عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت
كاتب سعودي

هل الإعلام انتقائي؟

الأحد ٠٢ سبتمبر ٢٠١٨

إذا حدث انفجار في باريس ضجت وسائل الإعلام العالمية، ونكست الرايات في معظم العواصم، وامتلأت الأرض التي سقط فيها الضحايا بالورود والعبارات التأبينية. إذا حدث انفجار أبشع وأشد في بغداد أو كابل بالكاد تشير إليه وسائل الإعلام، وفي اليوم التالي لا يتذكره أحد، أما الضحايا فيراكمون في رقم واحد. هل الضحايا الفرنسيون أو الأميركان انقى وأشرف وأهم من الضحايا العراقيين والأفغانيين. بعيداً عن المسألة العاطفية. المقارنة بين ضحايا باريس وضحايا كابل تأخذنا إلى المقارنة بين باريس نفسها وبين كابل أو بغداد. البشر متساوون في كل شيء ولكن المقارنة في الواقع بين ما صنع البشر. كم تسوى باريس وكم تسوى كابل. أين يحسن العيش في باريس أم في كابل. أيهما آمن وأيهما مضطرب ما الذي قدمته باريس للعالم وماذا قدمت كابل. أعادني إلى هذه القضية التهديدات التي تطلقها بعض القوى الغربية لمواجهة أي استعمال محتمل للسلاح الكيماوي في حرب النظام التي يعد لها ضد الجماعات المسلحة. هذه التهديدات لا تشير إلى الهجوم نفسه، واحتمال مقتل مئات من المدنيين بالأسلحة التقليدية مثلها مثل التفجيرات الانتحارية الغادرة التي تنفذها القوى الإرهابية يكون الموت بها جائزاً أو مبرراً. هذه التهديدات هي في الواقع موافقة ضمنية تسمح للنظام بالهجوم. القيمة التي تراها تلك القوى تكمن في نوع السلاح المستخدم، وليس في الأرواح التي سوف تزهق.…

الصورة الذهنية عن السعودي

الخميس ٣٠ أغسطس ٢٠١٨

يطلق عليها البعض الصورة النمطية، كيف ترى الأميركي أو الياباني أو اليمني، لا أظن أن مديراً سعودياً سيرشح بنغالياً مندوب مبيعات إذا نافسه على الوظيفة لبناني، ارتبط في ذهن كثير من الناس أن اللبناني شاطر في العلاقات العامة والحضرمي شاطر في التجارة والأفارقة بارعون في الرياضة والياباني إنسان منضبط ومحب للعمل. لو تمعنت في إيماناتك هذه سترى أنها مبنية على مجموعة من الأوهام والإشاعات وبعض التجارب، احتمال كبير أنك لم تسافر إلى اليابان ولم تختلط بإنسان ياباني وغالب الظن لا تميز بين الياباني والكوري لا في الشكل ولا في اللغة ومع ذلك ستجد في ذهنك صورة نمطية عنه تسمح لك بتقييمه. ترى ما الصورة النمطية أو الذهنية عند الآخرين عن السعودي؟ لا أستطيع الإجابة لسببين، الأول الحذر من المجازفة فربما أنقل الصورة النمطية التي في ذهني عن السعودي إلى الآخرين، والسبب الثاني أن الصورة النمطية عن الآخر تختلف من بلد إلى آخر. قبل أن نبحث عن الصورة الذهنية عن السعودي عند الآخرين ترى ما الصورة الذهنية التي يحملها السعودي عن نفسه، كيف يرى السعودي نفسه في نواحي الحياة: النشاط والأعمال والعاطفة والكسل والاتكالية والروح العنصرية واحترام الوقت والمرأة والقانون؟ عندما نتحدث عن شيء معنوي كهذا عن شعب بأكمله فنحن نتحدث عن انطباع، عن تجربة عممها القائمون على الإعلام أما تغرضاً…

السفراء الكنديون الرسل الجدد

الأحد ١٢ أغسطس ٢٠١٨

كل أمة في هذا الكون تملك إيماناتها وقيمها التي تخصها وتفخر بها، لكن فرض هذه القيم على الآخرين يحولها من قيم نبيلة إلى قيم استعمارية وذريعة للتدخل في شؤون الآخرين. بدأ الاستعمار الأوروبي في أكثر مناطق العالم بنشر القيم المسيحية والتأكيد عليها، تبين في النهاية أن نشر الديانة المسيحية كان البوابة التي انتقل فيها الاستعمار من التبشير بالهداية إلى الاستغلال. في عصرنا هذا لم تعد أساليب التبشير مقبولة، لا أحد يستطيع أن يفرض على الآخرين ما يراه من صح أو خطأ، الإعلان عن قيمك والتعريف بها شيء وفرضها بالأمر التنفيذي شيء آخر، انتهى عصر كانت فيها أمم تنظر لأمم أخرى بفوقية ثقافية، انتقل الإنسان من إملاء ما يراه صحيحاً بفوقية واستعلاء ثقافي إلى البحث الجاد في القيم الإنسانية المشتركة واحترام الاستقلال الثقافي قبل أي شيء آخر. تسهم كل الشعوب وكل الأمم بقيمها النبيلة في تعزيز حرية الإنسان وكرامته، ولا يتم ذلك إلا بما اتفق عليه الجميع، بحث الإنسان في تجاربه وتاريخه، استبعد منها الرديء واستدنى منها النبيل، هذا ما نسميه اليوم حقوق الإنسان، هي خلاصة ما وصل إليه البشر، لم تأتِ هذه الحقوق من مصدر واحد أو ثقافة واحدة، هي خلاصة تجارب البشر بعد صراعات مريرة مع الاستعمار والاستكبار الذي عانت منه البشرية قروناً، لا تملك دولة محددة حق تفسيرها…

ماذا تريد إيران؟

الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٨

لم أؤمن بنظرية المؤامرة لأسباب كثيرة أهمها أن الصراع السياسي لعب على المكشوف، لا تستطيع أي دولة في العالم أن تخفي أهدافها، المصالح ثم المنطق يرسمان حدود الطموح والعمل، ثم تأتي البروباغندا المضادة وتشوش على العامة أبسط الحقائق، تخلق أهدافاً وقصصاً وهمية تدفع الذهن بعيداً عن الصراع الحقيقي، رغم تعقيد القضية السورية لا يمكن لأي إنسان عاقل أن تغيب عنه أهداف كل الدول المشاركة في الصراع. منذ أن استولى رجال الدين على السلطة في طهران رفعوا شعار محاربة الاستكبار العالمي، المقصود بهذا الاستكبار سلطة أميركا وإسرائيل، الشعار نفسه الذي كان يستخدمه الاتحاد السوفييتي في دعاياته، ولكن تحت مصطلح الإمبريالية، كلاهما يهدف إلى تخليص الشعوب المستضعفة من الاستغلال والإذلال. شعار عالمي يسمح لصاحبه بالتوسع ما شاءت له مصالحه من توسع، يقوم هذا الشعار على استغلال حالة عداء قائمة كما هي الحال مع إسرائيل أو صناعة عداء كما هي الحال مع أميركا، فالشعوب المستهدفة يفترض أنها تنتظر المدد. دخلت إيران لبنان كمحرر، بعيداً عن تحليل النيات لا يمكن لعاقل أن يصدق ذلك بالاستناد لحجم إيران وقدراتها، مستحيل أن تعلن إيران الحرب على إٍسرائيل، أبسط إنسان يعرف فرق القوة بين الدولتين، لماذا إذن تتكبد إيران تلك التكاليف الباهظة على بناء ودعم حزب الله وإذا كان هدفها تحرير فلسطين فلماذا تدعم الحوثي في اليمن…

وأخيراً تساوى المثقف مع الجاهل

الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٨

سمعت أن مخترع المسدس قال بعد أن أتم اختراعه (الآن تساوى الشجاع مع الجبان). أقترح على مخترع تويتر أن يقول (الآن تساوى المثقف مع الجاهل). الجميع صار يفتى في تويتر في كل شيء. لا يهم أن يفتي الجاهل بما لا يعرف فهذه سنة المجالس والاستراحات. المشكلة أن يفتي صاحب مؤلفات وتاريخ ثقافي وأستاذ في الجامعة بما لا يعرف. لا أحد يأخذ الجاهل بجدية والجاهل نفسه لا يشعر بالمسؤولية تجاه أحد في مسألة طرح الرأي. المسألة بالنسبة له مؤانسة. الناس تحاكم المثقف. تتعامل معه بجدية حتى في المجالس والاستراحات وإذا ظهر على منصة عامة تصبح آراؤه ذات مسؤولية كاملة. لكن إغراء السهولة والكلمة السريعة في تويتر دفعا بالمثقف إلى التسرع والانزلاق في سلوك العوام. الكتابة الأساسية تبدأ برأي شبيه بما تطرحه في تويتر في سطرين لكن مقرها الدماغ وليس الورق أو النشر. الكتابة عن هذه الفكرة وتقليب أمرها على الورق هو اختبار لها. هل تستحق أن تطرح وإذا طُرحت فأي قدر من التفاصيل تحتاج لكي أكون مسؤولاً عنها وعن تبعاتها. ما يقدمه المثقف في تويتر في سطرين هو المادة الخام (الفكرة الخام) التي يتوجب أن يحتفظ بها لنفسه إلى أن يتم بناءها في سياقها ضمن مجموعة الأفكار الأخرى التي تدعمها. الفكرة تحتاج إلى صقل وإعادة تصنيع. عندما تطلقها في شكلها الأولى…

هل ساقت المرأة؟

الإثنين ٠٩ يوليو ٢٠١٨

حتى الآن لم أشاهد امرأة تقود سيارة في طرقات المملكة، سيأتي يوم وأشاهد. قضي الأمر على أي حال، السؤال قبل أن تقود المرأة بنفسها هل سنصنع صواريخ إذا ساقت المرأة، هل تقدمت الدول الإسلامية التي سمحت للمرأة بقيادة السيارة؟، اختفت هذه الأسئلة وأصبح السؤال الآن هل ستختفي ظاهرة سائق العائلات؟ هل ستختفي الغرف الصغيرة التي تفتح على الشارع، أقرب الظن نعم، وجود السائق ما كان يجب أن يرتبط بالمرأة وبالعائلة ولكن بالحاجة وأحياناً من أجل الرفاهية. للمرأة الحق أن تقود سيارتها بنفسها أو تستقدم سائقاً أو تقطع المسافات على قدميها، هذه سمة الأحرار الناضجين، الحقوق لا تبادل، أسمح لك بهذا شريطة أن أمنع عنك هذا. معظم الجدل حول السيارة سار على هذا المبدأ، كان الكتاب يهولون من أضرار السائق على الأطفال وعلى المرأة ويبحثون عن أدلة شرعية تؤكد أن وجود السائق مع المرأة في سيارتها غير جائز، بينما الطرف الآخر يقول إن السائق أخف الضررين. من قال بالرأي الأخير كان أكثر اتساقاً مع مبادئه وفهمه لقضيته، لا تقوم أطروحاته على المساومة والتنازلات. في المساومات التي تقوم على التنازع الفكري يعمد أحد الأطراف إلى سحب خصمه إلى أرضه، قضية سياقة المرأة كانت مثالاً على هذا، من كان يطالب بحقوق المرأة في القيادة في مقابل التنازل عن حقها في استئجار سائق يقدم…

الانحياز المجاني

الأحد ٠٨ يوليو ٢٠١٨

في عام 1982 اندلع نزاع مسلح بين بريطانيا وبين الأرجنتين حول جزر الفوكلاند. تدعي الأرجنتين ملكيتها لهذه الجزر بوصفها الوريث الشرعي للتركة الأسبانية المحيطة بأراضيها. كانت المرة الأولى التي سمع معظم البشر عن هذه الجزر. في ذلك الزمان كان العالم منقسماً سياسياً إلى معسكرين. معسكر يتبع أو يتعاطف مع الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، ومعسكر يتبع الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين. فكان كل شيء ينقسم على هذا الانقسام. أي قضية سياسية أو ثقافية تحدث يستدني الناس معيارهم هذا. سوّق الاتحاد السوفيتي نفسه على أساس أنه محرر الشعوب ونصير الضعفاء ورائد الحرية في هذا العالم ومن جهة أخرى كانت سمعة الولايات المتحدة وحلفائها سيئة. ضج الإعلام بأخبار هذه الحرب ولأن الناس لا تملك أي معلومات عن جزر الفوكلاند استخدم كثير من المراقبين معيار انقسام المعسكرين. أصبح الموقف محسوماً في الإعلام العربي. بريطانيا استعمارية والأرجنتين تريد تحرير أرضها. عندما تراجع الموقف الذي اتخذه الإعلام العربي والمثقفون من تلك الحرب آنذاك ستفهم كيف تضللك العواطف لتقودك للانحياز المجاني. وقفَ معظم الإعلام العربي مع الأرجنتين. على خلفية أن الأرجنتين دولة من العالم الثالث وبريطانيا دولة استعمارية على هذه المعادلة السهلة تم حسم الأمر عاطفياً. اطلاع أولي على تاريخ الجزر سينبئك أن ادعاءات الأرجنتين ملكية الجزر تقوم على أسس ضعيفة ومثلها بريطانيا. تناوب على الجزر عدة دول…

المندسون في ثياب الناصحين

الأربعاء ٠٤ يوليو ٢٠١٨

يتداول الناس في السوشل ميديا مقطع فيديو لسيارة أحرقها شقي احتجاجاً على قيادة المرأة السيارة. أتمنى أن تكون المسألة مجرد إشاعة، وإذا كانت صحيحة فهي حادث عرضي معزول لا يمثل سوى إنسان من مخلفات الأولاد الصغار الذين كانوا ينقضون على أجهزة التلفزيون في بيوت أهلهم ويحطمونها أمام آبائهم وأمهاتهم ومن مخلفات الأولاد الذين يصوبون بنادق الساكتون على الدشوش في سطوح المنازل وغيرهم من المبرمجين الصغار في زمن لن يعود أبداً. قد يكون هذا الرجل واحداً من هؤلاء وأغلب الظن واحد من أبنائهم، ثمة فكر كرس الإحساس بالمسؤولية عن الآخرين. لم يعد الإنسان يرى نفسه مسؤولاً عن نفسه أو عن أسرته الصغيرة بل مسؤولاً عن العالم، كان الشباب يدربون على تحمل المسؤولية الجماعية، تم ربط هذا الفكر بالدين حتى كاد أن يكون جزءاً منه، صار إحدى القيم التي تربط الشاب بجماعة محددة التوجهات، حزب غير معلن كان يعد منتسبيه للعمل في اليوم الموعود، هذا النوع من الاعتداء يبدو بريئاً، لا شك أن هؤلاء الشباب أبرياء يعملون ضمن فكر قدم لهم في صورة دينية لسهولة تمرير القيم السياسية عليهم وعلى المجتمع، دفعنا ثمن هذه البراءة في النهاية بظهور الإرهاب والمنظمات الدينية السياسية. لا أظن أن حرق سيارة المرأة يتضمن بعداً سياسياً، لقد تقوض البعد السياسي ولكن البعد الفكري والاجتماعي المسوغ له من…

قرار قيادة المرأة للسيارة درس في حقوق الإنسان

الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٨

استعاد مغرد في تويتر الحوارات التي قادها الإعلامي الأستاذ علي العلياني قبل سنوات قليلة مع عدد من الكتاب والمثقفين والفنانين، وكان الحوار يتضمن سؤالاً تم توجيهه للجميع: هل تؤيد حق المرأة في قيادة السيارة. في التعليق قال صاحب التغريدة إن الجميع (ثلاثين شخصاً) أيد حق المرأة في قيادة السيارة عدا صوت واحد. ضم من يؤيد بلا تحفظ إلى من يؤيد بتحفظ. هذا يثير تساؤلاً: من طالب بوضع شروط على حق المرأة في قيادة السيارة في شوارع المملكة هل كان بالفعل يؤيد هذا الحق؟ بتأمل سريع يمكن أن نقسمهم إلى عدة أقسام، أهمها ثلاثة: يؤيد بيد أنه خائف على مكانته أو مركزه فلجأ إلى التقييد، القسم الثاني على العكس لا يؤيد ولكنه خائف أن يصنف مع المتشددين فاحتمى بالتأييد المشروط، أما الثالث فقرر أن يضع رجلاً هنا وأخرى هناك في انتظار من سينتصر. أغلبية الناس كانت على يقين أن المرأة ستقود سيارتها في المملكة قريباً، لكن الأغلبية داخل هذه الأغلبية كانت تظن أن قرار السماح سيشفع ببعض الشروط التنظيمية أو الإرضائية، ستؤدي هذه الشروط إلى تسوية الجدل على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وضع أي شروط يعطي كل طرف نصراً جزئياً حتى وإن كانت شروطاً شكلية أو مرحلية يقصد بها جبر الخواطر. لا يدرك كثير من هؤلاء الذي أيدوا بشروط أن…

مقاومة التغريب

الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٨

في رمضان في منتصف النهار توقفت عند إشارة المرور الحمراء، كان الشارع هادئاً، وعدد السيارات قليلاً، فوجئت لا أحد احترم إشارة المرور ولم تؤثر فيهم حرمة الشهر. اتضح لي بعد تأمل أن الناس لم تربط بين الصيام وبين الحياة الحديثة، لم تتوسع أخلاق الصيام لتشمل كل شيء، في رأسه قائمة يمتنع عن اقترافها أثناء الصيام. نفس القائمة التي صنفها الفقهاء منذ ألف عام، تلاحظ هذا من أسئلة الناس الموجهة للفقهاء، هل شرب الدخان يفطر هل استنشاق العطر يفطر هل أخذ إبرة الدواء مع الوريد يفطر؟ تتكرر هذه الأسئلة سنوياً دون انقطاع. لم أسمع في كل ما سمعته من أسئلة أو أجوبة شيئاً يتصل بالأخلاق والحياة اليومية. مرة حضرت مضاربة في نهار رمضان عند بائع سنبوسة، مضاربة على أتفه الأشياء، الصيام شيء والحياة شيء آخر تماماً. بلغة أخرى لا علاقة للبعض بين الدين وبين الحياة الحديثة، عندما يمارسون الشعائر الدينية ينتقلون من زمن إلى زمن، ما يفطر أو يؤثر على صيامك أقر في العصور القديمة ولم يجد عليه شيء جديد، مخالفة قطع الإشارة لا تدخل في المنظومة الأخلاقية للدين، يقطع الإشارة في رمضان وفي غير رمضان لأنه لا يجد في المسألة ما يتصل بالدين. أصبح إنساننا يتحرك كجهاز الكمبيوتر، يتبع الأوامر المبرمجة في عقله، لا يستنتج لا يأخذ النهي كمسألة أخلاقية…

بالعقل وحده يحيا الإنسان

الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٨

من عادات البشر مديح الماضي وذم الحاضر والشك في المستقبل. لعل هذا الموقف ناشئ من رغبة دفينة للعودة للعمر الذي مضى. يظن الشاب أن أيام المراهقة والطفولة أفضل من أيامه التي يعيشها. يتأسف الكهل على الشباب ويتباكى المسن على كل الأيام الماضية. أزمة الإنسان تعود إلى تناقض مسيرة حياته الشخصية مع تطور حياة البشر كمجموع. الفرد يكبر ويشيخ ويموت والمجتمع ينمو ويتغير ويتقدم مهما صادف من صعوبات وعثرات لكن القليل من حياة الشعوب الماضية يمكن الأسف عليها وتفضيلها على الحاضر. ما يدفع الناس إلى البكاء على الماضي هو خليط من الحنين وانتقائية المؤرخين. الإنسان لم يتقدم في مسألة التكنولوجيا والحياة المادية فحسب ولكنه تقدم أكثر في جودة الحياة والحقوق والسعادة. قبل ثلاث مئة عام على سبيل المثال لم يسمع أحد بكلمة الاتجار بالبشر. كانت التجارة بالبشر من أفضل أنواع التجارة وأكثرها ربحية وتقرها جميع دساتير الأمم. في تلك الحقب لم يسمع أحد بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الحيوان وحماية الطبيعة والحياة الفطرية. المسألة المادية لا تنفصل عن المسائل الإنسانية الأخرى. قارن بين حياة هارون الرشيد وحياة موظف من الطبقة الوسطى في أميركا أو كندا. ستجد أن كل شيء يسير في صالح الموظف الصغير. إذا تخلينا عن الأساطير والتخيلات التي نبنيها بخيالاتنا عندما نسمع بقصور الملوك والأمراء عبر التاريخ سنكتشف أن…

ذكريات رمضان التعيسة

الأربعاء ٠٦ يونيو ٢٠١٨

مضى أكثر من نصف رمضان. كل شيء كان رائعا وممتعا. فجأة انقلب الجو. ارتفعت درجة الحرارة فألقت بعبئها على المكيفات. لم اكن اخشى الحر ولم أكن اخشى الظمأ فالصيام إيمان. الناس مشكلتي في رمضان. تمثيلية المعاناة التي نراها عند بعضهم يعطيك الإحساس أن ما يجري لهم من جوع او ظمأ سببه الآخرون. ينتهز أي مناسبة ليعبر عن توتره وقلقه ونزقه. على الآخرين الانتباه له وايلاءه عناية خاصة. يمن على الناس بصيامه، تتحول المناسبة الكريمة من عبادة إلى حفلة تعبير، تنضم إلى مظاهر التدين. وكلنا عانى من رمي السيارة بنزق طفولي سافر في عرض الطريق لأداء فريضة. لاحظت أن الوضع تحسن هذا العام بشكل كبير، بدأ الصيام يعود إلى أصله الذي فرض من اجله، كل إنسان يصوم لنفسه فقط، لا يمنحك المجتمع نقاطا وحسنات اجتماعية ترفع قيمتك وتضعك في صدر المجلس أو تمنحك سلطة. بحثت في أكثر من مكان عن بقايا الرجال المزدهين بأنفسهم أيام الصحوة. شباب الصحوة والملتزمون كما كانت تسميهم مكينة الدعاية. لاحظت واحدا في مطعم شعبي. يرتفق بكوعيه على طاولة المحاسب. يبدو عليه القلق والتململ. يكاد يتفتت مسواكه من عنف الفرك. يخرجه من فمه ويلقي عليه نظرة سريعة ثم يعيده مرة أخرى ويضاعف من قوة الضغط على أسنانه ثم يتلفت بقلق وينظر إلى الناس بحسرة. يبدو على مشارف…