في ظلال التغيير

آراء

منذ أن خلق الله الدنيا وما عليها وكل شيء يتغير فيها ما عدا التغيير نفسه. ولذلك فالتغيير سنة الحياة وسمتها الأزلية، ومن لا يتغير فيها فقط هم الأموات لا غير. ومن أشنع مثالب الإنسان التي قد يقع فيها؛ عدم قدرته على التغيير، حيث يتشبث بصفة من صفات الأموات وهو بين الأحياء. لا تطور في الحياة دون تغيير، ولا تغيير دون تطور. إذا فالتغيير محمود بذاته، ومن أجل ذاته؛ حتى لو لم تتجلّ نتائجه للناس ساعة إحداث التغيير.

وعلى هذا الأساس؛ فالتغييرات الجديدة التي أحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، تعد مفتاحا للتطور والتقدم وضمان مكان لنا في المستقبل.

إن الغالبية العظمى من الشعب السعودي، هم من الشباب والشابات. فمجتمعنا مجتمع شاب بامتياز؛ ولذلك فاختيار الملك سلمان، قيادات شابة، لتقود الدولة والمجتمع هو عين الصواب والحكمة.

عندما تجتمع حكمة التجربة والدراية، بحيوية الشباب وطموحه؛ يكون غدنا بإذن الله آمنا، كما هو اليوم آمن.
تولى الأمير سلمان منصب أمير الرياض، وهو في عز شبابه، وهو في سن التاسعة عشرة من عمره، وذلك عام 1373؛ وترك المنصب عام 1432، ليتولى وزارة الدفاع والطيران؛ ليكون قد قضى في منصبة كأمير لمنطقة الرياض، حوالي 59 سنة. السؤال هو، وما دخل ذلك بالتغيير؟

قبل أن يتولى الأمير سلمان، إمارة الرياض بعدة سنوات، زار رحالة هندي الرياض وتجول في شوارعها الصغيرة الضيقة والمتعرجة، وقد تكون غير النظيفة. فكتب يصف شوارع الرياض، بأنها تشبه شوارع قرية هندي فقيرة؛ أي لا تشبه حتى شوارع قرية هندية غنية؛ أو حتى على الأقل عادية.

أي أن الأمير سلمان، حين تولى إمارة الرياض؛ وكانت شوارعها على حسب وصف رحالتنا الهندي، تشبه شوارع قرية هندية فقيرة. وعندما ترك الأمير سلمان منصب أمير الرياض؛ كانت وبلا شك شوارع الرياض تضاهي وتنافس شوارع أكبر وأعرق مدن العالم وعواصمها، وعلى رأسها العاصمة الهندية، نيودلهي.

عندما تولى الأمير سلمان إمارة الرياض كان عدد سكان المدينة لا يتجاوز الآلاف؛ وعندما تركها، كان عدد سكانها، قد تجاوز الستة ملايين.

كل هذا الإعجاز السلماني القياسي، لم يأت من فراغ، وإنما من حبه للتغيير وحرصه عليه. إنه سر التغيير وحب التغيير الدائم الذي سيطر على ذهن وعقل وإرادة سلمان بن عبدالعزيز وأصبح ديدنه، في الإدارة والحياة بشكل عام.

وتعد الرياض؛ من أكثر مدن المملكة -بل وحتى مدن العالم- سرعة في التطور والتحديث والإنماء المتواصل، وهي أقل مدن المملكة تآكلا في بنيتها التحتية. إذا فالتغيير السلماني، ليس من أجل التغيير فقط؛ وإنما هو التغيير من أجل البقاء والدوام، ليدوم التغيير ويبدأ تغيير ما بعد التغيير، بسلاسة ودون أي معوقات.

إن مفهوم التغيير السلماني، هو من أجل إحداث تغيير على التغيير؛ وهو شرط من شروط التطور والنمو والتنمية المستدامة في الحياة والبقاء فيها بقوة ومتانة.

وما عزز سلامة مفهوم التغيير السلماني وجعله بوصلة سلمان في القيادة والريادة؛ هو سعة اطلاعه على ما يدور حوله من أحداث وتغيرات. وفهمه العميق لها، وحبه ونهمه وحرصه الدؤوب على قراءة التاريخ، وشغفه المتواصل به -التاريخ بشكل عام؛ وتاريخ الدولة السعودية؛ وآل سعود بشكل خاص- وهذا ما أضاف إلى خبرته خبرات عدة.

إذًا فهو أكثر من غيره، حبا وحرصا على التغيير، من أجل الاستمرار. فالحرص على الاستمرار بلا تغيير؛ هو حرص على التدمير، تدمير الذات والانتحار. وهذا ما يعلمه سلمان الحكيم، أكثر من غيره. فالتغيير مقدم على الاستمرار، لأنه لا يوجد استمرار لا يسبقه تغيير، ولا تغيير لا يتلوه استمرار.

إذًا فالتغيير سر الاستمرارية والدوام، وهذا المفهوم طبقه سلمان في إدارته للرياض، ونجح فيه نجاح باهرا. وها هو الآن يعممه بدراية العالم، ويطبقه باحترافية المجرب، على كل مستويات الدولة، ليعمم خير ما عم الرياض على كل دولته وبلا استثناء، أي مؤسسة في الدولة أو إدارة في الحكومة، أو بشر أو حجر في كل البلاد.

لكل تغيير أسس ومبادئ، ووضوح الرؤية أهم هذه الأسس، والتطوير لمواكبة العصر أهم مبادئها. فكل عاقل في العالم يتطور، ويطور ذاته ويحسن من أدائه ويحصن وينمي إمكاناته من أجل مواكبة عصره، وممارسة الفعل، لا الفعل به. بداية التغيير، أي تغيير، يكون شكليا؛ ولكن ضمان استمراره لا بد أن يكون ضمنيا. من حيث إحداث تغيير في الإنسان الذي هو هدف وبوصلة التغيير الذي هو بدوره يغير ما عداه من مادياته وشكلياته الحياتية، حتى تساعده وتدعمه في تحسين مستوى معيشته، وتطوير أدائه، وتجعله لا يواكب عصره فقط؛ وإنما يسابقه، أو بالأحرى يسهم في خلقه، إن لم نقل يخلقه.

والتغيير، بجانب كونه رؤية وخطة عمل وإنجاز؛ إلا أن الخوف والتردد وعليه الحركة الخجولة في تطبيقه تدفنه، أو لنقل تقبره، وتجعل منه تغييرا لتسريع عدم الاستمرارية، لا تغييرا من أجل الاستمرارية.

إذًا فالشجاعة في اتخاذ قرارات التغيير والمضي بها قدماً بخطى واثقة دون إبطاء أو تعطيل؛ هي روح وسر نجاح التغيير. فالتغيير البطيء هو موت بطيء للاستمرارية، والموت البطيء للاستمرارية يجعل نهايتها أكثر كارثية.

وما يميز وميز سلمان الحكيم في خطته للتغيير، هي شجاعته النابعة من ثقته ودرايته بقدرات الشعب ومقدرات الوطن، وعليه عدم تردده في قيادة التغيير؛ من أجل الاستمرارية.

وعليه فليس بمستغرب أن تبدأ ساعة بوصلة سلمان التغييرية في العمل الجاد والدؤوب بالساعات، وليس حتى الأيام الأولى من توليه دفة قيادة التغيير. ثم تلته أوامر ومراسيم ملكية تغييرية وبأقل من 100 يوم؛ اختصرت للوطن تغييرات خجولة، كانت لا تحدث إلا بعد عقود وعلى استحياء.

إنه أسلوب من أساليب العلاج بالصدمة، لأن زمن الاستمرارية قد لا يكون أطول مما كنا نعتقد أو نتوقع. ولكن سلمان بحكمته وشجاعته، واطلاعه على دقائق الأمور كما عظائمها، رأى ما لم يرى غيره، بأن الوقت أخذ ينفد، وأن التغيير تأخر، وعليه وجب الوثوب لبر الأمان، لا السير إليه.. إنها شجاعة الربان سلمان، ربان سفينة الأمن والتقدم والسلام.

وليس بآخرها، تعيين المحمدين؛ محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، الأول وليا للعهد والثاني وليا لولي العهد، لينقل دفة القيادة إلى جيل الأحفاد، كونهم يمثلون العصر خير تمثيل ويرون المستقبل بعيون شباب الوطن الذين يمثلون الأغلبية الساحقة في الوطن. وما علينا، إلا أن نبارك خطوات سلماننا الحكيم في التغيير، من أجل استمراريتنا. ونقف خلف قيادتنا الشابة الرشيدة، في السراء والضراء، ما دام هذا خيار حكيمنا ورباننا سلمان، الحكيم والقادم من التغييرات الضمنية، وقيادته الحكيمة والشجاعة، ستبهرنا أكثر وأكثر.

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=26105