات منهجية علمية لرفض أي بحث، ولا تمتلك براعة ميكروسكوبية في حراسة البحث العلمي وتحصينه من الغزو الفكري الغربي الذي كان يترصد المجتمع في كل لحظة.

الحق أن الجامعة كانت رحيمة بالسريحي، فهي لم تحرمه الفرصة كلياً، بل فتحت له ذراعيها لمعاودة التجربة بعد أن يتطهر مما علق به من أفكار الغرب ومناهجه الغريبة، مع أنها لم تناصح السريحي وقتها، إذ كان من المفترض أن تلزمه بقراءة رسائل الدكتوراه التي منحتها للباحثين، حتى يستدرك خطأه ويعرف الطريقة السليمة للبحث العلمي، خصوصاً أنها كانت سباقة في منح هذه الدرجة منذ السنوات الأولى لنشأتها.

لو أن الجامعة منحت السريحي الدكتوراه وقتها لفرخ أجيالاً من الحداثيين وقوى شوكتهم وبث فكرهم في أوساط الجامعة الرصينة. لو كان دكتوراً لأسهم في نشر المناهج الغربية الغريبة وشجع التفكير وأشاع روح الأسئلة وعلّم طلابه المنطق، وربما حببهم في الفلسفة وغيرها من المناهج الضالة، لو كان هذا العنيد دكتوراً لتحلق حوله الطلاب من التخصصات الأخرى ودس في أذهانهم أفكاره المرفوضة، لو أنه مرق بالدكتوراه لكان حاضناً لجيل لا يعرف نعمة الإنصات ومعنى الطاعة، ولا يتورع عن قراءة مؤلفات الغرب وترديد مقولاتهم.

كان السريحي أحد رموز نبتة الحداثة التي كشف عوض القرني عوارها وأسقطها بضربة صاعقة، ثم وقع السريحي في الشبكة اليقظة فلم يفلت بالدكتوراه من القلعة العتيدة، فكان نصيبه قضاءً مبرماً على الحداثة وطابورها الخامس وتحذيراً قوياً لكل من توهم أن بإمكانه اعتماد مناهج البحث الغربية ودسها وزرعها في الجامعات الصامدة.

من حسن الحظ أنه لم يتب ولم يعاود كتابة الرسالة وفق المتطلبات الجديدة، وإلا لكان أحد نجوم جماعة «هلكوني».

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser