عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

«يوتيوب» يسقط وزير الصحة

آراء

يبدو أن المقطع المحزن لمواطن سعودي، وهو يطالب وزير الصحة المقال بنقل والده المصاب بجلطة إلى أحد المستشفيات المتقدمة في المملكة قد كان فيما يبدو أحد الأسباب الرئيسة في إقالة الوزير من منصبه. وذلك المقطع والنتائج المترتبة عليه كان لها رسائل وعبَّر للمسؤولين والتنفيذيين في القطاع الحكومي، ولاسيما في الوزارات الخدمية التي لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين. لقد عبَّر ذلك المواطن بحرقة عن حق والده برعاية صحية جيدة، ولكن -للأسف- أن المنطقة التي يقيم بها لا توجد بها مستشفيات لتقدم تلك الخدمة على رغم بلايين الريالات التي تخصصها الدولة للقطاع الصحي في بلادنا، وهو ما اضطر المواطن إلى أن يسعى إلى مقابلة الوزير؛ لشرح معاناة والده الذي وللمصادفة العجيبة أنه قد خدم في القطاع الصحي نفسه 35 عاماً، وعندما أصابه المرض لم يستطع أن يحصل على الرعاية الصحية المناسبة في منطقته.. فكيف الحال بملايين المواطنين الذين يمرون بتجارب مماثلة لهم أو لأقاربهم؛ فليس الكل لديه الواسطة لتلقي الرعاية الصحية في المستشفيات المتقدمة في بلادنا، فمصيرهم الهم والرضاء بالواقع المزري بالخدمات الصحية التي يتلقونها في مبانٍ في أطراف بلادنا أقل ما يوصف أنها مستشفيات، والغريب أن هذه الوزارة قد مر عليها الكثير من الوزراء في السنوات الماضية، ولكن المخرجات والإنجازات ضعيفة جداً، إلا ما ندر. أهو بسبب التضخم الإداري للقطاع الصحي الحكومي أم بسبب الفساد أو قد يكون له علاقة بقلة المحاسبة من الجهات الرسمية لمن يقومون على القطاع الصحي، وكلنا نقرأ ونتابع القصص المأسوية لإخفاقات هذا القطاع، ويكفينا مثلاً ما ينشر ويثار عن الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة، والتي يكون ضحاياها المواطنين والمقيمين في بلادنا، وأنا أجزم أنها لو حدثت في إحدى الدول المتقدمة أو حتى في الدول الخليجية المجاورة لقامت الدنيا ولم تقعد، وتم استصدار التشريعات القانونية؛ لمعاقبة المتسببين فيها، وتم تفعيل وتطبيق تلك الأنظمة بحزم وقوة، ولكن لدينا تثار مثل هذه القضايا وتصبح قضايا رأي عام، ومن ثم تذهب في مهب الريح، ويطويها النسيان، ومن ثم نفجع بقضية أخرى. أما منهم على رأس القطاع الصحي فإنهم باقون في مناصبهم وبعضهم يطرح بعفوية وسذاجة لماذا لا يستقيلون على الأقل -كما يحدث في كل دول العالم- في قضايا أقل أهمية مما يحصل لدينا والتي تذهب أرواح بشرية؛ نتيجة لتلك الأخطاء الطبية، وكلنا يتذكر طفلة جازان التي نقل إليها فايروس الأيدز بطريق الخطأ، والضجة التي ثارت حولها والتي في النهاية قد تكون تسببت في إسقاط وزير الصحة آنذاك بعد ضغط من الرأي العام المحلي.

وسائل الإعلام الجديد ومن ضمنها (يوتيوب) هي سلاح وأدوات إيجابية في فضح التقصير الذي يعاني منه قطاعنا الصحي، وما رد الوزير المقال على المواطن الذي يطالب بأبسط حقوقه في معالجة والده، إلا دليل على الاستهتار بحياة المواطنين،، فكيف يتجرأ الوزير ويصف حرقة المواطن وحاجته إلى علاج والده بـ«الطنطنة»، ولكنْ عزاؤنا أن القيادة لم تسمح بأن يمر ذلك الموقف مرور الكرام، وينتهي الموضوع. لقد بعثت القيادة برسالة إلى جميع المسؤولين، ومنهم الوزراء حتى لو كانوا حديثي التعيين أنه لا مكان للتقصير والاستخفاف بحياة المواطن وبالخدمات المقدمة له، ولاسيما أن الدولة لم تقصر في دعم تلك القطاعات بموازنات ضخمة، ولن تقبل بهذا.

ما لا نأمله أن تكون الخدمات بهذه الدرجة من الضعف في بعض المناطق وتدفع ببعضنا إلى الاستجداء لطلب الرعاية الصحية والتي هي من أبسط حقوق المواطن. لقد انتهى زمن البهرجة الإعلامية للخدمات المقدمة للمواطنين من بعض القطاعات الرسمية، وحان وقت المساءلة الآنية والسريعة، والفضل يعود إلى وسائل الإعلام الجديد وعلى رأسها «يوتيوب».. فشكراً له على ما يقدمه من فضح المقصرين في مجتمعنا.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/