عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«مزيد من الدماء.!»

آراء

كثيراً ما كنت أسمع زملائي المثقفين يردّدون مصطلح النوستولوجيا، لم أكن أفهمه، ولكن من المعيب إظهار ذلك، لذا كنت أحرص على هز رأسي بمعنى الموافقة أو إصدار أصوات الإيماءات القططية.. هممم.. أهاااا، حتى اكتشفت معناه أخيراً، ما أكسبه الشرعية لدي، لأنني أعتقد جازماً أنني أكثر الناس إصابة به.

النوستولوجيا: هو.. الحنين إلى الماضي!

قبل 25 عاماً، ونحن نقول 25 عاماً كيلا نقول ربع قرن، لأننا نحس بأن إيقاعها مرعب علينا، وفي مثل هذه الأيام الشتوية كنا نتحين فرص الإجازات، خصوصاً أن إجازة نهاية الأسبوع كانت يوماً واحداً، فننطلق إلى بعض الاستراحات الصحراوية لقضاء يومين، بعيداً عن صخب المدن التي لم تكن صاخبة على الإطلاق بمقاييس الصخب المقرف هذه الأيام، استراحة سويحان، استراحة خليفة، كان نظاماً أشبه بنظام اللوكندات الأميركية.

أيام الاستراحات كانت ذكريات جميلة عدا إحدى رحلاتها التي تحوّلت إلى كابوس ربما، وأقول ربما مازلت أعاني من تبعاته إلى هذا اليوم، حيث إننا ونحن في الطريق الصحراوي المؤدي إلى الاستراحة رأينا تجمعاً لأناس كثيرين، واتضح أنه حادث أدى إلى وفاة أشخاص عديدين في المركبة.

لا أستطيع أن أنسى الفوضى والضوضاء وعشرات العرب يتكلمون ويصيحون، وأشخاص عديدون من غير العرب قاموا بكسر النوافذ وإخراج الأجساد، كان هناك جسد طفلة صغيرة يحمله والدي ليضعه في سيارات الإسعاف، لا أعرف هل كنت أغار من تلك الجثة التي ودعت في الأيام الجميلة، لماذا لا نحب للأيادي التي تحتوينا أن تحتوي غيرنا حتى ولو كان في مصيبة؟!

تحوّلت رحلة نهاية الأسبوع إلى قلق عام، تعرضنا لاستجواب شديد من الأسرة عن المناظر التي رأيناها، ولماذا تحركنا خارج السيارة، كان هناك خوف من أن يرى الأطفال منظر دماء، وقد كان مؤثراً فعلاً.

وعلى الرغم من نشوئنا في مجتمعات يعمرها الحب في الثمانينات، ورغم أن مشاهد الدماء كانت نادرة وقليلة، إلا أنه في داخل كل منا مازال ذلك الدموي يصارع للخروج، أفكر في هذا وأكاد أقضي رعباً حين أفكر في جيل نشأ في فترة زمنية اصطبغ كل شيء فيها بالدماء، وأصبح الوصول إلى مواقع إلكترونية والحصول على أبشع المظاهر واللقطات يبعد نقرة زر، أو لمسة بذيئة على شاشة «آي باد» مقلد ورخيص، حين تكون ألعابه المفضلة وفترات راحته عبارة عن لعبة تقضي بقطع الرؤوس وتدمير أجساد «الزومبي»، أو أن تكون اللعبة لصاً ذكياً يستخدم الأسلحة لتفجير سيارات الشرطة وطائراتها، اسأل أي طفل الآن عن أنواع الأسلحة سيأتيك بقائمة من الأسلحة وبدقة، لأنه استقاها من تلك اللعبة الإلكترونية، ذهب ذلك الطفل البريء الذي يسمي كل لعبة «مسدس»، حين ينشأ طفل في هذا المناخ وفي مناخ عالمي تسوده الكراهية والرغبة في الانتقام والحقد على جميع مخالفي الرأي، فكيف يمكنني أن أتوقع أن يلجم الشرير في داخله؟!

رحماك يا الله!

المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2015-02-05-1.753762