عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

العالِم السمكة

الخميس ١٠ أكتوبر ٢٠١٣

تخيل أن متسابقا يركض بمثابرة في ماراثون طويل، يتصبب عرقا ويتجاوز مئات المتسابقين إثر لياقته العالية وحكمته في إدارة السباق، لكن عندما يصل إلى نهايته ويفوز يتوارى، يخبئ وجهه خلف يديه ويغيب، تبحث عنه عدسات الكاميرات ولا تجده. إن هذا ما حدث تقريبا مع العالم البريطاني، بيتر هيجز، الذي فاز مع البلجيكي، فرانسوا أنجليرت، بجائزة نوبل للفيزياء عام 2013؛ لأعمالهما حول الجسيمات الأولية أو ما يسمى بـ ''بوزون هيجز''، الذي يعد من أهم الاكتشافات في تاريخ الفيزياء. فعندما أعلنت ''نوبل'' نبأ فوز هيجز بعد نحو 49 عاما من نشره النظرية الفيزيائية المثيرة اختفى تماما. لقد قامت البروفيسورة، أولجا بوتنر، أستاذ فيزياء الجسيمات الأولية التجريبية في جامعة أوبسالا في السويد، وعضو لجنة ''نوبل'' بالاتصال عليه غير مرة، لكنه لا يرد. احتجب عن الأضواء تماما. تقول قناة ''بي بي سي''، هيئة الإذاعة البريطانية: إن الوصول إلى بيتر صعب جدا خاصة في مثل هذا الوقت. ''إنه شخصية خجولة جدا، يمقت الأضواء والتهاني، هو سمكة، لا يجيد الحياة خارج معمله ومنزله، ستكون مواجهته العدسات خلال استلامه الجائزة أصعب تحد يواجهه''. يشير أحد أصدقاء العالم البريطاني لوكالة الأخبار ''بلومبيرج'' إلى أن ''هيجز يشبّه الكاميرات بالمسدسات، إنها تقتل الباحث إذا سلم نفسه إليها''. وكان هيجز أول من أشار في عام 1964 إلى وجود جسيم أولي يُظن…

إطفائي ليفربول

الخميس ٠٥ سبتمبر ٢٠١٣

واجهت مدينة ليفربول البريطانية قبل عدة سنوات مشاكل في ارتفاع عدد حوادث الحريق في المدينة. مرت على إدارة مكافحة الحرائق عدة أسماء. لكنها لم تستطع أن تقدم حلولا ناجعة حتى تم تعيين توني مغوايرك، رئيسا. كانت سياسة السيد مغوايرك واضحة. لن أصرح ولن أعد بأي شيء. سأعمل. زار خلال أسابيعه مئات المنازل والمصانع في المدينة؛ ليقف بنفسه على المخاطر التي تحدق بها. اكتشف خلال زياراته مشكلة كبرى تتمثل في أن أغلب المنازل التي تصفحها لا تتوافر فيها أجهزة الإنذار المبكر. ولا توجد فيها مخارج طوارئ ملائمة. بعد شهور قصيرة قام فريقه بتركيب 700 ألف جهاز إنذار دخان مجانا في منازل في ليفربول، وتصليح نحو 350 ألف جهاز لا يعمل. وزع آلاف طفايات الحريق على السكان. يأتي برفقة كل طفاية إخصائي يقوم بشرح استخدامها حتى لا تظل قطعة أثاث في المنزل. اتفق مع المدارس أن كل طالب ثانوية يحضر ورشة تدريب أولية على الحرائق في المدينة يحصل على تكريم في مدرسته ودرجات إضافية. حضر هذه الدورات أغلب طلاب الثانوية في ليفربول بنسبة تجاوزت توقعات مغوايرك مما اضطر فريقه إلى إقامة ورش مسائية لتلبية الأعداد الهائلة التي تقدمت لحضورها. خصص ورشا لربات البيوت نظمها في الأحياء لنشر ثقافة مكافحة الحرائق. المثير أن عدد فريق مغوايرك يعتبر الأقل خلال العقود الماضية في مدينته،…

مفاجأة

الخميس ٢٥ يوليو ٢٠١٣

قرّر توم بارجر بعد ست سنوات عملاً عامل مناجم ثم محاضراً في التعدين في جامعة نورث داكوتا أن ينتقل للعمل مهندساً في شركة تعدين؛ لعله يجد النجاح الذي ينشده ويطرد الضجر الذي يملؤه. لكن آماله تبخرت. كانت الوظيفة الجديدة المحطة الأسوأ في حياته المهنية. انقض على أمريكا الكساد العظيم وأفلست الشركة التي كان يعمل فيها. قام بمراسلة الدكتور جي. أو. نوملاند، الذي تعرّف عليه في أثناء عمله في الجامعة؛ كي يساعده على الحصول على وظيفة في شركة ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا، إذ كانت لديها وظائف متوافرة وقتئذ. كان يعرف توم أن ستاندرد شركة زيت وليست شركة تعدين. لكن تشكّلت لديه قناعة أنه لا مستقبل للتعدين في وطنه وقتئذ، ولا مناص من التضحية بشهاداته وخبراته السابقة. ردّ عليه الدكتور نوملاند ببرقية، قال فيها: ''هل تستطيع أن تأتي إلى سان فرانسيسكو عاجلاً لإجراء مقابلة وظيفية؟''. أجابه مباشرةً: ''نعم، سأكون موجوداً الأسبوع المقبل في مقر شركتكم''. استمرت المقابلة نحو ساعة حصل خلالها على العرض الوظيفي من الدكتور نوملاند. اقترح عليه أن يحصل على دورات تأهيلية مكثفة في الجيولوجيا ليسد الثغرات المعرفية التي يفتقدها إذا وافق على الانضمام إلى الشركة.. طلب منه نوملاند أن يتجوّل في الشركة. وبعد أقل من ساعة ناداه إلى مكتبه مجدّداً وقال له: ''سنبعثك إلى السعودية للعمل مسّاحاً هناك..…

عاملتنا المنزلية

الإثنين ١٥ يوليو ٢٠١٣

كنت صغيرا عندما استقدم والدي عاملة منزلية من الفلبين لمساعدة أمي، المعلمة؛ على القيام بأعباء المنزل. لم أتقبل أنا وإخوتي هذه الفتاة القادمة من آخر الدنيا. كانت عنيدة وبطيئة. اضطر أن أعيد عليها طلبي غير مرة حتى تلبيه. كوّنت مع إخوتي حملة لإسقاطها. طالبنا والديّ أن ترحل عن منزلنا. قبلت يد والدتي، وتعلق أخي الصغير على كتف والدي، لكن محاولاتنا لم تجد نفعا. والدتي قطعت دابر الفتنة وحسمت الموضوع وقالت: ''ستبقى. أراها جيدة. تحتاج إلى وقت حتى تتأقلم. وأرفض أن يطلب منها أحدكم أي طلب. إنها إنسان وليس آلة. يقود السفينة ربان واحد. اتفقت معها أن تتلقى التعليمات مني فقط''. أنهت والدتي الجدل بشأن رحيلها. بيد أنها صنعت قطيعة بيننا وبين العاملة المنزلية. صرنا لا نتحدث معها إلا لماما. لا نستطيع حتى أن نطلب منها الأشياء البسيطة، التي كنا نشاهد أقاربنا وأصدقاءنا يطلبونها من عاملاتهم ككي الملابس وجلب كأس الماء وتحضير العصير. اضطررنا للقيام بهذه الأشياء بأنفسنا أو انتظار والدتي أن تأتي وتكون في مزاج جيد حتى تنقل طلباتنا إليها. مرت السنوات سريعة. ظلت هذه العاملة المنزلية بيننا طويلا. لكن كلما تقدمت السنوات ازداد فضولها ورغبتها في مشاركتنا أخبارنا ونقاشاتنا. كنا نتضايق من تطفلها وتعليقاتها أحيانا. بيد أن أمي كان لها رأي آخر. كانت تشجعنا على أن نتقاسم بعض أخبارنا…