عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«للَّه‭ ‬ثمَّ‭ ‬للتاريخ»

آراء

أتفق مع المكتب السادس في المخابرات البريطانية في أن الوثائق والمعلومات المهمة يجب عدم الإفصاح عنها إلا بعد وقت طويل، وأختلف معهم في تحديد هذا الوقت، هم لا يفصحون عن أسرارهم إلا بعد 60 عاماً، وأنا لا أكشف عن أسراري إلا بعد 60 دقيقة! خلاف ليس جوهرياً!

كنت فعلاً أنوي أن أمدّد فترة السرية على ما سأذكره اليوم بخصوص الراحل الكبير نيلسون مانديلا، إلا أن استفزاز البعض بتوزيع عباد الله عز وجل، هذا في الجنة وهذا في النار، بحسب أهوائهم وأمزجتهم، متألهين على الله في ملكه، وجاهلين بالصورة كاملة، ومتجاهلين لما علينا الاستفادة به من دنياهم، ومركزين على آخرتهم التي هي بيد الله عز وجل بالكلية، هو ما يستفز ويدفع المرء إلى خرق بعض تعهداته.

أحد الزملاء الإعلاميين من جنوب إفريقيا، الذي كان المترجم الخاص لنيلسون مانديلا ــ ولايزال حياً يرزق ــ روى لي هذه الحكاية، ومن لم يصدق فليشترِ لنفسه كيلوغرامين من الملح التركي، يقول الزميل المسلم: «كنت أترجم في لقاء نيلسون مانديلا مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مناسبة جمعت كليهما، وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد آنذاك، وتحدث نيلسون عن إعجابه بالإسلام والتسامح الموجود لدى المسلمين، وهذه الجموع الموجودة في الحج بلا فرق للون أو عرق أو منصب، وطلب ضاحكاً من الملك عبدالله في ذلك اللقاء أن يسمح له بالتنكر والذهاب للحج لرؤية هذا التجمع البشري الجميل. يقول المترجم: رد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بقوله: إذا أردت أن تحج فعليك أن تدخل من الباب، وهنا تدخل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وطلب من المترجم أن يترك له هذه الجملة لكي يفهم نيلسون مانديلا ما قصد الملك منها.

مرت أيام وليالٍ، وفي ذات يوم اتصل نيلسون مانديلا بالمترجم، وكان حينها خارج الرئاسة في جنوب إفريقيا، وطلب منه أن يقوم باتصالاته مع الجهات السعودية المختصة، ويبلغهم بأن نيلسون قرر أن يحج، وأنه «سيدخل من الباب»، يقول زميلي: «كنت سعيداً جداً للخبر وقمت باتصالاتي المختلفة، إلا أن المرض كان قد بدأ يلم بالرمز الإنساني الكبير وضعفت قوته، وتأجل مشروعنا»، واستمر الضعف إلى حين روايته للحكاية لي قبل عامين!

مأساتنا أننا حتى إذا كنا نعلم أن هناك جانباً «شخصياً» لدى الكثير من المبدعين، فإننا نترك إنجازاتهم وما فعلوه ونركز على حزر آخرتهم التي ليس لنا منها شيء.

أريد أن أذكر أخيراً بقصة العابدة القائمة الصائمة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: هي في النار، لأنها كانت تؤذي جيرانها بلسانها! فهل تصل الرسالة إلى صاحب مفاتيح الجنة الذي آذى المجتمع كله بأحيائه وأمواته بلسانه السليط!

المصدر: الإمارات اليوم