علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

معاقل إخوان السعودية “2”

آراء

تبدأ النقطة الجوهرية الفاصلة للاختراق الحركي للإخوان المسلمين في البنية الفكرية في السعودية بالتحديد مع مخرجات الطفرة الأولى نهاية السبعينات. شهدت تلك المرحلة توسعاً نوعياً وكمياً في بنية التعليم الجامعي، وهو ما خلق فرصة هائلة لأن تتنفس الحركة في فضاء جديد مفتوح تخرج به من عنق الزجاجة في بلدانها الأصل وخصوصاً مصر وسورية. ذروة الخروج إلى الفضاء الجديد جاءت بعد مجزرة حماة الوحشية البشعة، وبعيد حملات التضييق الواسعة فيما عرف باسم تطهير (مراكز القوى) في زمن السادات. جاءت هذه الحركة بكثافة إلى مجتمع بريء لم يكن في حساباته الظن بأن في (الدين) عشرات الفصائل المختلفة التي تشرذمه إلى غطاءاتها وأجنداتها السياسية. احتاجت الطفرة في جسد التعليم الجامعي إلى آلاف الخبراء والأساتذة، وبالطبع، كان الوقود التلقائي لابد أن يأتي من ذات المنجم، وخذ هذين المثالين: التوسع المحلي الهائل في كليات التعليم الديني لم يكن إلا مزيجاً لتدريس كتب وأدبيات رموز حركة الإخوان المسلمين.

هنا حدثت أول حالة (انفصام) فكرية لآلاف الطلاب الذين يقفون بأرجلهم على منهج بينما تتربى عقولهم على المنهج الجديد الوافد. مزيج المدرستين أنتج حالة مدرسية ثالثة تجمع ما بين النقاء السلفي وبين منهج الإخوان الذي يحول الدين إلى حركية سياسية خالصة. هنا تقف السرورية كمثال على هذا المخاض بآلاف الأتباع النافذين القارئين من كتب الإخوان ولكن في الوعاء السلفي. تأمل مجرد الأسماء فيما عرف لاحقاً برموز الصحوة التي تستطيع أن تقرأها ولو في مجرد الغالبية من موقعي البيانات المتتالية لتتكشف أنهم في الأغلب من طلاب تلك الفترة. ستقرأ أيضاً أن الصفة المشتركة فيما بين هذه الأسماء المؤثرة، وبالمئات، هي الجمع ما بين الذهنية الحركية الإخوانية، وبين العقل الفقهي السلفي المحافظ جداً. هذا المزيج المختلط من الهندسة الوراثية الجديدة هو أعظم مكاسب الحركة في تاريخها بأكمله، لأنه كان المفتاح إلى كعكة التمويل المالية الهائلة. هنا سقط التعليم الجامعي المحلي في باحة عقل واحد بنصفين: سلفي إخواني في ذات الجمجمة. ستكتشف أن هذه الثمرة الجديدة المهجنة باقتسام البذرة ما بين مدرستين تحمل رؤية قاسية من التشكيك والريبة في كل شيء ثم ترميه بتهم الردة والفسوق: للمجتمع التي ترى أنه فقد ثوابت تربيته، للإعلام والتعليم والمناهج والمرأة وحتى المسؤول، مروراً بالنخبة والمفكر والمثقف. ستكتشف أن الثمرة الوليدة نمت نسخة بالكربون كما يقول (كتالوج) الحركة. غداً نكمل.

المصدر: الوطن اون لاين