هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

معاناة.. «بصناعة يدوية»

آراء

ستظل قيمة الإنسان المسلم رخيصة سواء كان «عربياً أو خليجياً» بل ستعامله الدول الأخرى كمن لا قيمة له، إن لم تتخذ الدول العربية والخليجية مواقف أكثر صرامة ووضوحاً من أجل مصالح وسلامة رعاياهم في الخارج، ولكي يحدث ذلك لا بد من تقدير الإنسان في الداخل أولاً؛ إذ لن يبقى للعرب أي احترام إلا إذا تعاونوا واعتادوا على نصرة بعضهم بعضاً، بدلاً من محاربتهم لأنفسهم بأنفسهم، بالقوانين الجائرة والناقصة وغيرها!.

ولنتمعن قليلاً كيف أنه على الرغم من الجرائم التي ارتكبها كثير من العمالة الآسيوية في بلدنا إلا أنه أعجبني موقف حكومة الفلبين التي ماطلت بقوة في السنوات الماضية بشروط من أجل تأمين سلامة واحتياجات رعاياها والحفاظ على مصالحهم وحقوقهم خارج بلادهم، حيث بدأت برفع رواتبهم، والتأكد من تمتعهم بحقهم في الإجازة الأسبوعية مثل أي موظف، وأخيراً قامت سفارة تلك الدولة بإلزام مكاتب الاستقدام بإرسال تقارير شهرية تتضمن أرقام حساب العاملات المنزليات في السعودية التي تثبت إيداع رواتبهن، مع تزويد هذه التقارير بأرقام إقامة العاملات وتحديث البيانات شهرياً، لضمان عدم تأخر مستحقات مواطني تلك الدولة الصغيرة، التي شددت على سفارتها بمتابعة شكاوى مواطنيهم ومساندتهم، حتى في حالة ثبوت جرائم وجنح ضدهم أبسطها ضياع حق المواطن بهروب العامل «وإن كان مجرماً»؛ لتجبرنا حكومتهم من على بُعد على احترام رغبات مواطنيهم واتباع ما تمليه قوانين بلادهم وإن كُنا غير مقتنعين بها!.

وكم أتمنى أن يكون لسفاراتنا في الخارج القوة والحس الوطني من أجل أن توهمنا على الأقل بأن للفرد في وطنه وخارجه نفس الأهمية والقيمة، التي لا تتهاون فيها الدولة وذلك بالعمل على مساعدة «الأقربين» من المواطنات السعوديات المتضررات في الخارج وانتشالهن من بين براثن الفقر الذي افترس صبرهن، بسبب الموقف البيروقراطي الذي امتهنته بعض الجهات الحكومية، عندما اختارت الوقوف مكتوفة الأيدي أمام حاجز القوانين والسماح لها بسلب ما تبقى من الشهامة والمروءة في هذه المواقف المأساوية، التي بالمقابل خرجت لنصرتها جيوش في التاريخ الإسلامي !

ما أثار حفيظتي ما تقاسيه تلك المواطنات مع أبنائهن خارج المملكة، ونحن نُصرُّ على أن لا حل لهنَّ بسبب القوانين التي صنعنا منها قيوداً وشِراكاً لنحبس أنفسنا داخلها، وتلك المعاناة التي تتجرع مُرها المواطنات كانت من الأساس من صنع آبائهن، حيث أجبرتهم بعض الظروف القاسية لتزويجهن بزيجات متعارف عليها بين القبائل باسم «زواج العشائر» في سوريا والأردن والعراق، ليثمر الزواج أطفالاً تُركوا مع أمهاتهم يدفعون ثمن أخطاء الغير

وعدم مرونة القوانين التي استثنتهم من الخدمات والمساعدات لعدم وجود أوراق ثبوتية لهذه الزيجات التي تمت شرعاً ولم توثق قانوناً، ومع أن الأخلاق الإسلامية التي تميزت بها الدولة وتهدف لتعزيزها، تأبى أن تترك طفلاً أو ضعيفاً دون طعام، إلا أن لوائح الضمان الاجتماعي تجاهلتهم واستثنتهم من الدعم والمساعدات المالية والمعنوية؛ بحجة أنهم يقيمون خارج المملكة دون البحث وراء الأسباب، بل تُرك الجميع في موقف سلبي وسط الفقر والجوع والحرمان، وشاركت في تلك الاستثناءات «جمعية أواصر» التي تقدم مساعداتها ودعمها لأي امرأة من أي جنسية متزوجة من مواطن، ولكن ليس «لبنت البلد» و أبنائها أي نصيب من هذا الدعم، لتُجبر مواطنة مثل «هاجر» نشرت الشرق تفاصيل معاناتها الأسبوع الماضي حيث اضطرت لبيع مسكنها من أجل استخراج شهادة ميلاد لأبنائها، وأخرى تضطر إلى تسول علاج أطفالها باستخدام أسماء جيرانها في المستشفيات الأردنية، في نفس الوقت الذي اعتادت أن تمد فيه الدولة يدها لجميع المحتاجين في الدول المجاورة.

فكيف لأي مسؤول في الدولة يسمع ويرى بأن هناك نساء وأطفالاً من بلده يجهشون بالبكاء، بسبب عجزهم عن إيجاد ما يأكلونه، ولا يحاول تحطيم حاجز القانون أمام كل هذا البؤس والذل الذي يعيشونه!!.

لماذا لا تتجاوز سفاراتنا في الخارج الشكليات حين يكون الهدف الرعاية والحماية والإعانة لأبنائنا، ولماذا يلتزمون الصمت طوال هذه المدة ولم تحركهم المروءة أمام انكسار أم تطعم أطفالها كِسرات من الخبز الجاف تدفعه بالماء في حلوقهم، كيف لا نذيب القيود القاسية من أجل رحمة دموع طفلة مثل «حياة» التي تجلس تبكي بحرقة في إحدى زاويا المنزل بملابس رثة وهي تحمل أخاها الصغير تحاول إسكاته لأنهم لا يقدرون على توفير حليبه، وحال نفسها أكثر بؤساً يعتصر القلب حين حكت دموعها البريئة معاناتها من تهكم زميلاتها في المدرسة على ملابسها المشقوقة الرثة وحقيبتها المتهالكة، ساخرات منها، كيف وصل حالها لهذه التعاسة وأمها من بلد الذهب الأسود !!

وعلى الرغم من واجهة الإصلاح ونظرية تمكين المرأة التي تدعيها بعض الجهات الحكومية، إلا أن كثيراً من القرارات لم يغادر الورق وفُعل فقط «بظاهرة الصوت» في تصريحات إعلامية رنانة، ولعل أقرب مثال على ذلك تجاهل الجوازات وتباطؤها في تنفيذ أهم قرار من الممكن أن يخفف من معاناة كثير من الأسر، بعد أن كشفت ردود أفعال مقال «زوج مواطنة» بأن قرار مجلس الوزراء الأخير لم ينفذ بحذافيره، بل هناك فروع مثل المنطقة الشرقية يجهل موظفوها تفاصيل القرار ولا يوجد لديهم أي أوامر أو توجيهات بالتنفيذ، بينما اكتفى أحد فروع جدة بتنفيذ نقل كفالة الزوج على زوجته «كمرافق غير مصرح له بالعمل» وفروع أخرى في المملكة تتعذر بأنه لم ينزل تحديث على الكمبيوتر بالقرار الجديد، ولا أدري لماذا يحتاج تحديث نظام الجوازات دائماً كل هذا الوقت الذي تجاوزه حتى «صخر» في بداياته!.

المصدر: صحيفة الشرق