طارق إبراهيم
طارق إبراهيم
رئيس تحرير جريدة الوطن السعودية سابقاً

يضحكني من ينتقد أميركا!

آراء

أضحك كثيرا حينما يكتب ويتحدث بعض العرب بعاطفتهم ملقين باللوم على أميركا والغرب بسبب مواقفهم السلبية مما يحدث في سورية، وتحديدا مما يتعرض له الشعب والثوار من قتل وعذاب وقهر على يد نظام بشار الأسد وأعوانه من حزب الله وإيران.

أضحك لأننا عايشنا وما زلنا نعيش حالة أعظم مما يحدث في سورية، عايشنا ولمدة تزيد عن الأربعين عاما، شتى أصناف القهر والظلم والقتل والذبح والقصف والتنكيل، التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وشاهدنا الموقف الأميركي والموقف الغربي الذي دائما يأتي متوافقا مع مصالحهم، ولكن بعضنا ما زال يظن أن في السياسة أخلاقا وقيما، ولهذا يتهمون الغرب بالنفاق، ويتساءلون مندهشين ومستنكرين: كيف يطالبون بحقوق الإنسان وكيف ينادون بالعدل، والحريات والديمقراطية والسلام وهم يقفون موقف المتفرج مما يحدث في سورية؟

في عام 1999 كنت في أحد مقاهي نيويورك، وكنت أتناقش مع طالب متدرب في الخارجية الأميركية، وكان اتفاق أوسلو للتو تم توقيعه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقلت له إنه من الملاحظ على الشعب الأميركي ضحالة ثقافتهم السياسية، فقال: نعم، بل هي ضحلة جدا، فنحن مشغولون بأعمالنا ودراستنا طوال الأسبوع، وفي إجازتنا الأسبوعية والسنوية نذهب للبحر وللسينما وللرحلات ونستمتع قدر الإمكان بكل أوقاتنا لنعود من جديد نعمل بما يجعلنا في الوضع الذي نحن عليه بين دول العالم، وأما السياسة فقد انتخبنا شخصا ليقوم بالنيابة عنا في إدارة أمور بلادنا بما يجعلنا أيضا الأفضل والأقوى دائما، وبما يخدم مصالحنا على المدى القريب والبعيد، ومتى ما شعرنا أنه عاجز عن فعل ذلك أزحناه وانتخبنا غيره، فهو يعمل لصالح أمتنا وليس لصالح نفسه أو لصالح دولة أخرى.

تذكرت حديثي مع ذلك الشاب الأميركي هذه الأيام وأنا أرى شبه حملة يقودها كتاب عرب ضد أميركا بسبب موقفها السلبي مما يحدث في سورية، خاصة مع تدخل حزب الله وإيران في الحرب الدائرة بين النظام السوري والثوار.

أستغرب هذا النقد المليء بالدهشة، أستغرب هذا النقد المليء بالتساؤلات وكأن الحالة السورية حالة شاذة على مستوى المنطقة أو على مستوى العالم!

في السياسة، هناك مصالح وهناك منافع وهناك تكتيكات تقوم على المصلحة والأنانية والانتهازية والخبث، وتقوم على استغلال الفرص وعلى اللعب على أكثر من حبل وعلى الاصطياد في الماء العكر، بينما بعضنا يحلم بأن تترك أميركا كل مصالحها وكل استراتيجياتها لتنظر في مصلحة شعوب لا قيمة لهم في أجندتها.

العرب بثرواتهم الكبيرة وتاريخهم المجيد ودينهم العظيم لا يعرفون السياسة ولا يعرفون منها إلا ما يتصدر نشرات الأخبار من عبارات تزعم أن حوارا دار بين من تجمعهم صداقة مشتركة، وأميركا لا تعرف الصداقة المشتركة، بل تعرف فقط ما يخدم مصالحها، وعندما تتغير المصالح تتجاهل تلك الصداقة المشتركة المزعومة.

المصدر: الوطن أون لاين