من “بوكو حريم” إلى “بوكو حرام”

آراء

أدانت دول غربية والأمم المتحدة بشكل خاص، جماعة بوكو حرام النيجيرية المتشددة بنجاستها وتخلفها وانحطاطها؛ والتي قامت باختطاف أكثر من 200 فتاة، من إحدى مدارس البنات في نيجيريا. وطالبت الدول المتحضرة والمنظمات الدولية الإنسانية؛ بفك أسرهن من براثن التخلف والهمجية المتوحشة. ولاذت بالصمت، الدول والمنظمات الإسلامية؛ وكأن هذه الجريمة البشعة بحق الإنسانية، لا تعنيها ولا تمت إليها بصلة، من بعيد أو قريب.

الجماعة الـ”بوكو حرامية” النجسة، أعلنت أن الفتيات اللواتي اختطفتهن؛ هن بمثابة سبايا، يحق لهم بيعهن واغتصابهن. وقد أكد زعيم الـ”بوكو حرامية، أبوبكر محمد شيكاو، أنه سيحتفظ لنفسه بعدد منهن، بعضهن في سن التاسعة من أعمارهن. وكان مبرره الشرعي لاختطاف الفتيات واعتبارهن سبايا حرب؛ كونهن غير محجبات ويدرسن في مدارس حكومية، علوما دنيوية؛ ولذلك فقد خرجن عن ملتهن الدينية السمحة، وأصبح حكمهن في الشريعة الإسلامية، حسب رأيه، حكم سبايا الحرب.

وجماعة “بوكو حرام” النيجيرية، التي تطلق على نفسها، جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد؛ هي إحدى جماعات الفتنة والإرهاب، التي أخذت تنتشر وتستعر في العالم الإسلامي، حيث لا تكاد تخلو دولة إسلامية من واحدة أو اثنتين منها. وقامت جماعة الـ”بوكو حرامية”، بعدة مجازر لطلاب وطالبات في مدارس وجامعات. وحتى دخل مجرموها الحرامية، سكن طلاب وقاموا بجزرهم عن بكرة أبيهم، وهم في أسرتهم بسلام نائمين. ولماذا جماعة الـ”بوكو حرامية، تستهدف الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات؟ الجواب يأتي من اسمها؛ حيث إن اسم بوكو حرام، يعني في اللغة النيجيرية المحلية: “التربية الغربية حرام”.

وقد بدأت جماعة بوكو حرام في بداية تأسيسها، فقط باستهداف الكنائس والأديرة والمدارس التابعة لها. وعليه فكثير من المسلمين في شمال نيجيريا؛ لم يزعجهم ذلك كثيراً، والبعض منهم، أيدها ولو في القلب واللسان؛ في ظل الحرب الطائفية الدائرة هناك، بين المسلمين في شمال نيجيريا والمسيحيين في جنوبها. وكذلك استطاعت هي وجماعة أنصار الإسلام، كسب ود المسلمين البسطاء وتعاطفهم، وحتى بعض السياسيين المحليين المسلمين، برفعها شعار تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا؛ وعليه كسبت شعبية بين المسلمين في مناطق المسلمين في نيجيريا. وجماعة أنصار الإسلام بدورها كذلك قامت بقتل المسيحيين وتفجير كنائسهم، واختطاف أجانب، وذبحهم، ونشر عمليات ذبحها لهم، على شبكات التواصل الاجتماعي.

إذن، فجماعات الذبح والقتل والتفجير، التي بدأ يعج بها العالم الإسلامي، لم تنشأ من فراغ، أو بأياد خارجية، كما يقال؛ بل نشأت من داخل نسيج اجتماعي وثقافي إسلامي موائم لطرحها، مؤسس لها منذ قرون قبل وجودها. أي يخلقها ويوجدها، خطاب ثقافي ماضوي وعنصري. ويدعمها ويؤججها وضع سياسي مناسب مثل: “النزاعات الطائفية” والحروب والصراعات الإقليمية وحتى الدولية. وهذا يحدث طبعاً جراء غياب أو ضعف مؤسسات الدولة المدنية، التي تلقائياً تحل محلها مؤسسات المجتمع التقليدية، التي تكرس لشرعيتها من خلال إشاعة وغرس ثقافتها الماضوية والعنصرية، ومحاربة مؤسسات الدولة المدنية؛ التي بسبب ضعفها، تتخلى عن دورها، وتحابي مؤسسات المجتمع الماضوي، من أجل الحفاظ على وجودها محلياً ولو معنوياً، وشكلاً أمام العالم.

وقد يصل إلى حد تبرير مؤسسات الدولة المدنية المهلهلة والضعيفة، والتي تغلغت إليها الظلامية الماضوية، هي نفسها، وجود مؤسسات الظلام والـ”بوكو حرام”، في المجتمع ونخرها فيه. وذلك نتيجة لتغلغل مؤسسات المجتمع الماضوية التقليدية في المجتمع، بشكل عام، على حساب مؤسسات الدولة المدنية. وفي أحيان تغطي مؤسسات الدولة المدنية على مؤسسات المجتمع التقليدية، إن لم نقل تسوق لها، حتى تضمن بقاءها، قائمة على الأرض ولو اسماً وجسماً، حتى وصلت الأمور إلى تداخل خطاب مؤسسات الدولة المدنية، مع خطاب مؤسسات المجتمع الرجعية والطائفية والظلامية؛ لدرجة عدم القدرة على الفرز بينها، إلا في حالة واحدة وهي أن خطاب المؤسسات الظلامية الماضوي، ثابت في نهله من الماضي ومحاربة الحاضر؛ أما خطاب مؤسسات الدولة المدنية فهو متأرجح، لا هو بالماضوي الظلامي ولا هو بالمدني التنويري. ليس لأن المؤسسات الاجتماعية الظلامية أقوى منها، أو أكثر تنظيما منها، أو أكثر عدداً منها أو أغنى منها. ولكن كون مؤسسات الظلام، لديها خطاب واضح ومحدد المعالم؛ وهو إحلال الماضي محل الحاضر، ومحاربة الحاضر من أجل الماضي؛ تسنده ثقافة شعبوية دينية عنصرية طائفية رجعية ماضوية غابرة، تقبع بتشبث داخل وجدان الشعوب وتتحكم به وتحركه، وعياً أو لاوعياً. ولذلك لم تستطع مؤسسات الدولة المدنية؛ إحلال الثقافة المدنية والمتمدنة مكانها أو محاربتها، خشية إزاحتها من قبل مؤسسات المجتمع الظلامية الرجعية، الطائفية، العنصرية، والتجهيلية الاستبدادية؛ ولذلك سكتت عنها أو غطت ممارساتها الهمجية، أو حتى سوقت لأفكارها الظلامية، عبر قوانينها وأنظمتها.

لقد تخرج المنتمون إلى “بوكو حرام”، وعلى رأسهم زعيمها، سيئ الذكر، شيكاو، من حلقات كتاتيب محلية، درسوا الفقه الإسلامي في مناهجها. وهم نفس نوعية المنتمين لحركتي طالبان الباكستانية والأفغانية الظلاميتين؛ ممن كانوا طلبة في حلقات تحفيظ القرآن في باكستان. والطالبانيون، هم من يمنع تعليم الفتيات كذلك، في أماكن وجودهم؛ إلى حد إطلاق النار عليهن والفرار، إذا كن في غير أماكن وجودهم، ولو كانت أعمارهن دون سن العاشرة. ومن أسباب كرههم للحاضر ومحاربته هو جهلهم به، وعدم وعيهم بما يدور فيه من حولهم. فقد ظهر زعيم الـ”بوكو حرامية” المجرم، شيكاو؛ يهدد ويتوعد بقتل، مارقريت تاتشر، وهو لا يعي أنها قد توفيت منذ عدة سنوات.

إذاً فالقوة ليست بهم؛ وإنما بثقافة الشعوب الإسلامية الماضوية، وضعف وتهلهل مؤسسات الدولة المدنية. والتي لم تستطع من خلال مؤسساتها، لا التعليمية ولا الإعلامية ولا التثقيفية ولا التوعوية؛ ولا حتى بأنظمتها وقوانينها المدنية المائعة والرخوة وغير المطبقة، أصلاً على الأرض؛ إزاحة الخطاب الاجتماعي الماضوي العنصري، الذي تقتات عليه مؤسسات الظلام الشعبوية؛ وإحلال خطاب مدني تنويري حديث مكانه؛ تقوده وترعاه وتحافظ عليه، بمؤسساتها الرسمية المدنية.

إذاً فبوكو حرام وطالبان وداعش والنصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية الإجرامية، في البداية فرضت نفسها، على مجتمعاتها؛ عن طريق مبدأ الغيرة على النساء والحرص والدفاع عنهن؛ والتي هن في نظرهم لا يمثلن أكثر من “حريم” خلقن لخدمة الرجل واستمتاعه بهن. وهذه الغيرة الغريزية الحيوانية، تجاه المرأة، وبلا شك، لها جذورها الضاربة في بعض الثقافات الغابرة. ومن هنا يجدون بعض السكوت عن أعمالهم الإجرامية تجاه المرأة في البداية، من قبل مؤسسات الدولة المدنية، والتعاطف والرضا من قبل فئات عريضة في المجتمعات العربية والإسلامية التقليدية المحافظة.

بداية الإرهاب وانتشار التنظيمات الإرهابية، يبدأ من قمع النساء والتسلط عليهن، وتحويلهن من نساء إلى “حريم”؛ ومن هنا بدأت “بوكو حرام” والبقية تتحرك للأمام. إذاً فالقضاء على التنظيمات الإرهابية يبدأ من تحرير المرأة من الثقافة الذكورية المتخلفة والمتسلطة والمهينة لها. ومعاملاتها كمواطنة كاملة المواطنة، مثلها مثل الرجل؛ وذلك بمساواتها معه أمام قوانين وأنظمة، مؤسسات الدولة المدنية كافة؛ وبلا استثناء. فتحرير المجتمعات يبدأ من تحرير النساء، من ثقافة “الحريم”؛ فالإرهاب يبدأ مع بدء ثقافة فرض النقاب بالـ”مشعاب”.

المصدر: الوطن أون لاين