محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

مضارب العرب

آراء

لا أعلم بالدقة، متى تحولنا من أناس بسطاء نهتم بمعاني البشر، إلى أناس لا تهمنا سوى المظاهر.

الإنسان الخليجي في السابق كان رمزاً للبساطة والتواضع، ومازال هناك الكثير من الخلجيين يشتهرون بالتواضع والبساطة ولا يعيرون للمادة أية أهمية، ولكن يلاحظ في نفس الوقت أن هناك أعدادا متزايدة بالمقابل تدمن المادة.

حين ننظر حولنا، نلمس على الفور ودون عناء مدى تغلغل المادة فينا لتصبح شغلنا الشاغل، تقييمنا للفرد بات يعتمد على نوع المركبة التى يقودها، أو ماركة الساعة التى يلبسها، أو مجموع رصيده في البنك، وطبعاً كلما زاد الرصيد كلما ازدادت أهمية الشخص، لذلك ترانا نمشي مرحاً في أول كل شهرعند نزول الرواتب في حساباتنا البنكية، فبضعة الدراهم التى تحيي أرصدتنا من بعد أن كانت رميم، تمنحنا شعوراً بالتفوق، وبالارتقاء إلى مصاف من يستحقون الاحترام.

ولأن كلما زادت بهرجة المظاهر، كلما ارتقت بصاحبها الى مصاف الناس المهمين ” في. آي.بي”، فإن كثيرا من شبابنا وللأسف يدخلون طوعاً في معمعة الديون، ليشتروا أفخر أنواع السيارات وأحدثها، وليبكوا بعدها طويلاً لعجزهم عن دفع قيمتها، كل ذلك حتى ينالوا احترام الشارع. وأذكر الشارع هنا لمحدودية استعمال السيارة في الشوارع فقط، فلو استطاع الشباب اصطحاب سيارتهم أينما تواجدوا، لوجدتهم لا يفارقونها حتى عند دخولهم الحمام “أكرمكم الله”!

قيمة الإنسان واحترامه بالنسبة لهم، مرتبطان بشكل كلي بنوع المركبة التى يمتلكها، ولعل ذلك من الأسباب الرئيسية التى بسببها، نرى بعض شبابنا يصر على شحن سيارته معه أثناء سفره، حتى وإن سافر إلى عاصمة صناعة السيارات في العالم.

ولقيادة السيارات في الخارج طقوس لا يمارسها إلا الضالعين فيها، فالغرض من السيارة ليس التنقل من نقطة لأخرى، بقدر ما هو الطواف حول أماكن تجمعات العرب “مضارب العرب”، وخاصة وقت الأصيل “الوقت الرسمي لاستيقاظ العرب أثناء سفرهم”.

ويعتبر صاحب السيارة محظوظاً إذا فرغ موقف ما أمام طاولات مقهى، في قلب مضارب العرب، عندها يركن مركبته بطريقة تمثيلية، يجاهد فيها أن لا يظهر مدى سعادته بنظرات رواد المقهى، ولا ضير في الانتظار في السيارة لبعض الوقت بعد إيقافها، والتظاهر بأنه يبحث عن شيء ما، أو يجري مكالمة هاتفية، فذلك يوفر له أكبر عدد من الجماهير التواقة لمعرفة من يكون.

كثيراً ما تشاهد، تلك النوعية من الشباب تجلس في شموخ في سيارتها الفارهة، كملك في قلعته المنيعة، في عينيه بريق من الثقة بالنفس والقوة، وما أن يترجل الواحد منهم، حتى يتحول الملك إلى موظف بسيط، بل تتفاجأ بعد نزول أحدهم بأنه يبدأ بالتضاؤل ويصغر حجمه، وتقصر قامته من بعد طول، يصدمك بتحوله المفاجيء من ناشط اجتماعي لا يترك فتاة في حالها، إلى شاب خجول منطوٍ على نفسه.

وبمقابل الشبان، هناك الفتيات، اللاتي أصبح أكبر همهن، هو اقتناء حقائب اليد، والتى استبدلتها الفتيات بفتى أحلامهن، فللحقيبة الأولوية، ثم يأتي بعدها ما يأتي من متطلبات الحياة، ولا ضير لدى بعضهن أن يحرمن أنفسهن من الطعام والشراب لأجل شراء حقيبة، أصبح من النادر جداً أن تسمع فتاة تبكي لرفض أسرتها تزويجها لفتى أحلامها، ولكن من الشائع والعادي مشاهدة فتاة تبكي بحرقة من أجل الحصول على حقيبة يد بجلد التمساح.

كلما ازدادت قيمة الحقيبة، ارتفعت أسهم صاحبتها بين زميلاتها، وملأتها ثقة بنفسها وبمقدرتها على مواجهة العالم، وربما رفعت من قيمة مهرها أيضاً، وقد وصل الحال لبعضهن أن يتشاركن في شراء حقيبة ليتقاسمنها في المناسبات، ولحسن حظ الفتيات، فإنهن يستطعن اصطحابها معهن في كل مكان، لا يهم إن كن يحتجن لها أم لا، المهم هو اقتناؤها والتباهي بها.

ضاعت قيمة الإنسان ما بين الساعة والسيارة والحقيبة، المادة الزائفة غشت أبصارنا، صرنا لا نرى ما يقدمه الفرد من نشاط إنساني لمجتمعه، ولا نقدر عطاءه المعنوى لمحيطه، ولا دينه ولا حتى ثقافته، الأولوية أصبحت للمادة، ثم بعدها قد يُنظر إلى فكرك أو مثاليتك أو أخلاقك، المهم أن تحوز على أكبر قدر ممكن من المادية ثم فلنتناقش عن انسانيتك.

نحتاج إلى العودة إلى تواضعنا، ونحتاج أكثر إلى التعلم من جديد كيفية احترام العامل البسيط والخادمة، وتقدير إنسانيتهم، لنحاول التجرد من المادية، والنظر إلى الآخرين بتقدير لما لهم من دين وأخلاق وثقافة.

خاص لـ ( الهتلان بوست )