نيران الصيف مسلسل يشعله الحر والإهمال والإسراف

أخبار

أكد مختصون وخبراء في أنظمة مكافحة الحرائق أن أهم الأسباب وراء كثرة الحرائق صيفاً ترجع إلى إهمال الصيانة الدورية لأنظمة الإنذار والإطفاء في البنايات، علاوة على المباني القديمة التي يؤدي استخدام أجهزة تكييف عديدة فيها إلى حدوث الماس الكهربائي، في وقت تزيد درجات الحرارة عن 45 درجة مئوية. «الاتحاد» التقت عدداً من الخبراء في مجال تركيب وصيانة أنظمة الإنذار ومكافحة الحرائق في المباني، للتعرف إلى أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع النيران، خصوصاً في فصل الصيف، مؤكدين أن التخزين الخاطئ في المخازن، وعدم ترك مسافات بين المواد المخزنة، في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، يمكن أن يؤدي إلى تفاعل هذه المواد، وصولاً إلى النار.

وقال المهندس خالد الشيخ ياسين، المدير والشريك بشركة عبر البحار: «إن ارتفاع درجات الحرارة يعد عاملاً أساسياً في نشوب الحرائق، خاصة بمنطقة الخليج العربي، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 40 إلى 45 درجة مئوية، وهناك مشكلة أخرى وهي المباني القديمة التي تم بناؤها منذ عقود وتهالكت فيها التركيبات والتوصيلات الكهربائية عبر السنين، والتي تؤدي في حالات عديدة إلي الماس الكهربائي ومن ثم الحرائق.

العمر الافتراضي

وأضاف أن الكابلات في المباني لها عمر افتراضي، ومع مرور السنين والحرارة الشديدة تتهالك ولا تحتمل الأحمال العالية من الكهرباء، حيث استخدام المكيفات والأجهزة الكهربائية، مشيراً إلى أن مواصفات إنتاج الكابلات الكهربائية الحديثة مختلفة عن القديمة، ما يقلل من احتمال وقوع حرائق بالمباني الجديدة عنها في القديمة.

وأشار ياسين إلى أن أحد أهم أسباب الحرائق تحدث في مواقع التخزين، حيث إن هناك مواد مخزنة تتفاعل في درجات الحرارة المرتفعة، حيث إن المخازن أسقفها لا تكون معزولة حرارياً مثل المباني، وبالتالي ترتفع درجة الحرارة بداخلها لدرجات مرتفعة جداً، كما أن معظم المخازن لا تكون مكيفة، ومع تعرضها لساعات طوال اليوم تحت الشمس المباشرة، ترتفع درجات الحرارة بداخلها عن درجات الحرارة المذكورة، حيث إنها يتم قراءتها في الظل، الأمر الذي يؤدي إلى اشتعال المواد المخزنة الذي يمكن أن ينتج بفعل درجات الحرارة الشديدة الارتفاع.

تدريب العمال

ولفت إلى توعية الشركات بفرض تدريب على العمال في المخازن وكيفية السلامة والوقاية من الحرائق في أماكن العمل والسكن أيضاً، كل ذلك وفق اشتراطات إدارات الدفاع المدني التي تبذل جهوداً كبيرة في مجال توعية الشركات والعاملين فيها.

وأكد أن الأعوام المقبلة سوف تشهد تطوراً كبيراً في الحد من الحرائق، وذلك من خلال ما يجري على الواقع عبر تطبيق اشتراطات في المباني القديمة والجديدة، التي من شأنها الحد من الحرائق، موضحاً أن أهم الخطوات الوقائية هي صيانة أنظمة إنذار الحرائق والإطفاء داخل البنايات، وضرورة التزام الملاك من متابعة عقود الصيانة لأنظمة مكافحة الحرائق، حيث أن الصيانة الدورية من أهم العوامل الوقائية.

وقال ياسين: «إن الأبراج الكبرى تجري دورات لسكانها والعاملين فيها علي كيفية التعامل في حال وقوع حريق إلا أنه من المفترض أن يتم تعيين (ضابط حرائق)، والذي يُعنى بمراقبة أنظمة مكافحة الحرائق، والتأكد من صيانتها بشكل سليم».

الصيانة الدورية

وأضاف أن الصيانة الدورية يجب أن تكون على الأقل أربع مرات على مدار العام أي بمعدل كل ثلاثة أشهر، وهناك بعض العقود تزيد زيارات الصيانة، وتصل إلى ست أو ثماني زيارات، مشيراً إلى أن الصيانة تعمل على التأكد من عمل كل صلاحية الحساسات والأجهزة التي تعمل على إطفاء الحريق في حال وقوعه لعدم امتداده.

ونصح بضرورة انتباه السكان إلى السؤال عن ما إذا كان هناك صيانة لأنظمة مكافحة الحرائق أم لا؟، مشيراً إلى أنهم يمكنهم تقديم شكاوى للأجهزة المعنية في حال عدم صيانة هذه الأنظمة أو أنها تعمل بلا ضبط أو عدم عملها على الإطلاق.

إلى ذلك، قال المهندس سامي العزامي، المدير الإداري لشركة بريستول: «إن الحرائق التي وقعت مؤخراً، ترجع إلى العديد من العوامل، منها زيادة استخدام التكنولوجيا، والأجهزة التي تعتمد في تشغيلها على استخدام الكهرباء، ويأتي بعد الإهمال كمسبب رئيس للحرائق، الاستخدام المكثف للكهرباء، وارتفاع درجات الحرارة، وذلك ناتج عن استمرار تشغيل الإنارة في المنازل والغرف الفارغة، واستخدام وصلات الأسلاك الإضافية لإمداد الكهرباء كحل دائم بدلاً عن نقاط إمداد الكهرباء داخل المنازل، والاعتماد على أنظمة الأمن ضد الحرائق وحدها لا يكفي».

وعن الحل الأمثل لمنع حدوث الحرائق، أضاف: «الوعي والتدريب هما أفضل عنصرين لتقليل مخاطر الحرائق، حيث يمكن كل من الوعي والتدريب الأفراد من استخدام طفاية الحريق في حالة نشوب الحريق وكيفية التصرف في حالة الطوارئ، كما يجب أن يتم هذا التدريب بشكل منتظم للتأكد من إمكانية الأفراد على التصرف بشكل صحيح في حالة الطوارئ».

وأشار إلى أنه في الحالات الطارئة لا يمكن التنبؤ بكيفية التطورات التي تنتج عن الحريق، ويرجع ذلك إلى تنوع المسببات والنتائج، وهنا يأتي دور التطوير والبحث المستمر لتحسين معايير الأمن ضد الحرائق، كخطوة مسبقة للتأكد من تطوير أسلوبنا وأدواتنا للتصدي لمثل هذه الحالات. وقال: «على سبيل المثال، إن حادثة فندق العنوان في دبي كانت بمثابة نقطة انطلاق لتطوير العديد من معايير الأمن والسلامة، مثل تطوير واجهات المباني واستخدام الجدران المقاومة للحرائق».

ولفت إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تولي اهتماماً كبيراً للدفاع المدني ومعايير الأمن والسلامة، حيث بادرت باستقطاب خبراء الأمن والسلامة حول العالم لمشاركة المعرفة والنظر في تطوير معايير الأمن والسلامة حول العالم، ولقد تم إيجاد أنظمة الحرائق لمقاومة وإخماد الحريق، وفي حال عدم إمكانية هذه الأنظمة على إخماد الحريق، يجب التأكد من قدرتها على احتواء الموقف لحين وصول فريق الدفاع المدني.

وأفاد بأن كفاءة الأنظمة لا تعتمد فقط على صيانتها ولكن على كيفية صيانتها ومتابعتها، حيث يرجع ذلك إلى العديد من العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند صيانة أنظمة الأمن والسلامة، وعلى رأس هذه العوامل جودة الصيانة ودقة عمليات الصيانة، علاوة على متابعة الصيانة، والتأكد من أن جودة عمل الأنظمة يُـمكن ضمان التحكم في الحرائق أو إخمادها أو احتوائها، لأن هدفها الأساسي هو حماية الأرواح والممتلكات.

الإسراف الخطر للتكييف

قال حميد حسن الزعابي: «إن الاستخدام المفرط لأجهزة التكييف لمدة 24 ساعة تهدد وتنذر بحدوث أمور لا تحمد عقباها، خاصة في موسم الصيف، فالجميع يبحث عن الجو البارد والمنعش، خاصة أن الأجواء التي تخيم على الخليج العربي تكون حارة جداً مع الرطوبة الزائدة، ناهيك أن بعض الناس يتساهلون أو يهملون وضع أسطوانات الغاز في مكان آمن وبارد أو متوسط البرودة، فعند وضع أو ترك أسطوانة الغاز في مكان معرض لأشعة الشمس الحارة في فترة وفصل الصيف، فإن ذلك يتسبب في الغالب بحدوث انفجار ونشوب حريق بالمناطق أو الأحياء السكنية المغلقة، ويمكن مشاهدة هذه المآسي بالمناطق الصناعية، فهي أكثر المناطق المعرضة للحرائق على مستوى الإمارات».

وأضاف: «لابد من الأخذ بتعليمات وإرشادات الأمن والسلامة، حيث يتعين على أصحاب المنازل صيانة جميع الأسلاك الكهربائية بشكل دوري، والتأكد من إصلاح أي تماس كهربائي على الفور، أضف إلى ذلك يجب التأكد من أن الأسلاك الكهربائية الداخلية والخارجية كافة، مدخلة في الأنابيب المعزولة، واستخدام فقط أجهزة ومعدات كهربائية ذات جودة عالية، والتأكد من فصل التيار الكهربائي عن الأجهزة كافة أثناء عدم استخدامها، والتأكد من فصل الكمبيوتر المحمول الخاص بك عن التيار الكهربائي بعد استخدامه، وعدم وضعه على الأقمشة أو المواد القابلة للاشتعال، وفصل مخارج الكهرباء كافة التي يمكن للأطفال الوصول إليها. وللحفاظ على أمن المطبخ يتعين الأخذ في الاعتبار أن المطابخ تحتوي على مصادر عديدة للخطر، ولكن يمكن لبعض الاحتياطات الحد من هذه الأخطار بشكل كبير، ومنها عدم ترك المطبخ لفترة طويلة من الزمن أثناء طهي الطعام على الموقد، والتأكد من فصل الفرن والأجهزة الصغيرة قبل النوم، والطبخ بالزيوت والشحوم ببطء والمراقبة عن كثب أثناء تسخينها، وترك مسافة متر على الأقل بين أي مصدر للنار أو الحرارة والمواد القابلة للاشتعال، والتأكد من إبقاء الملابس المتدلية بعيدة عن الغاز، وإبقاء الستائر وغيرها من المواد القابلة للاشتعال عن الموقد، وعدم ترك الأطفال في المطبخ من دون مراقبة، وحفظ الكبريت والولاعات في خزانة مغلقة وإبقائها دائماً بعيدة عن متناول الأطفال، والتأكد من أن الكبار فقط هم من يقومون بإشعال الشموع، وعدم السماح للأطفال بالقيام بذلك، والاحتفاظ ببطانية حريق في المطبخ، وأخذ الحيطة والحذر في متابعة ومراقبة كل شيء قابل للاشتعال ولو كان بسيطاً، مثل المفرقعات الصغيرة التي يلهو ويلعب بها البعض من الشباب والأطفال.

التوعية غير كافية

وأضاف شريف صالح آل شرفي: «إن قلة جانب التوعية في الاستخدام الأمثل للكهرباء وأجهزة التكييف كفيلة جلب المصائب والنكبات إلى البيوت والمنازل، كما أن اللامبالاة والإهمال المتكرر من البعض يقود إلى إشعال الحريق، خصوصاً عند نسيان البعض أو تركه لمبخرة البيت في مكان وموضع يساعد على الاشتعال، مشيراً إلى قصة حدثت في منزلهم إزاء نسيان البخور وهو مشتعل على كرسي أو بالقرب من السجاد، ما أدى إلى اندلاع الحريق في إحدى السنوات السابقة خلال فترة الصيف».

وأضاف: «يتعين العمل بجد على زيادة حملات التوعية والبرامج التثقيفية على مدار العام، والوجود في الأماكن العامة للوصول إلى الجمهور والفئات المستهدفة، خصوصاً فئة العمالة المساعدة في البيوت، فتلك الفئة ليست على دراية وعلم يكفي باستخدام أجهزة الكهرباء والتكييف»، مشيراً إلى أن أغلب العاملات في البيوت يتركون أجهزة الكهرباء تعمل لفترات طويلة، والأدهى من ذلك أنهم لا ينتبهون إذا ما كانت نقطة مفاتيح الكهرباء آمنة أو مغطاة أو بعيدة عن متناول يد الأطفال.

الممارسات الخاطئة

من جهته، يؤكد راشد محمد أن سبب ازدياد حوادث الحرائق في فصل الصيف يعود إلى الممارسات الخاطئة، وجهل البعض بأهمية اختلاف التعامل مع الكهرباء مع تغير درجات الحرارة، فالتعامل مع الشتاء يختلف عن الصيف سواء بالمستويات التي يجب استخدامها للطاقة، وطرق إعادة التشغيل. وأضاف: «في بعض الأحيان سلوك بسيط يؤدي إلى حادث تتابعي خطير، وهذا الأمر يتعلق بمستويات اشتراطات السلامة المتوافرة في المباني، فهل هناك معايير موحدة تلتزم بها المباني»، وتابع: «اقترح أن يوجد تصنيف يتعلق بالمباني، بحيث يتم تصنيفها وفق اشتراطات الأمن والسلامة، مما يتيح للسكان، والمستأجرين معرفة درجات الأمان في منازلهم».

وأشار صالح محمد، إلى ضرورة إبراز أهم الأسباب التي تؤدي للحرائق خلال الصيف عبر توعية إعلامية موسعة، تشارك فيها وسائل الإعلام المختلفة، وذلك في سبيل معرفة الأسباب التي تؤدي لتزايد الحرائق.

وأضاف: «إن أهم سبب هو سفر بعض العائلات، وترك الكهرباء مفتوحة خلال مدة السفر، مما يؤدي إلى حدوث ضغط كهربائي شديد، والبعض لمجرد أنه يريد أجواء المنزل باردة لدى عودته، يفضل إبقاء الكهرباء مفتوحة، وهذه الرغبة الخاطئة لها أضرار كثيرة وكبيرة».

المواد القديمة بالمباني

ويؤكد محمد الكثيري أن من الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع الحرائق خلال فصل الصيف هو نوعية المواد القديمة المستخدمة، خصوصاً في المباني التي أنشئت ما قبل وجود القوانين التي تلزم باشتراطات الأمن والسلامة، وأضاف: «كما أن الطبقات المستخدمة في بعض المباني لاتتناسب مع درجات الحرارة العالية التي نعيشها في معظم أيام السنة، وهناك من المهندسين والمصممين من يتناسى خلال فترة التصميم، خصوصية مناخ دولة الإمارات، والمستويات القياسية للحرارة خلال فصل الصيف»، مطالباً بوجود مراجعة شاملة على المباني الموجودة كافة. وأضاف: «وجود مراجعة للمباني كافة، وزيارات ميدانية للتقييم سيمكن الجهات المعنية من تلافي حدوث حرائق خلال فصل الصيف، ذلك أن تحديث قاعدة البيانات سيؤدي إلى وضع تصور كامل للمباني، وقابليتها لحدوث الحرائق من عدمه». ورداً على سؤال حول أبرز السلوكيات الخاطئة خلال الصيف التي تؤدي للحرائق، أوضح الكثيري لست مختصاً، ولكن تشغيل الكهرباء من دون إيقاف خلال فترة زمنية تصل لطوال فترة الصيف، يعد من السلوكيات الواضح تأثيرها، ولابد من وجود وقت ولو بسيط لترشيد استهلاك الكهرباء، ولما لا تكون هناك جائزة للعائلة المثالية التي تراعي مفاهيم الترشيد، تشجيعاً للعائلات الملتزمة، وللسكان المدركين لأهمية الترشيد.

غياب ثقافة الوعي

وأضافت عائشة أحمد هناك نوعان من الأسباب التي تؤدي إلى الحرائق، جزء منها غياب ثقافة الوعي باستخدام مستويات الطاقة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو تعرض المنازل للتماس الكهربائي المتكرر، والسبب الآخر يكثر في المباني والأبراج، ومرده لاشتعال جزء بسيط، ووجود رياح عاتية تنشط من حركة النيران، خاصة في ظل وجود أيام تكثر فيها العواصف الرملية، وغيرها من العوامل التي تعمل على تزايد اشتعال الحرائق .

وأضافت: «ولكن علينا أيضاً النظر إلى حرائق الغابات التي تحدث في أماكن كثيرة بالعالم، فهي تستمر لفترات زمنية طويلة، خاصة في فصل الصيف من دون أن تتمكن فرق الدفاع المدني من إطفائها، فيما نمتلك فرقاً متخصصة من الدفاع المدني، تستطيع إطفاء الحرائق خلال فترة زمنية وجيزة، وقادرة على استيعاب الأضرار، ولذلك يجب أن نشيد أيضاً بدور الدفاع المدني، بالتوازي مع الحديث عن الحرائق».

المصدر: الإمارات اليوم