هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

معادلة غير عادلة

آراء

حين أضرب عمال مصفاة «جرانجماوث» الأسكتلندية في عام 2013، بسبب عدم موافقتهم على إجراءات تخفيض الرواتب، أعلنت شركة «إنيوس» مالكة المصفاة عن إغلاقها على الرغم من ضخها 85 % من حاجة أسكتلندا، فاضطر عشرات الموظفين إلى الهجرة للخليج بحثاً عن وظائف، وحين ألقت الهزة الاقتصادية بظلالها حول العالم، وجد عدد كبير من موظفي البنوك والمصانع والشركات في أمريكا وأوروبا أنفسهم دون وظائف، فتوجه كثير منهم أيضاً إلى الخليج، لأنهم «يعاملون هنا معاملة خاصة». يؤكد هذا ما نشرته صحيفة «جلف بزنس» وهو أن الأجور في دول الخليج تعد الأعلى للوافدين، وعلى الرغم من أن متوسط الرواتب ارتفع بشكل عام للغربيين والآسيويين والعرب، إلا أن الفرق والتمييز يظلان دائماً قائمين على أساس جواز السفر، حيث يحصل الموظف الحامل لجنسية غربية، وبالتحديد الأمريكية على 29 % زيادةً في الراتب عن الآسيوي، و7 % أعلى من العربي. وحين زاد متوسط الأجور العام الماضي بنسبة 7 % عن العام 2014، أصبح متوسط راتب وظيفة مثل «مدير تنفيذي» في شركة متعددة الجنسيات 46.960 دولاراً شهرياً، أي ما يعادل 176.128 ريالاً سعودياً، بزيادة قدرها 4.88 % عن العام الذي قبله 2013، وهذه المعلومات أتت نتيجة مسح أُجري على أقسام التوظيف والموارد البشرية لعدة شركات متعددة الجنسيات في الخليج بصفة عامة.
وبعد هبوط سعر النفط، تراجعت النسبة بشكل طفيف هذا العام لأقل من 1 %، فأصبح راتب وظيفة مدير، أو اختصاصي موارد بشرية في السعودية على سبيل المثال 42.967 ريالاً، أي أقل مما كان عليه العام الماضي 43.240 ريالاً، ولكنه يظل مبلغاً مغرياً للغاية حتى بعد تراجعه البسيط، ولا يمكن أن يحصل عليه السعودي الذي يعمل في نفس الوظيفة، وهذا الأمر الغريب الذي عجزنا عن أن نجد له مبرراً مقنعاً: نمكِّنهم وظيفياً، ونمنحهم رواتب فلكية، ثم نشعر بالقلق فيما بعد إزاء التحويلات المليارية التي تخرج من بلدنا!
وبغض النظر عن كل الاحتمالات في الاقتصاد الدولي سواء ارتفع سعر النفط، أو هبط، يبقى اقتصاد المملكة صامداً بفضل من الله، ومع ذلك يظل راتب الموظف الغربي لا يتغير حتى لو انهار اقتصاد بلده، لذلك فإن معادلة راتب الموظف الأمريكي والأوروبي في الخليج، والسعودية تحديداً في حاجة ماسة إلى إعادة نظر لما يحمله ذلك من معانٍ كثيرة مؤلمة أقلها «ممارسة التمييز على أساس الجنسية»!
ولأن المملكة بدأت عملية التحول، التي تتطلب توفير مزيد من الوظائف لتستوعب الخريجين، وتغلق ثغرة البطالة، فقد أصبحت الحاجة إلى تغيير استراتيجيات التمكين الوظيفي للسعودي في جميع قطاعات العمل ملحَّة.
وهذا يدفعني إلى الإشادة بالخطوة الاستباقية والإيجابية، التي قامت بها وزارة العمل عبر بوابة «معاً للقرار»، حين طرحت مسودة تنص على ثلاث نقاط: «1 – التأكيد على جميع المنشآت بقصر جميع مهن ووظائف وحدات التوظيف والموارد البشرية والمسؤولين فيها على السعوديين. 2 – يحظر على المنشآت إسناد أي مهمة من مهام مهن ووظائف وحدات التوظيف والموارد البشرية ومسؤولي التوظيف فيها إلى غير السعوديين بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة. 3 – القيام بهذه المهام تحت أي مسمى وظيفي آخر، تطبق على المنشأة المخالفة حينها العقوبة الواردة في القرار الوزاري (4786) بتاريخ 12/ 28/ 1436 بدفع غرامة 20.000 ريال، تتعدد بتعدد العمال».
وتطبيق قرار مهم مثل هذا من شأنه إيقاف كثير من الانتهاكات، وتعديل كثير من الأوضاع، وإنهاء معاناة شريحة كبيرة من الموظفين السعوديين المتضررين، الذين تم التخلص منهم في الفترة السابقة من قِبل شركات تدير أعمالها على أرض المملكة، يتعمَّد فيها مسؤول الموارد البشرية الوافد تخصيص وظائف ورواتب متدنية للسعوديين في انتهاك عنصري وصارخ، فيعاني الموظف السعودي من «تنمُّر» ممنهج، يتم فيها التقليل من قدراته في البداية لاقتلاع جذوره من أرضه وإزاحته قبل أن تشق براعمه ليتم استبداله بوافد، لذا نطمح من وزارة العمل أن تعلن عن موعد تطبيق هذا القرار في أسرع وقت على جميع الشركات متعددة الجنسيات دون استثناء مثل: الشركات التي تقع في وادي التقنية في الظهران على سبيل المثال، و«سابك»، و«أرامكو»، والبنوك، وغيرها.
وأثناء انتظار هذا القرار المهم، أُرسل من هذا المنبر إلى أمير الشباب «محمد بن سلمان»، الذي يقود عملية تغيير مستقبل المملكة، رسالة تطلب مساندة هذا القرار، وتحمل طموح وتطلعات «أغلب» أفراد القوى العاملة السعودية بالنظر في التفاصيل التي يفرضها نظام «الكوتا» منذ زمن، وتبالغ في تطبيقه كثير من الشركات الكبرى في المملكة، وكأنه دستور لا يمكن تغييره، حيث يضع الموظف الأمريكي والأوروبي على هرم الرواتب بزيادات ومميزات تجرح نفس زميله السعودي الكفء الذي يعمل إلى جواره في نفس الوظيفة حتى حين تتدنى الرواتب ومستوى المعيشة في بلده يبقى ثرياً هنا، لذلك ستظل معادلة راتب الموظف الأمريكي بالذات معادلة غير عادلة، وتحتاج إلى إعادة نظر، ونطمح قبل بداية عملية التحول التي ستُغري مزيداً من الشركات بالتوسع، أو الاستثمار داخل المملكة، أن تحمي وزارة العمل كرامة العامل السعودي بحيث لا يتعرض إلى مزيد من التمييز الوظيفي على أساس الجنسية.
* علامة استنكار:
حين تستنفر المنشأة بتعليق مجموعة من القيم على معظم جدران مبانيها، وتحرص على أن يكون من بينها «المواطنة، والإنصاف، والنزاهة» كيف يتم إقناع الموظف بها، وهو يرى بنفسه كيف تخرق المنشأة القيم بأنظمتها، وتثبت له في أعمالها اليومية، أن تلك القيم لا قيمة لها من الأساس؟!

المصدر: الشرق