حرب غزة .. اختبار للحرية الأكاديمية في الجامعات الأمريكية

آراء

أقام طلاب جامعة نيويورك مخيم “المنطقة المحررة” في غولد بلازا في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك بتاريخ 22 إبريل 2024 في مدينة نيويورك. الصورة من وكالة فرانس برس

صدى غزة يتردد عند تقاطع السياسة الدولية مع الحريات الأكاديمية

ترجمة: هتلان ميديا

أي شخص يحاول التعدي على الاستقلال الفكري الذي تتمتع به المؤسسات الأكاديمية عادة، سوف يجد مقاومة قوية من قبل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والمواطنين الذين يقدرون المشاركة الفكرية، ففي النظام الديمقراطي، فإن إقحام الساسة (نعم، الساسة) في شؤون الجامعات، التي ترمز إلى التبادل الحر للأفكار، أمر غير مقبول بالأساس.

في “مقالات عن الإنسانية” (1950) والتي شارك فيها القراء فلسفته الاجتماعية وآراءه في الحياة اليومية، كتب ألبرت أينشتاين: “إذا أردنا مواجهة القوة التي تهدد بقمع الحرية الفكرية والفردية، علينا أن ندرك بوضوح الأمر المعرض للخطر.” والأمر المعرض للخطر، كما يراه عالم الفيزياء الأكثر تأثيراً على الإطلاق، هو “ما ندين به لتلك الحرية التي اكتسبها لنا أسلافنا بعد كفاح مرير لتحقيقها.”

لطالما كانت الحرية الأكاديمية في الولايات المتحدة قيمة رئيسة وأساسية في نسيج المجتمع الأمريكي، حتى أن ريتشارد نيكسون قال ذات مرة أن “الحرية الأكاديمية لا بد أن تحمي حق الأستاذ والطالب في الدفاع عن الماركسية والاشتراكية والشيوعية وأي منظور سياسي آخر للأقليات، بصرف النظر عن عدم شعبيته بين الأغلبية …”. قد يتوقع البعض أنه ضمن هذه الأيديولوجيات، التي تعتبر “بغيضة لدى الأغلبية”، الترويج للقومية الفلسطينية، وهي القضية التي جعلها أنصار إسرائيل – بشكل مخادع – مساوية لمعاداة السامية، وهذا التلاعب عبارة عن تكتيك لاستخدام أيديولوجية مشكوك فيها أخلاقياً لإسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في الخطاب العام. لذا، فإن التغلب على هذه العقبة المتأصلة حالياً في هذا الخطاب، يتطلب جهداً كبيراً يشبه دفع صخرة كبيرة أعلى تلة شديدة الانحدار.

إن الفظائع التي لا توصف التي ارتكبتها إسرائيل، ومازالت ترتكبها، ضد سكان غزة على مدى الأشهر السبعة الماضية، أثارت حركة مناهضة للحرب في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. وقد انتشرت هذه الحركة بين الجامعات المرموقة على الساحل الشرقي مثل ييل، وكولومبيا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة نيويورك، إلى الجامعات على امتداد الساحل الغربي مثل جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية (هومبولت)، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي (موطن حركة حرية التعبير التاريخية التي اندلعت خلال العام الدراسي 1964-1965 والتي وضعت الأساس للاحتجاجات الشهيرة ضد حرب فيتنام)، وكذلك عبر الجامعات الممتدة من ميشيغان إلى ولاية واشنطن. والآن، يسعى الساسة في “الكابيتول هيل” إلى “تأديب” رؤساء الجامعات بدعوى السماح للطلاب بالمشاركة في أعمال معادية للسامية كما يراها هؤلاء المشرعون، وليس حركات احتجاجية ضد حرب وحشية.

آخر ضحايا هذا المشهد المكارثي السخيف كانت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، التي تم استدعاؤها للمثول أمام لجنة التعليم بمجلس النواب يوم الخميس الماضي، حيث تم استجوابها حول خطط جامعة كولومبيا للتعامل مع “معاداة السامية في الحرم الجامعي”. وقبل مثولها أمام اللجنة، كانت السيدة شفيق قد تعرضت بالفعل للترهيب من قبل لجنة المشرعين ذات الأغلبية الجمهورية. وفي جلسات استماع مماثلة عقدت في ديسمبر/كانون الأول أمام نفس اللجنة، تم الضغط على رؤساء جامعات هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة بنسلفانيا للاستقالة عندما لم يكونوا واضحين في ما يتعلق بجهودهم “لمواجهة” الاحتجاجات في حرم جامعاتهم.

مجموعات طلابية مؤيدة للفلسطينيين

لم تتردد شفيق، التي تولت رئاسة جامعة كولومبيا قبل أقل من عام، وأجابت بخنوع أن الجامعة “لم تتخذ الإجراءات الكافية” في هذا الصدد، وأشارت كذلك إلى أن “بعض الأساتذة يخضعون للتحقيق” وأنه تم إيقاف مجموعتين طلابيتين مؤيدتين للفلسطينيين، وتعهدت باتخاذ المزيد من الإجراءات التأديبية. للأسف، أتيحت الفرصة أمام السيدة شفيق للدفاع عن قيم الحرية الأكاديمية وحرية التعبير وحق الطلاب في التعبير عن آرائهم بحرية ودون خوف من العقاب، لكنها اختارت عدم القيام بذلك. وبالرغم من ذلك، احتفظت بمنصبها.

وفي هذا السياق، لا بد من تسليط الضوء على بعض أعضاء اللجنة ومنهم النائبة إليز سيفانيك، وهي من أشد أنصار ترامب والتي طالما دافعت عن “نظرية الاستبدال العظيم” العنصرية، وكذلك النائب تيم ويلبيرج، الذي اقترح مؤخراً إسقاط القنابل على غزة “مثل هيروشيما وناغازاكي”، والنائب ريك ألين، وهو إنجيلي متشدد، اقتبس من سفر التكوين أثناء استجواب السيدة شفيق، قائلاً: “أبارك مباركيكم [أي بني إسرائيل] وألعن لاعنيكم”، ثم سأل رئيسة الجامعة العريقة في رابطة آيفي ليج (رابطة اللبلاب) عما إذا كانت تريد أن يلعن الله مؤسستها الأكاديمية، وأجابت السيدة شفيق بهدوء أنها بالتأكيد لا ترغب في أن تحل اللعنة على جامعة كولومبيا. وقبل أن يسمح النائب ألين لعضو اللجنة التالي بالتحدث، اقترح على السيدة شفيق أن تفكر جدياً في جعل جامعة كولومبيا تقدم دورات تدريبية حول الكتاب المقدس. لقد كان أمراً يستحق المشاهدة بالفعل أن نرى هؤلاء الأشخاص الذين يريدون مساءلة رؤساء الجامعات، واقتراح دورات دراسية لمؤسسات أكاديمية مرموقة والمشاركة في إدارة الحرم الجامعي.

في الوقت نفسه، أدت الفظائع التي لا يمكن تصورها التي ارتكبتها إسرائيل في غزة إلى إشعال شرارة حركة كبيرة مناهضة للحرب في الولايات المتحدة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ذكريات الاحتجاجات الكبرى التي عمت الجامعات في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين، حيث تم إيقاف مئات الطلاب من قبل جامعاتهم أو اعتقالهم من قبل الشرطة (تم إلقاء القبض على 104 أشخاص في كولومبيا، و42 في جامعة ييل هذا الأسبوع وحده).

لا شيء يثنيهم

في اليوم التالي، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن تريسي هاتون، إحدى الطالبات المشاركات في احتجاجات جامعة ييل والتي تم القبض عليها يوم الاثنين، قولها: “ليس فقط أننا لا نرتدع، بل ربما نكون أكثر انخراطاً الآن… عزيمتنا ثابتة. لقد شاركت في هذا النضال منذ بضعة أشهر وأخطط لأن أستمر فيه طوال حياتي.”

يبدو أن هؤلاء الشباب، بارك الله فيهم، أكثر قلقاً بشأن عواقب التزام الصمت من اهتمامهم بتداعيات التحدث بصوت مرتفع. وهذا الموقف – في رأيي – يشير بإصبع الاتهام إلى أولئك الذين ينسون أننا جميعاً متواطئون، الأمر الذي يجعلنا غير مبالين.

=================

* فواز تركي كاتب ومؤلف أمريكي من أصل فلسطيني 

* المقال الأصلي باللغة الإنجليزية في صحيفة “غلف نيوز”

https://gulfnews.com/opinion/op-eds/gaza-war-tests-academic-freedom-across-us-campuses-1.102318204