عبد الله الشمري
عبد الله الشمري
عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية

مقال العراق إلى المجهول

آراء

في بيان هام أصدره ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر يوم الجمعة الماضي قال فيه بوضوح « العراق يقف عند مفترق طرق ويتجه نحو المجهول ما لم تتخذ إجراءات «حاسمة وفورية» لوقف انتشار العنف « مضيفا في البيان الذي وصف بأنه -شديد اللهجة « ادعو جميع الزعماء الدينيين والسياسيين للاحتكام إلى ضمائرهم واستخدام الحكمة والا يدعوا ‏الغضب ينتصر على السلام واختتم البيان بقوله «إن قادة العراق يتحملون مسؤولية «تاريخية في تولي زمام الامور ‏والقيام بمبادرات شجاعة كالجلوس معا»

الحديث عن وضع العراق المأساوى منذ عشر سنوات عجاف يطول ولكن وقبل وصف الديمقراطية العراقية الحالية بأنها هشة وإنها سببت أزمة ثقة بين القوى السياسية والمكونات الاجتماعية ، لا بد من الاعتراف بان الديمقراطية الوليدة في العراق ما زالت في طور التخلص من ذهنية ما قبل الديمقراطية ، وان جذور الازمة العراقية الحالية تعود إلى ما قبل 2003 م ، حيث كانت التنشئة السياسية للنظام المنهار خاطئة، اذ بنيت بالقوة والإكراه والشعارات الفارغة ولذا يمكن القول إن الشعور بالمواطنة في العراق كان ضعيفا وان الولاءات الجزئية كانت أعمق من ولاءات المواطنة.

وخلال الأعوام 2005 – 2007 شهد العراق تصاعد الصراعات المذهبية أو ما سمي بحرب الطوائف خاصة السنية والشيعية والتي رغم أنها خمدت إلا أن جذورها مازالت قائمة ، كما ان أكثر ما أضر العراق هو الوصفات المستوردة فقبل وبعد الانسحاب الأميركي من العراق في 18/12/2011م ،استنادا إلى اتفاقية الانسحاب الموقعة بين بغداد وواشنطن في 16/11/2008م ، فقد وضعت القوانين جميعا ومنها قانون الانتخابات على مقاسات المحتل و كانت النتيجة تعددية سياسية شكلانية يغلب عليها النفس الطائفي الضيق.

الوضع الصعب قاد إلى التوتر والسخط والتذمر الشعبي والذي تجلى بصورة واضحة في النشاطات الاحتجاجية في بغداد والمحافظات منذ شهر فبراير من العام 2011م واستمرار الاحتجاجات حتى اليوم ما يعني أن العملية السياسية تواجه مخاطر جدية وحقيقية هذه المرة ، وخاصة بعد نفاد صبر قطاعات كبيرة من الشعب العراقي ورفضها معادلة ومقايضة تقوم على سكوت الشعب وتخليه عن حرياته وخضوعه لحكم مجموعة تستأثر بالسلطة وتدعم الفساد والإثراء غير المشروع مقابل شعارات زائفة وخطوات ظاهرها ديمقراطي .

ويتفق كثير من العراقيين الوطنيين – بكل مرارة – على ان المحسوبية الطائفية أصبحت خلال عقد بمثابة نظام سياسي في العراق وباتت الطبقة السياسية تتصرف اولاً وقبل كل شيء بناء على مصالحها الضيقة حتى لو كانت على حساب المصالح العليا للعراق ، ومن هذا المنطلق تعمل النخب الحاكمة على التوظيف السياسي للطائفة وللدين عبر شعارات وطقوس وممارسات تغذيها وتدعمها مادياً ومعنوياً لكسب المعركة مع الآخر.

العراق يتجه للمجهول وسط ضعف السلطة المركزية ووجود دولة أمر واقع في كردستان العراق وتوتر علاقات العراق مع معظم جيرانه وزاد الامور تعقيدا جريان الدم العراقي بأيدي قوات تسمى «الحكومية « وكل ذلك ترك ولا يزال وسيترك آثاراً على مجمل الأوضاع في المشهد العراقي الذي يتميز بحالة عدم الاستقرار ودوامة العنف والتوتر وإنتاج وإعادة إنتاج الأزمات بأنواعها المختلفة، وكل ذلك عمق التناقضات وهدد الاستقرار وادخل البلاد في دوامة من الأزمات عنوان العنف والذي قد يجعل العراق مستقبلا كوضع سوريا الحالي ما يعني ان المستقبل مظلم والسبب سياسة الاستبداد وانتشار الصراعات ليس فقط بين المكونات أو بين القوى المتنازعة ،بل داخل المكون الواحد.

المصدر: صحيفة اليوم