جميل الذيابي
جميل الذيابي
كاتب وصحفي سعودي

موقف السعودية.. «ذاكرة مصر» و«المكيدة» الغربية!

آراء

تحيرني وتثيرني المواقف المتناقضة للدول الغربية، وكأن تلك الدول تسعى إلى صبّ الزيت على النار في مصر، عبر التدخل في شؤونها الداخلية، في تجاهل تام لسيادتها واستقلالها وإرادة شعبها.

لا يقبل بإزهاق الأنفس البريئة إلا مُجرم، والعنف والتخريب مرفوضان، والإنسان له حق التظاهر السلمي والتعبير عن مطالبه. هذه أبجديات إنسانية معروفة لكل الحكومات والشعوب، لكن أخذ الأُمَّة نحو الفتنة تنفيذاً لرغبة «جماعة» فذلك مرفوض أيضاً!

لن أقوم بجردة إحصائية للممارسات اللاإنسانية في بعض الدول الكبيرة عندما تتعرض لتظاهرات احتجاجية داخلية طابعها العنف والنهب والتخريب وشلّ البلاد. في صيف 2011 هاجمت السلطات الأمنية الأميركية المحتجين في حركة «احتلوا وول ستريت» في ما سمي بـ«ربيع أميركا» على غرار «الربيع العربي»، ورفضت مطالبهم وقمعتهم قمعاً وحشياً وأطلقت الرصاص الحي عليهم، وقُتل عدد منهم وجُرح العشرات في ظل تعتيم إعلامي ومساندة كبيرة للسلطات من الإعلام الأميركي، تحت ذريعة الحفاظ على «الأمن القومي». وتاريخ أميركا «الإنساني» دموي.. من فيتنام واليابان وحتى أفغانستان والعراق.

وكذلك حدث الوضع نفسه في بريطانيا في آب (أغسطس) 2011 عندما مارست بريطانيا القمع نفسه تجاه الشباب المحتج بعد موجة غضب اجتاحت لندن، إثر وفاة الشاب مارك دوغان برصاص الشرطة، لتمتد الحركة الاحتجاجية إلى مدن بريطانية عدة من بينها ليفربول وبيرمنغهام وبريستول، ما دعا حكومة ديفيد كاميرون إلى مواجهة تلك الحركة برجال أمن مدججين بالسلاح، ساروا في شوارع لندن للمرة الأولى لقمع الشباب واعتقال المئات منهم، وقطع إشارة شبكات الهواتف النقالة لوقف أعمال العنف ومنع التخريب والنهب. وكذلك فعلت فرنسا خلال مواجهتها لثورة المهمَّشين في الضواحي الباريسية في تشرين الأول (أكتوبر) 2005 التي شهدت أحداثاً دامية، راح ضحيتها بعض الشبان المهاجرين الباحثين عن عمل، على يد الشرطة الفرنسية بعد إحراق سيارات ومكتبات ومدارس ومحال، ما دعا الحكومة الفرنسية إلى مواجهة الثورة بالقوة، وفرض حظر التجول في 25 من المحافظات الفرنسية.

أما «الإخواني» المناضل رجب طيب أردوغان الذي باع العلاقة مع مصر لأجل جماعة «الإخوان»، فيجب أن يتذكر قبل أية مزايدة سياسية كيف تمكنت قوات الشرطة التركية من إخلاء ساحة «تقسيم» وحديقة المتنزه (غيزي)، ألم يكن بالقوة والرصاص؟ وكم بلغ عدد القتلى والجرحى في تلك المواجهات؟ وكم عدد المعتقلين حتى الآن في السجون، ومن بينهم صحافيون؟

هذه أربعة شواهد من التاريخ القريب لأميركا وبريطانيا وفرنسا وتركيا، ولا داعي لاستعراض تاريخها الدموي الطويل! منافحة تلك الدول عن ممارسات «الإخوان» لها أهدافها، فتلك الدول هي «الاستعمارية» (الإمبريالية) في القرن الماضي، التي ثارت ضدها الشعوب العربية لتحرير واستقلال بلدانها، مع تضحيتها بملايين الشهداء، ولكن يبدو أن ذاكرة «الإخوان» شاخت أمام شهوة الكرسي!

الأمن والاستقرار لكل بلد خط أحمر، ومن يستسهل اللعب بأطرافه يجب لجمه ووقفه عند حده بسرعة، وإلا فستسقط هيبة الدولة، وتَقْوَى سلطة الشارع، وستُحكم البلاد بقانون الغاب، وتعم الفوضى والخراب.

لقد سجل العاهل السعودي موقفاً للتاريخ، رافضاً ترك مصر وحيدة، معبراً – في كلمة مقتضبة شجاعة وجريئة – عن وقوف بلاده معها ضد التحديات والضغوط التي تمارسها جماعات ودويلات ودول إقليمية وغربية بهدف تقسيمها وتفكيكها وترويضها لمصلحة جماعة محددة.

جاءت رسالة العاهل السعودي أشبه بـ«صفعة» لمن يحاول أن يأخذ مصر نحو مصير مجهول، أو يحاول تبرير العنف والوقوف ضد إرادة الشعب وثورته بعد فشل حكم الإخوان فشلاً ذريعاً، خصوصاً أنها جاءت على لسانه وليس على لسان مصادر مسؤولة، ما أربك حسابات بعض تلك الدول التي تحاول الوقوف ضد شرعية النظام الجديد في مصر، فالسعودية دولة استراتيجية وذات ثقل دولي كبير سياسياً واقتصادياً ودينياً، وكلمتها لها قيمتها وهيبتها.

مصر اليوم تخوض حرباً على جبهات داخلية وخارجية عدة، من حيث يدري «الإخوان» أو لا يدرون، وما يفعلونه اليوم هو محاولة لتحطيم هذا البلد العربي الكبير، وإخراجه من معادلة القوة والتوازن في المنطقة، وهو ما دعا خادم الحرمين الشريفين إلى دعم مصر مادياً ومعنوياً لوقف الهجمات الإقليـمية والدولية ضدها.

لماذا لا تحل تلك الدول المهتمة بشؤون مصر مشكلة الشعب السوري طالما أنها مهتمة بالإنسان العربي، على رغم أن أطفال سورية يقتلون بدم بارد منذ ثلاثة أعوام، فيما الغرب يتفرج ويماطل ويتلكأ ويناور كأنه لا يرى ما يحدث هناك من مذابح جماعية، وفيما هم يفتعلون وراء كل حادثة في مصر حكايات طويلة يسارعون إلى إشعال حطبها والنفخ في نارها؟

الأكيد أن على «الإخوان» إعادة تقويم سياسات الجماعة وأسباب فشلها والعمل على التهدئة نحو التصالح والاندماج في المجتمع المصري بعيداً عن الاستقواء بالخارج، أو الاستفزاز للداخل ووضع أمن واستقرار مصر أولاً، أو سيكون مصيرها الحظر.

كما أن على الحكومة الموقتة والمقبلة مواجهة أية تدخلات خارجية في شؤونها الداخلية لاستعادة هيبة مصر، ومنع أية مخططات أو استفزازات من دول أو دويلات أو جماعات ظلامية!

المصدر: صحيفة الحياة