جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

نادي المجلات القديمة.. وسوق «القفاصة»

آراء

أفكر أن أؤسس نادياً لهواة جمع المجلات القديمة، على غرار جمعية هواة جمع الطوابع السعودية، التي رأسها أخيراً الصديق أسامة كردي، عضو مجلس الشورى الهاوي، من أيام الدراسة لجمع الطوابع، الذي وعد بأنه سيضخ فيها الحياة من جديد، فأنا من هواة جمع المجلات القديمة وأقتني تشكيلة معتبرة منها.

أعتقد أن وسائل الإعلام الاجتماعي «السوشال ميديا» حريٌ بها أن تنشط عملية التعارف بين الهواة وتبادل المقتنيات أكثر من أي شيء آخر، وهو ما سأعتمد عليه أولاً عندما أدعو لتأسيس جمعيتي المقترحة، أذكر أنني اشتريت مقتنيات عدة من موقع eBay ، مثل عملات سعودية قديمة، وطوابع، وبطاقات بريدية، وأعداد من مجلات قديمة عن السعودية، خصوصاً «ناشيونال جيوغرافيك»، ومجلة «لايف»، التي اقتنيت منها عدداً واحداً يتضمن أول حوار مصور للملك الراحل عبدالعزيز، نُشر عام 1943، تنبهت بتصفحه أن أشهر صور الراحل المتداولة هي من ذلك العدد، إنه موقع ثري للباحث عن أية مقتنيات قديمة.

في الولايات المتحدة وأوروبا يقصد هواة المقتنيات أسواقاً شعبية يسمونهاFlea Market ، وعادة ما تكون في أيام العطل ونهاية الأسبوع، تعرض فيها كل شيء، من الملابس والتحف، إلى الكتب والمجلات، والاسطوانات القديمة، ربما بدأت الفكرة للتخلص من أثاث منزل قديم، أو أغراض شخص توفي، ولكنها بمرور الوقت تحولت إلى العنوان الأول للباحثين عن «الانتيك»، بل حتى الأثريات، والمقتنيات القيمة، وكم من لوحة تستحق الملايين بيعت هناك ببضعة دراهم، واكتشفت بمحض المصادفة، لذلك يسميها الأستراليون «سوق الزبالة والكنوز».

زمان، وكم أحب أن أستذكر تلك الأيام، كنت أقصد بعد العصر سوق «القفاصة» في نهاية شارع العينية بالمدينة المنورة، أو بالأحرى قبيل نهايته بقليل في مناخة المدينة الواسعة، الآن أغمض عيني وأحاول أن أستعيد تلك الصورة، على الأرض كان البائع يفرش قماشة وعليها كتبه ومجلاته القديمة، لا أذكر أن الباعة يزيدون على ثلاثة أو أربعة، السوق أصلاً مخصصة لبيع أقفاص الطيور المصنوعة من جريد النخل، صنعة انقرضت مع غيرها، ولذلك سُمي سوق «القفاصة»، كان هناك أيضاً من يبيع «الفصي»، خلطة عجيبة من نواة التمر ومواد أخرى تُطحن معاً لتكون غذاءً للماشية.

كنت أجلس القرفصاء أمام البائع لأختار بين رواية «أرسين لوبين»، أو مجلة «سوبرمان»، إذا كان مزاجي جاداً يومها أُقدم على شراء إحدى روايات تاريخ الإسلام لـ«جورجي زيدان»، كل ذلك ببضعة قروش، فهي كتب مستعملة ابتداءً، كان الباعة شباباً يعشقون القراءة، ولديهم خبرة في الكتب، فيدخلون في حوارات جانبية مع زبون لديه تاريخ الطبري كاملاً – على سبيل المثال – ويريد أن يبيعه بستين ريالاً، كان مبلغاً محترماً تلك الأيام فلابد من التفاوض، ثم الاتفاق، ثم يبحث البائع عن زبون مستعد لشراء المجلدات الكاملة، فصاحبها لن يغامر ويأتي بها لسوق القفاصة، وربما يغير رأيه بعد إتمام العقد، فبيع الكتب عزيز على النفس.

بعدما أشتري المجلة أو الكتاب، أتوقف في طريقي ببائع الفصفص، رجل عجوز، قصير، نحيل، أتذكره جيداً، كانت بسطته في الجهة المقابلة لسوق القفاصة، هأنذا أغلق عيني وأحاول استعادة صورة مضى عليها أكثر من 40 عاماً، كانت بسطته تحديداً في ركن شارع العينية مع بداية سوق «الشروق»، الذي يصل بين نهاية سوق القماشة والعينية وبداية باب المصري، وهي سوق نزلها أبناء القصيم، إذ إنهم أتوا من شرق المدينة، سماهم المداينة بالشروق، كانوا يبيعون فيها الأشمغة، والهيل والقهوة، وبنادق الصيد الهوائية، والأحذية الشرقية التي كانت تصنع في عين المكان، وبحسب الطلب، لابد أنني أثقلت على غير أهالي المدينة المنورة فتجدهم يتساءلون عم يتحدث هذا؟ أما المداينة فهم يفعلون مثلي، يغلقون أعينهم ويسرحون بعيداً نحو تلك الأيام وابتسامة حنونة ارتسمت على وجه كل منهم، لابد أن أحدهم سوف يذكرني باسم بائع الفصفص عندما أنشر مقالي هذا في «تويتر».
كان يحمص أفضل البذور وأغربها، كيف فات على أبنائه أن يتعلموا من أبيهم صنعته، لكانوا حوّلوها إلى ماركة تجارية وصناعة رابحة تدخل كل البيوت وتدر عليهم ملايين الريالات.

أنا كنت أقول إيه في أول المقالة؟

المصدر: مجلة روتانا