عبدالله حميد الدين
عبدالله حميد الدين
عبدالله حميدالدين يكتب حول الأديان والسياسة في مجتمعات الشرق الأوسط، مع التركيز على المملكة العربية السعودية واليمن. لديه دكتوراة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من كنغز كولدج بريطانيا. يمكن متابعته على تويتر عبر @amiq1

هجمات اسطنبول دليل على أن الإرهاب أقرب مما نتصور

آراء

بالنسبة للبعض منا، فإن الساعات القليلة قبل وبعد بدء العام الجديد، ستظل مرتبطة دائماً بالمأساة. فتركيا والعراق وأفغانستان واليمن والصومال، كانت جميعاً أهدافاً لهجمات إرهابية أودت بحياة الكثيرين، وحولت احتفالات رأس السنة، والتفاؤل باستقبال عام جديد إلى دموع ومخاوف من القادم الأسوأ.

وعلى الرغم من أن الهجمات كانت محلية، إلا إن الألم الذي تسببت به كان عالمياً. في اسطنبول، تم قتل سياح من أكثر من بلد، وعم الحزن عائلات كثيرة في جميع أنحاء العالم. لقد تسببت الهجمات الإرهابية على ملهى “رينا” الليلي في مقتل أبرياء من 14 بلداً، من بينهم عدد من السعوديين.

على المستوى الشخصي، لا أعرف أيّ من الذين قتلوا، ولكنني أعرف أشخاصاً يعرفون بعض الضحايا. هؤلاء لم يحزنوا فحسب على الموتى، ولم يشعروا فقط بالغضب من لا معقولية الجريمة، ولكنهم شعرواً كذلك بالخوف على أنفسهم وعلى أقاربهم وأحبائهم.

كما قال أحدهم: “لا يوجد مكان آمن. لا يوجد بلد في مأمن. يمكنهم إيذاؤنا مهما كنا بعيدين”. هذا هو “الإرهاب المتعولم” في أساسه. فالأمر لا يقتصر على شبكات عالمية لديها القدرة على توجيه ضرباتها في مختلف الدول؛ وإنما يتضمن كذلك القدرة على بث الرعب في نفوس الجميع في جميع أنحاء العالم.

أنا من المملكة العربية السعودية، البلد الذي كان هدفاً للعديد من الهجمات الإرهابية في السابق. ولكن كنا نشعر بالأمان، من جهة نتيجة الجهود الباهرة للأجهزة الأمنية، ومن جهة أخرى بسبب سذاجة الاعتقاد بأنه إن كنا في مأمن من الإرهابيين في بلادنا، فليس هناك ما يدعونا للقلق. وهذا خطأ. فإن كان هناك شخص غير آمن في أي مكان في العالم، فعلينا أن نشعر بالقلق.

تأثير بث الخوف في النفوس

ينبع الإرهاب من الإحباطات الاجتماعية السياسية، ولكن يأخذ شكله ووجهته من أفكار تضفي شرعية على عمليات قتل الأبرياء في سبيل القضية التي يؤمن بها، إضافة إلى أفكار تقنعه بتأثير وفعالية بث الرعب في النفوس.

دائماً ما يتم تذكيرنا بأهمية أن نكون يقظين، ونسمع باستمرار عبارات من قبيل: “إذا رأيت شيئاً، قل شيئا” ولكن لا يتم تشجيعنا بالقدر الكافي لتوخي الحذر من الأفكار، كما أن كثيراً منا لا يشعر بمسؤوليته المباشرة لأن يواجه الأفكار.

يكمن جزء من المشكلة في أننا تعودنا على أفكار معينة لدرجة إنها لا تستفزنا عندما نسمعها، فقد نشأنا ونحن نسمع خطباء المساجد يدعون إلى تدمير الآخرين، واستمعنا خلال مراحل حياتنا المختلفة لدعاة يصبون لعناتهم على العُصاة. صحيح أن كثير منا لا يتفق مع هذه الأفكار، ولكن بعد أن نسمتع إليها مراراً وتكراراً، لا نعد ندرك مدى خطورة مثل هذه التصريحات، وأحيانا لا ننتبه إلى ما يقال، ولكن بينما نحن نستمع إلى تلك الخطبة غير منتبهين لما يقوله الخطيب، فإن شخصا ما يجلس بجانبنا يكون مصغياً ومتابعاً لكل ما يقال.

الأفكار المتطرفة ليست محلية

جزء آخر من المشكلة هو أننا ننسى أن الأفكار نادراً ما تكون محلية. نسمع عن أفكار متطرفة في بلد آخر أو منطقة أخرى من العالم ونقول لأنفسنا إن هذه الأفكار غير موجودة لدينا هنا. ولكن ما تعريف “هنا” في عالم الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي؟ وأين تقع “هنا” في عالم يتنقل فيه الناس بكل سهولة من بلد لآخر؟ وإذا بدأت فكرة في الانتشار في بلد آخر، لا نشعر بالقلق، ونقول لأنفسنا إنها “هناك” وليست مشكلتنا. ولكنها بالتأكيد هي مشكلتنا، وسوف يصيبنا تأثيرها إن لم يكن عبر إيذائنا بشكل مباشر في بلداننا، فسيكون عبر إلحاق الضرر بنا أو بأحبائنا في بلدان أخرى.

يهدف “الإرهاب المعولم” إلى بث الرعب في نفوس الجميع، وكلنا أهداف مشروعة بالنسبة له. وإن كانت الحكومات مسؤولة عن الجانب الأمني في محاربة الإرهاب، فعلينا تحمل مسؤولية محاربة الجانب الفكري للإرهاب، ليس عبر دحض الأفكار التي تضفي الشرعية على الإرهاب وتشجعه فحسب، ولكن كذلك بالوقوف ضد أي حديث أو عبارات تحض على الكراهية تجاه أي شخص في أي مكان.