أحمد عدنان
أحمد عدنان
كاتب وإعلامي سعودي

ناهض حتر ومرتزقة الصحافة

آراء

أحياناً، حين يقوم الكاتب بالتطرق إلى بعض الشخصيات فإنه يسيء إلى نفسه، لكن للضرورة أحكام، وهذا ما سأفعله اليوم.

كتب المدعو أسامة فوزي مقالة يتهم فيها ملك الأردن عبدالله الثاني بن الحسين باغتيال الكاتب ناهض حتر. المقالة مقززة ومقرفة، ويحق للعاهل الأردني المحترم ترديد قول المتنبي: إذا أتتك مذمتي من ناقص.

أسامة فوزي يصدر نشرة في الولايات المتحدة بعنوان “عرب تايمز”، لا أريد استخدام مصطلح “صحيفة” لأن النشرة وصاحبها عار على الصحافة، وربما أسسها فوزي لأنه لم يجد صحيفة محترمة تستقبله نظراً لتاريخه الأسود، ونشرته متخصصة في نشر الأكاذيب والفتن والردح بأسلوب فضائحي رخيص.

تاريخ النشرة وصاحبها مثل هاتف العملة، تهجم مراراً على الإمارات وعلى المملكة العربية السعودية وكذلك الأردن، وأعتقد أن كل جهة يهاجمها أسامة فوزي يجب أن تشعر بالارتياح، فهو لا يهاجم غالبا إلا التجارب الناجحة والأشخاص الجيدين.

عبدالله الثاني ابن رجل عفا عن كل من حاول اغتياله، الملك عبدالله نفسه نموذج مشرف للحداثة وللتسامح ولرجل الدولة، وهو من أبطال الحرب على الإرهاب في العالم العربي ومن حكماء السياسة كوالده، وقد وجدت في تطاول فوزي خسة ما بعدها خسة.

مجموعة ممن يدعون انتسابهم النخبة للأسف تهرف بما لا تعرف، البارحة جعلوا ناهض حتر بطلاً وهو ضحية، واليوم يتحدث البعض عن فوزي كمفكر وكصحافي بينما هو مرتزق لا أكثر، مع اعتذاري الشديد للمرتزقة.

بداية القصة قبل أسابيع، يوم تعرض الكاتب الأردني ناهض حتر للقتل أمام قصر العدل في عمان.

مرتكب الجريمة متطرف إسلاموي، وخلفية القضية نشر حتر لرسم كاريكاتوري اعتبر مسيئاً للذات الإلهية، وقال حتر إن قصده كان معاكساً، فقد أراد فضح إساءات المتطرفين للذات الإلهية، وأميل إلى تصديق ذريعته، فالتطفل على النيات ليس من صلاحيات الخلق و«للبيت رب يحميه»، مؤكداً على الضعف الفني للرسمة بسبب الفجاجة والمباشرة وانعدام الذكاء.

الجريمة التي استهدفت حتر مدانة ومستنكرة ومرفوضة، ولا يقبل بها إلا أعداء حرية التعبير وحقوق الإنسان، وتأييد مثل هذه الجريمة تشريع للتطرف وللجريمة وقبول لاستهداف الذات قبل استهداف الآخر.

المشكلة في ردود الفعل التي تناولت الجريمة البشعة أنها وضعت حتر بجوار فرج فودة ونجيب محفوظ اللذين تعرضا لاستهداف من التطرف الإسلاموي.

لا يمكن وضع شخص لديه ميول عنصرية مثل حتر بجوار شخصيات آمنت بالإنسان، ولا يمكن وضع حتر الذي تبنى الميليشيات وعنف حلفائه وإرهابهم بجوار شخصيات آمنت بالدولة وبالسلم مطلقاً.

في قراءته للقضية الفلسطينية سار حتر في خط شوفيني متعالٍ، وموقفه من اللاجئين السوريين شكل فضيحة لم يتحملها حلفاؤه، إذ كتب نصاً «يمكننا القول إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري السوري. وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزفاً ديموغرافياً».

لم تتحمل الصحيفة الناشرة، وهي الناطقة باسم ميليشيا حزب الله تجاوزات حتر، فاعتذرت من الشعب السوري، واعتبرت نشر المقالة تعديا على مبادئها الأخلاقية والسياسية، مؤكدة أن النشر سببه خطأ تحريري فادح.

لم يرتدع حتر، وتحدث عن المبادئ الأخلاقية والسياسية التي زعمتها الصحيفة “هي المبادئ الليبرالية التي كانت وراء بلبلة خط الصحيفة، عاميّ 2011 و2012، إزاء الدولة الوطنية السورية، والحرب الإمبريالية الرجعية على سوريا، وتبنّي وجهات نظر المعارضة”.

وأكد على إساءته العنصرية “أما الحديث عن الشعب السوري، فهو يشير هنا إلى جمهور المعارضة والمسلحين. وهؤلاء يشكّلون القسم الأعظم من اللاجئين السوريين الذين جرى إغراؤهم، في سياق خطة مولتها السعودية وقطر، باللجوء إلى تركيا والأردن ولبنان، لاستخدامهم أداة ضغط سياسية على دمشق”.

ثم انتقل إلى المزايدة على الصحيفة التي تنتمي إلى نفس خطه السياسي، فاتهمها بأنها أساءت لجيش بشار الأسد غير مرة منها وصفه بأنه “جماعة من القرود” وأضاف “لعل التزامي، غير الملتبس، بالخط السياسي السوري، وبمصالح سوريا الاستراتيجية التي هي عندي فوق كل المصالح الأخرى، هو السبب الرئيسي في الخلاف الذي نشب، منذ وقت، مع الزميل إبراهيم الأمين”.

وبعد حفلة الردح المتبادل من أبناء الخط الواحد، أكملت الصحيفة المقصودة خط المرتزقة وبسطت صفحاتها لاتهام النظام الأردني بقتل حتر.

في صحيفة الشرق الأوسط التقط الزميل مشاري الذايدي مفارقة ذكية في بيان التعازي الذي دبجه ما يسمى بحزب الله في حتر، يسكب الحزب الإلهي الإسلاموي الإيراني دموع التماسيح على اليساري الأردني وهو من قتل سابقا يساريين لبنانيين (حسين مروة ومهدي عامل) كانا مناهضين لإسرائيل لكنهما رفضا العمالة لإيران، وربما نلفت نظر الذايدي إلى قيام قناة (الميادين) الموالية لإيران بإحياء مولد رأس الشيوعية الثورية فيدل كاسترو قبل أسابيع واستخدمت في ذلك بعض إسلامويي الخليج في مشهد ساخر قل نظيره.

في الاردن دولة قانون وأمن ومؤسسات، وقاتل ناهض حتر لن يرحمه القصاص بعد إحالته إلى محكمة أمن الدولة، واتهام المرتزقة للأردن ارتد عليهم، فمن يفكر بمنطق الميليشيا يصعب عليه استيعاب منطق الدولة.

ناهض حتر، في أفضل الأحوال، ضحية وليس بطلاً، ومن المؤسف أنه قدم نموذجا لاستغلال إيران وتابعها بشار الأسد للأقليات العربية لضرب قيمة الدولة ولإشعال الفتن الطائفية، وليت هناك من يتعظ.

 خاص لـ (هات بوست)