عادل الطريفي
عادل الطريفي
كاتب و إعلامي سعودي - رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط"

مذكرة ميونخ: ماكين.. وظريف والسعودية

آراء

في جلسة نقاشية مشتركة لكل من جون كيري وتشاك هيغل – وزيري الخارجية والدفاع – حاول كل من المسؤولين الأميركيين الدفاع عن إدارة الرئيس باراك أوباما ضد فكرة الانسحاب الأميركي الكبير من العالم، والتي تخللت نقاشات مؤتمر ميونيخ. يقول الوزير كيري: «نحن لم ننسحب من أي مكان.. كل ما قمنا به الانسحاب من العراق وأفغانستان وفقا لاتفاقيات سابقة.. نحن ننتقل.. نحن نعمل مع الإماراتيين والسعوديين حول التحول في مصر. نحن موجودون ومنخرطون في بلدان وأماكن كثيرة».

أما هيغل، فذهب أبعد من ذلك، حيث جادل بأن «الولايات المتحدة أكثر حضورا ونشاطا في أماكن كثيرة اليوم، ربما أكثر من أي وقت مضى. كيف نقوم بذلك؟ هو شأن مختلف.. نحن لن نرحل إلى أي مكان». ملخص حديث الوزيرين هو أن إدارة الرئيس أوباما تعتمد التحول من الاعتماد على الحل العسكري إلى الدبلوماسية.

هل هذا الطرح مقنع؟ السيناتور جون ماكين غير مقتنع، بل هو يرفض هذا التبرير قائلا: «الحقيقة أننا نتراجع.. لقد خذلنا حلفاءنا في المنطقة، واضطررناهم إلى أن يسلكوا طريقهم الخاص.. حمدا للرب على أصدقائنا السعوديين، حيث دعموا المعارضة السورية في الوقت الذي فشلت فيه محادثات جنيف». ماكين يستشعر أن إدارة أوباما تفرط في تفاؤلها بشأن التزام إيران بأي اتفاق نووي جاد، وأنه يكفي النظر إلى تاريخ النظام المليء بالخداع لإدراك ذلك.

بيد أن تحذيرات ماكين لا تزال غير مجدية، فالمتابع للقاءات الجانبية التي عقدت بين كيري والوزير الإيراني محمد جواد ظريف، يدرك أن الإدارة ليست فقط مفرطة في أمانيها، بل إن لديها سببا ما يدفعها لهذا الاندفاع. أحد التفسيرات الرائجة أن الرئيس أوباما يرغب في تحقيق انفتاح دبلوماسي على غرار ما قام به الرئيس ريتشارد نيكسون مع الصين عام 1972، لا سيما مع تراجع الولايات المتحدة في أكثر من ملف خارجي، وتدني ثقة الأميركيين في سياسته الخارجية. طبعا، أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن أوباما يدرك أن مشروع إيران النووي لا يمكن إيقافه اليوم إلا بالقوة، وهو خيار مستبعد بسبب الرفض الشعبي لحروب جديدة، ولأجل ذلك يأمل أوباما في أن يسهم الانفتاح على إيران في إيقاف المشروع النووي عند مرحلة الوصول إلى تقنية التخصيب، وتكون مكافأة إيران عند ذلك القبول بدخولها النادي النووي. أي كما حاولت إدارة نيكسون الاعتراف بتايوان كجزء من الصين، فإن الإدارة الحالية تأمل أن تتغير علاقة العداء باعتراف الولايات المتحدة – ضمنيا وليس مباشرة – بحق إيران في التكنولوجيا النووية بغض النظر عن أهدافها.

هناك تفسير آخر لحالة الاندفاع هذه تجاه إيران، وهو أن لدى أوباما رغبة في ترحيل ملف إيران إلى ما بعد انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث لا توجد رغبة لدى الديمقراطيين في إثارة الملف النووي خلال هذه المرحلة، وثمة قناعة بأن الشؤون الخارجية استنفدت جهود الإدارة في الأعوام الماضية، بينما كان ينبغي التركيز على الشؤون الداخلية كالاقتصاد، ثم إن الاستمرار في حالة المواجهة الساخنة مع إيران – على المحور السوري مثلا – قد يجبر الأميركيين على الغرق مجددا في أوحال المنطقة.

أيا تكن الأسباب، فإن الإيرانيين سعداء بما يحدث، ويكفي فقط التحدث إلى الوزير الإيراني ظريف ووفده المرافق، فقد وفر لهم هذا الانفتاح فرصة للتنفس منذ دخول العقوبات المصرفية حيز التنفيذ قبل أقل من عامين، وأعادت الثقة للدبلوماسية الإيرانية منذ صدور القرار 1803 والذي يحظر فيه سفر بعض المسؤولين الإيرانيين القائمين على النووي. المفاوض الإيراني اليوم يشعر بأنه يتحدث من موقع قوة، لا سيما وأن الانفتاح وتجميد بعض العقوبات لم يأت عبر أي تنازل إيراني معلن، فهم كانوا مستعدين لاتخاذ تلك الخطوات في وقت من التفاوض.

الوزير ظريف بدا أكثر ثقة وهو يتحدث – وإلى جانبه وزير خارجية السويد، والسيناتور الديمقراطي كريستوفر ميرفي المؤيد لسياسة أوباما تجاه إيران – عن إتمام إيران لالتزاماتها في المرحلة الأولى، وأكد للحاضرين أنه التقى كيري للحديث عن الخطوات المقبلة، ولم يفت ظريف التنبيه إلى دول إقليمية وخليجية بدأت مراجعة مواقفها، وأنه يتطلع للذهاب إلى السعودية في أي وقت.

سألت الوزير الإيراني عما ينوي حمله إلى السعودية، فقال: «لقد عبرت عن رغبتي في زيارة السعودية قبل أشهر، ولا أزال أتطلع للقيام بذلك. لدينا الكثير من المصالح التي بإمكاننا الحوار حولها.. لا نريد التنافس مع السعودية، بل في حوار البلدين استتباب للأمن في المنطقة».

من الواضح أن ما يمنع الوزير عن الزيارة ليس عدم توفر الموافقة السعودية، فقد تلقى الترحيب بمبادرته، ولكن عدم وجود الاستعداد لدى الجانب الإيراني لمناقشة الأسباب الرئيسة للخلاف. على الأقل حتى الآن.

المصدر: الشرق الأوسط