كاتب اماراتي
«لا شيء مخلّد أبداً، لا مخلّد الإنسان، ولا مخلّد المال. المخلّد هو الوطن والعمل، وكلّ فردٍ منّا سوف يُذكر بعمله». الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، رحمه الله.
***
19 رمضان: استيقظت ذات غربةٍ، لأجد رسالة، من صديق، باتت ليلتها تنتظر في هاتفي المتحرّك، كتب فيها: «عظّم الله أجركم في فقيدكم الشيخ زايد».
رسالة هاتفية لم يتجاوز عدد كلماتها ستّ كلمات، لكن كان لها مفعول ستّ قنابل من تلك التي ألقاها الأميركان على هيروشيما وناجازاكي، فكل كلمةٍ فيها فجرت في داخلي شيئًا ما، وشعرت بعد قراءتها بأنّني بحاجة لتحسس داخلي لأفتّش عن الأثر الذي تركته،
فاكتشفتّ أنّ قلبي لم يعد في موضعه!
يا ترى.. ماذا يفعل الموت بقلوبنا؟
***
يصف أحد الصحابة اللحظة المظلمة التي حُرم فيها المسلمون من رؤية حبيبهم، صلى الله عليه وسلم، والحديث معه، والاستماع إليه، عندما صعدت روحه إلى باريها، وقارن بينها وبين اللحظة المبهجة عندما دخل المدينة فقال: «لمّا كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله المدينة أضاء فيها كلّ شيء، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم فيها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من التّراب وإنّا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا»،
ولم يكن في هذا مبالغة، فمن جرّب فقد حبيب أو قريب يعلم جيدًا ماذا يفعل الموت بقلوبنا؟
من يخبر الموت أنه ضيفٌ غير مرغوب في مروره بجانب قلوبنا التي نخبئ فيها أحبابنا؟ ومن يخبر هذا الموت أنّه عندما يقتحم قلوبنا كلصٍ يتسلل من النافذة، ويسرق منها من نحب ثم يفرّ هاربًا، يتركنا وقلوبنا، في حالة فوضى عارمة؟ فمنذ رحيل زايد، وأنا أعيد ترتيب أثات قلبي الذي بعثره الموت. أجمع ابتساماته، صدقه، وطيبة قلبه وأحفظها في ركنٍ قصيّ من القلب!
***
في كل رمضان، يتجدّد موعدنا مع الفاجعة، وينبت السّؤال من جديد: ماذا يفعل الموت بقلوبنا؟
رغم إني أحبّك يا رمضان، إلا أنّني أخافك أيضًا، لأنّك تعود كل عام ولا يعود معك زايد، فنستقبله بالأعلام والورود، كما كنّا نفعل حين كان يعود إلى داره ونحن أطفال. في المقابل، أحبك لأنك اخترت لرحيله أحبّ الشهور إلى الله، هو الآن عنده، قريب منه، أشدّ ممّا لو كان هنا بيننا.
وأحبّك كذلك لأنّك أصبحت تذكرني بصورته وهو يلوّح لنا مبتسمًا، بصوته وهويعبر من قلبه إلى قلوبنا، وبكل ما يتعلّق به، لكن، أخبرني يا رمضان: ماذا يفعل الموت بقلوبنا؟
***
أن يرحل زايد، عبارة نرفض نحن الذين أحببناه أن نفهمها. كيف يكون رحل ذات يوم، هذا الذي لايزال اسمه ينتقل كل يوم على شفاهنا وأقلامنا، وفي أحاديثنا ومقالاتنا. هذا العظيم، عرف كيف يهيئِّ بأعماله العظيمة، وهو حيّ، خلوده بعد رحيله، بل كأنّه كان دائماً يعمل على تهيئة رحيله، وحياته بعد رحيله، وقد نجح، فها هو يخرج كل رمضان من مرقده الطّاهر، ليطمئنّ على الإمارات وعلى أبنائها؟
نحن بخير يا والدنا، إلا أن قلوبنا بعد رحيلك لم تعد كذلك!
المصدر: الإمارات اليوم