بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

ربما (الفتاة التي أوقعت بالشيخ)

آراء

لم نصدق ما حدث، لكنه حدث وللأسف، فلربما نعتقد أنهم جهلة، فإذا بهم لصوص يريدون أن يسرقوا «الغلة» لا غير.

لم نكن نفهم كيف لا يفهم هؤلاء أن عمر بن الخطاب الذي عيّن الشفاء بنت عبدالله محتسبة على السوق، أي في منصب وزيرة تجارة، لم يفهموا أنه من التطور الطبيعي والحضاري للبشرية بعد 1400 عام أن تشارك حفيدات الشفاء بنت عبدالله في مجلس الشورى، ويترافعن عن بنات جنسهن في القضاء، وأن يطبّبن، وأن يبعن في السوق، وفي عمل شريف يقيهن شر الحاجة، وأن يحصلن في ظل دولة عمرها قارب الـ100 عام على أنظمة تقيهن التحرش، وتحفظ حقوقهن طفلة وزوجة.

اعتبروا كل نظام يُسنّ أو يطرح للدرس تحت قبة «الشورى» اعتداء ع‍لى الأعراض، في منطق مقلوب لا يعقله إنسان، فهم مثلاً حاربوا النظام الذي أقرّه مجلس الشورى لحماية النساء من التحرش، بحجة أنه يشجع مفهوم الاختلاط، وهم بهذا ينكرون أن الاختلاط هو أصل الحياة العامة، ويريدون أن يقرّوا أن المرأة التي تختلط بالرجال سواء بعملها في المستشفى مثلاً، أم في الأماكن العامة… «حقها ما جاها»، أي تستحق أن يعترض طريقها من عنّ له ذلك، ويتحرش بها. وخير للمجتمع أن يشعر بالرعب، فترتعد نساؤه، ويقلق رجاله إن خرجن من المنزل، ولا تدري في أية شريعة جاءت هذه الأفكار، فحتى في شريعة الغاب لم يكن الاعتداء ابناً للتحرش، بل كان غريزة للشبع المادي.

كثرت مطالب المحتسبين بلا منطق، في عالم ينفتح أكثر باتجاه المعاصرة والتحضر وخطر الانغلاق، ظنهم البعض جهلة محدودي المعرفة، لا يحيطون علماً بما حولهم، أو أنهم أَسرى عادات ألفوها وترعبهم مغادرتها.

رفضوا كل محاولة لإقناعهم بأن حياة المدن ومجتمعاتها خليط من التعايش الثقافي المختلف والمتعدد، لكنهم يرونها طبيعة مرَضية تهدد الأخلاق وتفكك المجتمع، وأنه لا أمان ولا ضمانة للمجتمع إلا بهم!

لم تستطع النساء طوال أعوام أن يرفعن الضغط المستمر عليهن، لا بالكتابة ولا بحسن التفكير، ولا حتى بالوصول إلى مجلس الشورى، فحتى يومين مضيا وجدنا بعض المحتسبين يفترشون البسط أمام قصر خادم الحرمين ليحذروه من خطر الابتعاث، ومن دخول المرأة مجلس الشورى، ومن منح وزارة العمل المرأة حق العمل في محال بيع مستلزمات النساء، بأن تبيع المرأة للمرأة ملابسها وزينتها، حتى جاءت فتاة صغيرة وأوقعت بأحد المحتسبين منهم، الذي اشتهر بمعاداة «اتفاقية سيداو لحقوق المرأة»، ووصفها بأنها كلها دعوة لنشر الفاحشة، وكل نظام يحمي المرأة تغريب، فدخلت عليه من حيث أمِن، واتصلت به فواعدها وواعدته.

سجلت الفتاة المحادثة الهاتفية التي دارت بينهما قبل أن يراها، وكانت هي أكثر احتشاماً منه، فقد خلع المحتسب ثيابه وتقواه، ووقع في الفحش في الحديث، وهو يواعد نفسها به في اللقاء. نشرت الفتاة المكالمة في عالم التواصل الاجتماعي، وشهد عليها خلق كثير، ولم تكتفِ الفتاة بعد أن أنكر الشيخ المكالمة في العلن، بل اتصلت به كي تسجل له مكالمة أخرى يسألها فيها كيف انتشر حديثه؟ فكان اعترافاً منه بأنه صاحبه، ثم هددها بالقضاء، وهي تذكره بعد أن لقنته درساً بأنه كان يمكن أن يغرّر بها، ويوقع بها لو أنها صدقته.

لقد تفوقت الأنثى بمكرها وذكائها كما في الحكايات الشعبية التي قرأناها في الصغر، على الشيخ الخائف من حقوق المرأة ومن نظام حمايتها، ظناً أن لا شيء يحمي المرأة سواه.

جاءته فتاة بعمر ابنته كي تلقنه الدرس بأن الأنثى التي سُجنت واستُضعفت وعُزلت ليؤمن شرها، أكثر تفوقاً منه، وأنها تستطيع الوصول الى ما تريد بطريقة يسيرة.

تظنون أنه يمكن التغرير بها، وها هي غرّرت بكم، فالأنثى التي ظننتم أنها لو خرجت – تتعلّم وتتدرب وتعيل نفسها – فستأكلها الذئاب… أكلتكم، وظننتم أنها هي التي تقع في الكلام المعسول لأنها عاطفية وبلا عقل، لكنها أثبتت أنكم أنتم من يقع مع النسمة الطائرة بلا عواطف ولا عقل، وهي تتفرج عليكم وتضحك. لقد أثبتت للناس أن الذي ادعى أنه سيحمي المرأة هو أول من يأكلها، وأن الوحوش التي حذّروا منها، ليست سواهم!

المصدر: الحياة