علي العنزي
علي العنزي
كاتب سعودي

الرياض وواشنطن.. بين التوافق والتباين

آراء

تكتسب زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة الأميركية أهمية خاصة، فالدولتان يحكمهما تاريخ مشترك من العلاقات المميزة بين الطرفين، فمنذ تأسيس هذه العلاقة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، في لقائه التاريخي الأول مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة «كوينسي» عام 1945، وهي تسير على خطى ثابتة في النمو والتطور، بدءاً بالتعاون الثنائي المشترك، مروراً بالقضية الفلسطينية بكل مراحلها والتباين في وجهات النظر بين الدولتين، وكذلك أزمتا الخليج الأولى والثانية، والوضع المتأزم في المنطقة العربية، بسبب التحولات التي حدثت بعد ما يسمى «الربيع العربي» في ليبيا ومصر والعراق وسورية ولبنان واليمن، وانتهاءً بالاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية 5+1 وانعكاساته على المنطقة، بما في ذلك آثاره في أسعار النفط واقتصادات دول المنطقة.

لقد جاء توقيت الزيارة في وقت تمر منطقة الشرق الأوسط ولاسيما العربية بأصعب الظروف، سواء سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية؛ فانعكاسات ما يسمى «الربيع العربي» السلبية، ولَّدت العديد من الأزمات كأزمة الإرهاب الذي يتغلغل وينتشر في المنطقة العربية، ساعده على هذا الانتشار التدخل الإيراني الفاضح في العراق وسورية ولبنان واليمن، وعدم الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية في المنطقة، وهو ما يجعل المنطقة العربية عرضة لكل أنواع الأزمات، لذلك تحاول القيادة السعودية أن تعالج العديد من أزمات المنطقة، وإعادة الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة العربية من خلال استثمار علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة الأميركية ومكانتها العربية والإسلامية والدولية، فواشنطن لديها القدرة أن تضطلع بدور كبير في استقرار المنطقة وحل مشكلاتها، لكونها القوة العظمى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في العالم، على رغم ظهور بعض القوى المنافسة والمشاكسة في مواجهتها مثل روسيا الاتحادية والصين، لذلك ترى السعودية أن واشنطن يجب أن تضطلع بدورها في المنطقة والمساهمة إيجاباً، ومن خلال الضغط على الكيان الصهيوني لحل قضية الشعب الفلسطيني، وكذلك المساهمة البنَّاءة في حل مشكلات المنطقة السياسية والأمنية، بما يحفظ مقدرات شعوبها، ولاسيما في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا. إن قضايا اليمن وسورية والعراق ولبنان ستكون محور المحادثات بين الرئيس أوباما والملك سلمان بن عبدالعزيز، فالقيادة السعودية لديها تصور ورؤية لحل هذه القضايا، ترتكز على منع التدخل الإيراني في الشؤون العربية ولاسيما في هذه الأزمات، ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه كذلك، فالتدخل الإيراني في هذه الدول هو عامل مشجع لنمو وازدهار الإرهاب، وكذلك تشجيع ودعم إيران لحكومات تنتهج الطائفية في ممارساتها، كحكومة نوري المالكي التي أظهرت التحقيقات مدى طائفيتها في العراق، لذلك سيستثمر الملك سلمان لقاءه مع الرئيس أوباما في الضغط للوصول إلى حل للأزمة السورية من خلال تطبيق مقررات «جنيف1»، وتشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات واسعة، لتنقل سورية وشعبها إلى الأمن والاستقرار، وليكون حل الأزمة السورية منطلقاً لحلول أزمة لبنان والعراق، وغيرها من الأزمات التي تفاقمت بسبب الأزمة السورية، ولاسيما ما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين والتي تحولت إلى أزمة دولية، حيث لجأ الملايين منهم إلى دول الجوار وأوروبا بحثاً عن الأمان، وفقد الآلاف منهم حياته ثمناً لهذا الأمان.

إن موضوع اليمن سيكون على رأس جدول النقاش بين الزعيمين، فالسعودية لن تسمح لإيران ومليشيات الحوثي وصالح بالعبث في اليمن، ولذلك قامت السعودية بقيادة تحالف عربي عسكري لإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، وبدأت بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، ومساعدته في البناء وإعادة الاستقرار السياسي والأمني، مؤكدة في هذا اللقاء أنها لن تسمح لإيران أو غيرها بالتغلغل أو زعزعة الاستقرار في اليمن، فهو امتداد للأمن القومي السعودي أولاً والعربي ثانياً، لذلك ستستمر عملية السهم الذهبي حتى خروج جماعة الحوثي وصالح من المدن وتسليمهم مؤسسات الدولة وأسلحتها، وعودة الحكومة الشرعية ومؤسساتها المدنية والعسكرية إليه، وهذا موقف ثابت وواضح من السعودية.

إن الاتفاق النووي الإيراني مع المجموعة الدولية 5+1، سيكون محوراً مهماً في المحادثات بين الطرفين، فالمملكة تدفع لتكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتدعم حق كل دولة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، لكنها تريد ألا يشكل هذا الاتفاق دافعاً لإيران من خلال رفع الحظر الاقتصادي وحصولها على الأموال المجمدة، وكذلك السماح لها بتصدير نفطها، لزيادة تدخلاتها في شؤون الدول العربية كما هو حاصل في البحرين والعراق واليمن وسورية ولبنان، لذلك ستشدد القيادة السعودية بأنها لن تسمح لإيران أو غيرها بالعبث في المنطقة العربية، مؤكدة أن دور الدول الراعية لهذا الاتفاق هو عدم السماح لإيران بخرق بنود الاتفاق والتنصل من بعض بنوده، أو تفسيرها للبعض الآخر، من خلال الرقابة المشددة على منشآتها ونشاطاتها النووية.

أسعار النفط ستكون ضمن دائرة النقاش في قمة واشنطن، فالسعودية هي أكثر الدول المؤثرة في منظمة أوبك، بل هي المحرك الرئيس لهذه المنظمة، وأميركا هي أكبر اقتصاد في العالم ويعتمد على النفط، على رغم أنها أصبحت مكتفية منه بإنتاج الصخري منه، ولكن هبوط الأسعار يؤثر في الطرفين، والدولتان عضوان في مجموعة الـ20 الاقتصادية، لذلك سيحاول الطرفان الوصول إلى حلول تحمي مصالح الاقتصاد العالمي ووقف تدهور أسعار النفط، بما يعزز نمو الاقتصاد العالمي واستقراره.

أعتقد بأن هذه الزيارة ستؤكد متانة العلاقات وعمقها بين البلدين الصديقين، وتؤسس لمسار ثابت لهذه العلاقة، يرتكز على الندية في مراعاة مصالح كل منهما، وسنرى نتائج ملموسة لها في القريب العاجل، تنعكس إيجاباً على المنطقة العربية ومشكلاتها، فالدولتان مستفيدتان من استقرار العلاقات بينهما، وهذا الاستقرار ينعكس إيجاباً على تنمية التعاون وتطوره بينهما في المجالات كافة، وكذلك على إيجاد حلول لأزمات المنطقة، لما للدولتين من تأثير كبير في المشهد السياسي العالمي والإقليمي.

يرى محللون ومراقبون أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لواشنطن، ستكون نقطة تحول لحلحلة مشكلات المنطقة، ولاسيما أنه ستعقبها زيارة له لموسكو، وهما أول زيارتين له للدولتين منذ توليه الحكم.

المصدر: صحيفة الحياة