عثمان الخويطر
عثمان الخويطر
نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً

هل استنزاف النفط من أهداف المجتمع الدولي؟

آراء

لفت نظري وأثار حفيظتي مقطع من جملة وردت ضمن مقال لأحد الكتاب المهتمين بشؤون مصادر الطاقة، كان قد نُشِر أخيرا في إحدى صحفنا المحلية. وربما أنني الوحيد أو من القِلة الذين لديهم حساسية مفرطة عند سماع الحث على ما يشبه الإسراف في استهلاك مصادر الطاقة النفطية القابلة للنضوب، وخصوصًا تلك التي تتميز بتدني تكلفة إنتاجها. وكان الكاتب الفاضل يتحدث عن موضوع مُجمَل الطلب على النفط وارتباطه بمستقبل الأسعار. فأورد الجملة الآتية: “كان نمو الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مُخيبًا للآمال على مدى الربع الرابع بالكامل”! وأظن أنه يقصد آمال المنتجين. وهذا يعني بالقول الصريح أنه يجب على المجتمع الدولي بذل أقصى مجهود ممكن من أجل وبهدف استهلاك أكبر كمية ممكنة من النفط. وكأن البشر يستخرجون المواد النفطية من البحار والمحيطات التي لا تنفد، وليس من مكامن محدودة الحجم تقبع في أعماق الأرض، ولا نكتشف وجودها إلا بشق الأنفس وبذل الغالي والرخيص. وهناك حقيقة لا بدَّ من التمعُّن في مضمونها، فبما أن النفط مادة استهلاكية ناضبة، فمن الطبيعي أن يكون كثيره قليلا؛ أي أنه مهما بلغ مقدار الاحتياطي النفطي، فإن مآله إلى الزوال. وليس من الحكمة أن نحاول بشتى السبل المتاحة، إعلاميًّا وماديًّا ومعنويًّا، أن نعمل على تضخيم المخزونات النفطية التي لا تزال لم تطلها يد الإنسان. فنسبة كبيرة منها، قد تتجاوز 80 في المائة، هي من الأنواع ذات التكلفة المرتفعة التي لا يتحملها الاقتصاد العالمي حاليًّا. وإنتاجها لا يقارَن على الإطلاق بإنتاج ما يسمى النفط التقليدي الرخيص الذي لا يتجاوز احتياطيه تريليونا واحدا، وذلك من حيث سهولة وكمية عطاء الآبار. وهو ما يعني أن تكلفة إنتاج الجيل الثاني من أنواع النفط، كالنفط الصخري والصخر النفطي والرمال النفطية والثقيلة وما في أعماق البحار تصل أضعاف تكلفة التقليدي. وما بعده الله أعلم بوضعه. ونحن هنا، لا نتحدى ما يمكن أن تثمر عنه البحوث والتجارب العلمية المتقدِّمة وإمكانية اكتشاف مصادر جديدة لتوليد الطاقة، ولكن هذه الأمور تظل في عالم الغيب. وكبشر، لسنا مكلفين بأن نبني مستقبل شعوبنا وأجيالنا على مجرد آمال وتمنيات وتخمينات ليس لها أساس علمي ولا نتائج ملموسة يضمن تحقيقها ونجاحها.

وإذا استثنينا دول الخليج العربي، فإن معظم الدول المنتِجة قد لا تتأثر كثيرًا بانتهاء عصر الإنتاج النفطي الرخيص في بلادها؛ لأنها ليست معتمدة بنسبة كبيرة على المداخيل النفطية، حتى لو كان النفط يكوِّن رافدًا مهمًّا في ميزانياتها، مثل ما حدث في بريطانيا ونفط بحر الشمال. أما دول الخليج الله يحفظها، فمنذ ظهور النفط، الذي نزل عليهم من السماء فجأة، وهي عازفة تمامًا عن البحث عن مصادر أخرى للدخل، واختاروا الركون إلى الراحة، واستقدام العمالة الأجنبية والخدم بإسراف شديد. ووصلوا في حياتهم إلى مرحلة مُتقدمة من الرفاه ورغد العيش، أو قل معظمهم، وأقفلوا أبواب التفكير في مصيرهم عند انتهاء عصر الطفرة النفطية. وهؤلاء هم الذين نخشى عليهم وعلى مستقبلهم من توابع تلك الجملة التي اقتبسناها من المقال آنف الذكر، وهي، “مُخيبًا للآمال”. فنحن نخشى ألا تخيب الآمال، ويرتفع الطلب إلى مستويات قياسية تأتي على ما تبقى من ثرواتنا المحدودة، ونحن لا نزال نغط في سبات عميق.

أما بقية شعوب الأرض، التي ربطت هي الأخرى مستقبلها إلى حد بعيد بمستقبل المصادر النفطية، فليست بمنأى عن عواقب نضوب النفط التقليدي الرخيص. وفي تلك الحالة، عليها أن تتحمل عبء ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة غير التقليدية. والأكثر خطرًا على مستقبل الاقتصاد العالمي بوجه عام، هو أن الدول الصناعية الكبرى التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة ستجد نفسها متأخرة في إنشاء مرافق مصادر الطاقة المتجددة نظرًا لعدم اهتمامها بنضوب الطاقة الرخيصة. وقد ركزنا على الفصل بين مصادر الطاقة النفطية الرخيصة والمصادر غير التقليدية الأعلى تكلفة، من أجل لفت نظر البعض ممن يساوون بين أنواع النفوط المختلفة، وينظرون فقط إلى إجمالي الاحتياطيات من التقليدي وغير التقليدي. وهذا غير دقيق؛ لأن تعويض إنتاج عشرة ملايين برميل من المصادر الرخيصة، على سبيل المثال، يتطلب بذل عشرة أضعاف الجهد والمال لإنتاج الكمية نفسها من المصادر غير التقليدية. ناهيك عما يسببه إنتاج الأخير من تلوث للبيئة واستنفار لأعدادٍ هائلة من الأجهزة والمعدات الثقيلة التي لا تتوافر في المكان المناسب.

وفي نظرنا، ألا يكون قمة اهتمام دول الخليج هو تسويق أكبر كمية ممكنة من الإنتاج النفطي الناضب. فهذه غلطة لن يغفرها لنا الزمن. فالدخل الرخيص لا يبني مستقبلاً زاهرًا لشعوبنا. بل العكس تمامًا، فهو لن يجلب لنا إلا الكسل والخمول والتهرب من الواقع بدليل استقدامنا ملايين العمالة الأجنبية لتضيف إلى رفاهيتنا وتشاركنا في دخلنا. وإذا لم نتدارك الأمر ونحدد مسار إنتاج ثرواتنا النفطية، حيث يكون عند مستوى يدفعنا إلى العمل والإنتاج أسوة ببقية شعوب الأرض، فإننا سنجد أنفسنا في مهب الريح في وقت لا ينفع معه الندم.

المصدر: الاقتصادية