حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

فات الميعاد

آراء

بعد تحوير بسيط لعنوان رواية الكاتب المصري إبراهيم عبدالمجيد «لا أحد ينام في الإسكندرية» يمكننا في هذا الوقت استخدامه عنوانا لرواية أهم هي «لا أحد ينام في مصر»، وعندما لا تنام مصر فإنه «لا أحد ينام في العالم العربي». هذه هي الحقيقة، وهذا هو حالنا منذ أشرقت شمس 30 يونيو. وكما هي عادة شعب مصر، فإنه تعامل مع إرهاصات هذا اليوم بروحه الساخرة ونكتته الخاطفة اللاذعة عندما اقترح حذف ورقة يوم 30 يونيو من التقويم ليتم القفز عليه وتنتهي المشكلة، لكنه عندما أطل فجر ذلك اليوم كان له كلام آخر.

وفي كل الظروف والأحوال، هي مشكلة كبرى حين تكون حاسة الاستشعار معطلة بطبيعتها، أو يتم تعطيلها أملا في حدوث معجزة أو هبوط حل من الغيب، وعندما يتعلق الأمر بالسياسة يصبح الوضع كارثيا إذا تشبث أصحابها بوهم كهذا. السياسة هي التعامل الواقعي مع ظروف ومعطيات وشواهد وأحداث من أجل بلورة قرارات عملية تضمن قدرا من النتائج الإيجابية أو تقلص حجم وتأثير النتائج السلبية، لكن هذا ما لم تبادر مؤسسة الحكم في مصر باتخاذه حتى عندما تكثفت سحب الأزمة في الأفق السياسي وأنذرت بتأكيد حدوثها.

تتم كتابة هذه السطور في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، وكل الاحتمالات مفتوحة وممكنة لتشكيل مشهد جديد أكثر سوءا عند نشر المقال، لكنه يصعب على كاتب التريث لمراقبة ما تؤول إليه الأحداث بنهاية مهلة الجيش المصري هذا المساء. ما حدث منذ بدء تنفيذ حملة تمرد مشروعها صباح 30 يونيو إلى الآن فيه كم كبير من المحرضات على الحديث عن الساحة المصرية التي أصبحت تغلي. وعندما أشرنا إلى حاسة الاستشعار آنفا كان القصد من ذلك إثارة بعض الأسئلة الموجهة لمؤسسة الحكم في مصر، والتساؤلات حول موقفها وتفاعلها مع الأحداث الدرامية التي تسارعت منذ الإشارات الواضحة في خطاب وزير الدفاع قبل أيام، ثم ظهور المؤشرات التي تؤكد جدية بدء التظاهرات والاعتصامات ضد النظام، انتهاء بتنفيذها وما رافقه وأعقبه من تداعيات انتهت ببيان القوات المسلحة يوم الإثنين.

هل أخطأ القصر الجمهوري قراءة تلميحات الجيش السابقة، أم تجاهلها؟ وهل قلل من قدرة حركة تمرد الشبابية على تحريك الساحة أم استخف بها؟. ليكن أنه فعل ذلك، أفلم يكن قادرا على تحليل ما يعنيه نزول الملايين في ميادين مصر وساحاتها يوم 30 يونيو واستخلاص موقف يحدد كيفية التعامل العقلاني معها؟ وهل كان الظرف والوقت يسمحان بالانتظار ليحدث ما حدث في ذلك اليوم من سقوط قتلى وجرحى دون تحديد موقف وطني في المقام الأول يستبق إراقة الدم؟. وإذا كان كل ذلك قد حدث هل قرأ الرئيس مرسي تحديدا بيان الجيش يوم الإثنين بطريقة مختلفة عما قرأه كل من استمع إليه؟

كان الشعب وإرادته ومطالبه هو محور البيان، وكانت اللغة حاسمة والصياغة دقيقة والرسالة واضحة، والطرف المرسلة إليه محددا لأنه الذي يتحمل المسؤولية الرسمية في إدارة شؤون الوطن، ومع ذلك استبقت جبهات التأجيج رد الفعل الرسمي للرئاسة بإعلان ما يشبه تدشين مواجهات العنف قبل صدور بيان الرئاسة المتأخر الذي جاء أقل كثيرا مما هو متوقع في ظرف كهذا، وكشف فجوة عميقة بينها وبين الجيش الذي كان يلهج به الرئيس مرسي في خطابه الأخير، بل وأشار إلى رفض لمضمون خطاب الجيش.

لقد شكلت مفردتا «الشعب» و«الشرعية» العمود الذي يتكئ عليه كل طرف ويحاول توظيفه لصالحه عندما تفاقمت الأزمة. فمن هو الشعب؟ هل هو شعب التحرير أم شعب رابعة العدوية؟ هل هو الساحات في أغلبية محافظات مصر أم من تم استحضارهم بشكل عاجل مساء الإثنين لغرض إحصائي؟. وهل الشرعية هي الحق المطلق الذي أنتجه الصندوق كما يؤكد أنصار الرئيس مرسي، أم هي ما تحدده وتقرره طبيعة الأداء للذي اكتسب الشرعية، والمصلحة العليا للوطن؟.

أتمنى ألا تكون أسوأ الاحتمالات قد حدثت بعد كتابة هذا المقال، ولأنه شبه مستبعد أن تتحقق المصالحة حول اتفاق أو توافق، دعونا ننتظر خارطة المستقبل التي سيعلنها الجيش هذا اليوم.

المصدر: صحيفة عكاظ