عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«لن يبقوا صغاراً للأبد..!!»

الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠١٦

من أشد الأمور التي تخيف أي «ولي أمر» في أسرة معينة هي أن يكتشف صغاره حقيقته، أن يعلموا بأن تلك الشخصية الصارمة والمعتدلة والمحافظة التي يرسمها لنفسه ليست سوى أكذوبة اضطرته إليها ظروف الأبوة أو الأخوة أو مجرد ظروف الانتماء إلى أسرة محافظة أو تقليدية، من المرعب التفكير في ردة فعل الأبناء حين يعرفون بأن تلك المحاضرات عن الأخلاق الفاضلة أو ضرورة الالتزام بمسلك معين أو الابتعاد عن رفقاء السوء من المدخنين لم تكن سوى محاضرات «للاستهلاك المحلي» داخل المنزل، وأن جميع الممارسات الفعلية للمحاضر خارج المنزل كانت تتميز بدرجات غير معقولة من «الانفتاح» إذا ما تمت مقارنتها بمقاييس الأسرة. يكاد قلبي يتوقف حينما يقوم أحد الزملاء بإرسال صورة معينة لي في وضع معين أو دولة معينة أو «حفلة» معينة، وهو يكتب تحتها: أيام جميلة! لعنك الله ولعن أيامك الجميلة تلك! لا أعرف أين كان عقلي عندها! كيف وافقت على أن تكون تلك الحادثة «موثقة»، كيف يمكنني ضمان عدم وصول هذه الصور أو المقالات أو القصص إلى أبنائي، في ذلك الحين كانوا صغاراً وكان لدى الكثير منا اطمئنانٌ إلى أن الأطفال لا يتقنون تقليب صفحات «فيس بوك»، ولذلك فسنبقى في أعينهم أبطالاً طالماً بقينا! عجلة الزمن تمر بسرعة، وتكتشف أن أبناءك أصبحوا يقرؤون ما تكتب وأن إخوتك الصغار يقلبون الصفحات…

لن أحدّق مرة أخرى!

الأحد ١٧ يوليو ٢٠١٦

بكثير من التواضع لطالما كنت أروي لأصدقائي أنني أحد أفضل ثلاثة صائدي سمك منذ اكتشف الرجل الأول إمكانية صيده وطهيه، وبالطبع اثنان من الثلاثة ماتا بالحصبة الألمانية بدايات القرن الماضي. جربت الصيد في نهر كابول المتجمد، وجربت الصيد في بحيرات تشيلي، وفي نهر دجلة، وأنا أغنّي «في نهرنا سمكٌ.. يشوى على النار»، وفي البحيرات الأميركية الكبرى، وفي نهر الأمازون، وفي بحر قزوين، الذي قطع أرحامه مع بقية البحار، بعد أن آتاه الله مالاً وولداً، وفي خليج المكسيك، وفي النيل من شماله إلى جنوبه، أحياناً البعض يعتقد أنني أبالغ حين أخبره بأنني حدقت حتى في فوهات البراكين الخامدة في تايلاند، والبعض يدمدم بـ«استغفر الله» حين أقول له إنني أحببت ذلك السمك الذي اصطدته في خليج الخنازير! لكن حين تتراءى لك الأربعين قريبة كعابثة تخرج لسانها وتضحك مظهرة سنّاً ذهبية ماجنة، فإنك تتمنى عندها لو ذهبت إلى دير بعيد لا تعرفك جدرانه، واعترفت لأحدهم بكل ما اقترفت يداك! كم أتمنى أن أعترف لمن لن يفضحني بأن كل ما اصطدته في حياتي كان سمكتين، الأولى في جزيرة حبلين، حين طلب مني أحدهم أن أمسك بخيطه إلى أن يقضي حاجة ذهب لها، والثانية كانت في بحر عجمان الحبيبة، الذي لم يحب أن يردني خائباً فتصدق عليّ بسمكة يمنع حجمها أن يكون صيدها مشرّعاً بحكم…

«طقوس بوست ــ رمضانية..!!»

الثلاثاء ٠٥ يوليو ٢٠١٦

عليك بداية أن تحفظ هذين المصطلحين، لأنك ستصطدم بهما كثيراً في دراستك، البري pre ويعني قبل، والبوست post ويعني بعد، وستواجههما كثيراً، لأنك ستفشل في التسجيل لكل دراسة عليا تسمى post graduate بسبب ما اقترفته يداك أيام الـpre graduate وهذا ليس بموضوعنا على كل حال. مع نهاية كل رمضان يوجد لدي طقوس ما بعد رمضان، التي أقوم بتجهيزها بمجرد دخول أخي عليّ، وهو يكاد يبكي من السعادة، وهو يقول: ما في تراويح اليوم! العلاقة التي تجمعنا مع شياطين الإنس والجن مؤسفة، جعلتنا نشعر بالسعادة لأنه لا يوجد (تراويح) في هذا اليوم، اسمها تراويح، أي أنه كانت هناك أجيال قبلنا تراها راحة. أول ما أقوم به هو إخراج علبة المعسل من تحت سريري، تلك العلبة التي جاهدت لشهر كامل للابتعاد عنها، ثم أقوم بإعادة تنصيب عدد من البرامج التي أقلع عنها لأسباب أدبية، مثل برامج التواصل الاجتماعي وغيرها خصوصاً «تويتر»، لا أستطيع أن أستمع إلى أحدهم وهو يقول رأياً لا أقنتع به، دون أن أقول له «أمك وأبوك»، لذا الأفضل هو حذفها إلى ظهور هلال ليلة العيد. هناك بالطبع ريموت التلفاز، وهو مهم جداً لإعادة برمجة القنوات التي قمت بحذفها في الشهر الفضيل، حيث اكتفيت فيه بمشاهدة (علو) وهو يحوط حول عالم.. وياسر حارب وهو يحدثني عن الرجل الآلي الذي سيكوي…

«فلترفعها من اليمين قليلاً!»

الأحد ٢٦ يونيو ٢٠١٦

أعتقد أنك مثلي لاشك في أنك قد مررت بمشهد مشابه! يكون وجهك ملاصقاً للجدار بينما تقف على كرسي رأيت الكثير من الصور لجدك أو والده وهو يجلس عليه، لذا فإن قضية لحاقه بصاحبه أو صاحبيه، هي قضية وقت فقط، ما يجعل وقفتك غير المتزنة أصلاً على الكرسي أمراً مقلقاً، ولإكمال المشهد العبثي فإن يديك تكونان ممدودتين على أقصاهما إلى الأعلى، وأنت تحمل ساعة ما توقفت منذ زمن، وقررت في لحظة احترام للوقت أن تستبدل بطاريتها التي يسميها البعض بالـ«جافة»، نظراً إلى تركيبها الكيميائي لا إلى أخلاقها، هناك مسمار ما في الحائط علاه الصدأ منذ عقود، حتى إنك تذكره كلما سمعت عن مسمار شهير كمسمار جحا، على سبيل المثال، وأنت تحاول في الوقت نفسه الحفاظ على توازنك والحفاظ على وجود المسمار في داخل ثقب الساعة التي تحملها، وتنتظر الأوامر التي تصدر إليك من شخص يقف بعيداً في الجانب الآخر من الغرفة. فلترفعها من اليمين قليلاً.. ليس إلى هذه الدرجة أيها الأحمق.. ارفع إذاً من اليسار.. لا.. لا.. من اليمين قليلاً مرة أخرى.. في تلك اللحظات الفارقة قبل سقوطك على الأرض تتذكر لماذا تفقد لحيتك دائماً حين تحلقها لنفسك.. بسبب التردد نفسه من اليمين قليلاً من اليسار قليلاً.. تنتزع نفسك من أفكارك وتعود للتركيز مع «الموجّه» الذي يقول لك أخيراً «أيوا هكذا..…

«الكوول»..!

الخميس ٢٦ مايو ٢٠١٦

أنت لا تعرف شعور ذلك الراهب، الذي يلتقي مع الدلاي لاما للمرة الأولى! أنت لا تعرف شعور الطفلة الصغيرة، التي تطرق باب مديرة المدرسة التي تسمع بها ولم ترها! أنت لا تعرف كيف كان السائق تومي موزع المخدرات الصغير، يشعر حينما قابل دون إدرواردو زعيم المافيا الصقلية في مكتبه! هذا أنت؟! أما أنا.. فأنا أعرف طعم ذلك الشعور جيداً فقد اختبرته كثيراً، شعور الهيبة إذا صحت التسمية، كلما توجهت إليه، وهو يجلس في زاوية المقهى ينفث الدخان في دوائر مصابة بالسحايا.. حوله تلك الهالة الغامضة..! أرجوك لا تحدثني عن ذلك الجنون العابر في نظرته.. فأنت تعلم أنه من أفواههم تأتي الحكمة! أسلم عليه فلا يرد.. ويشير كعادة العظماء إلى الكرسي الموجود أمامه.. السماح لك بالجلوس يعني أنك ستدفع حساب شيشته؛ والشهادة لله فالرجل لا يأخذ مقابل «الحكمة».. أقول له بصوت ذليل وخفيض: إنني وجدت نصفي الآخر.. يخرج يديه ويجري حسبة سريعة ويزجرني: إنها المرة السابعة عشرة التي تقول هذا! هذا يعني أنك وجدت نفسك لثماني مرات حمقاء.. أخبره بأنها هذه المرة حقيقة، وأطلب نصيحته لكي تعشقني! أسأله إن كان يجد أنه من الصواب أن ألمح لها بأنني أحد ذوي الأرصدة مكتنزي الكروش.. يستغرب ربطي بين الأمرين؛ رغم أنني أملك أحدهما كما هو ظاهر.. ويقول لي إن النقود لا تستهوي إلا…

من أجل «شعب» بلا قشرة..!

الأحد ٢٢ مايو ٢٠١٦

في أحد أفلام بروس ويليس، التي يقرر فيها إنقاذ العالم من الأشرار كعادته منذ ثلاثين عاماً.. يظهر فيلم الخيال العلمي، الذي لا أذكر اسمه، لكن يمكنك البحث عنه في الموقع الجميل «قواعد بيانات الأفلام العالمية»، والعالمية تعود على القواعد لا على الأفلام، أو إن شئت السهولة موقع imdb.. في ذلك الفيلم يعيش سكان العالم في بيوتهم شبه مغيبين، بينما ترتدي أجسامهم البديلة قشرة يلبسونها ما يشاؤون من صور وهمية لحقيقة الشكل والجسد، ليقابلوا بها الآخرين.. وكادت المصيبة تقع لولا البطل، كيف كان شكل العالم سيكون من دونك يا بروس؟! من أسوأ كوابيس البشرية هي تحول كل الرعب السينمائي إلى حقيقي، لأن المشكلة في تحقق كوابيس الأفلام هي أن الجزء المرعب فيها فقط هو الذي يتحقق، أما الشرق الجميل فيبقى حبيس الشاشة، قضية القشرة والشخصية الوهمية أصبحت لازمة في مجتمع يرى أن الكمال ضرورة لقبول الآخر لك! تتواعد مع شخص معين، أنت وهو تعرفان أنكما لن تقابلا بعضكما مرة أخرى، والموعد في مواقف سيارات أحد المراكز التجارية، لكي تسلّمه أمانة من «الأهل» إلى أهل أحدهم، والأمانة بالطبع إما صحن رطب من نخلتكم، أو شيء من الأمور التي تثبت أن الطريق إلى قلب أي كائن بشري يمر عبر أمعائه الغليظة، يبدأ بالاعتذار بقوله «اسمحلي كنت مستعجلاً، وجئت بسيارة الدريول!». عندها فقط تنظر…

«بنت الإمام..!»

الأحد ٠٤ أكتوبر ٢٠١٥

في قرية ريفية في البوسنة جلس إلى جواري رجل ثمانيني كانت عيناه دامعتان وهو يستمع إلى أغنية بوسنية قديمة، طلبت منه أن يحدثني عن معانيها، وقبل أن أنقلها إليكم أذكر بعبارة سمعتها قبل فترة لأحدهم تقول: الترجمة الشعرية نوعان: سيئة، وسيئة جداً. وأرجو أن تكون ترجمتي من النوع الأول. وأنا أحث الخطو عوداً بين هاتيك البيوت.. ما بين قيعانٍ.. كتب الزمان بها سطور الخوف من قصص السكوت.. مررت من بيت الإمام.. ورأيتها عند الحديقة تحت ظل الياسمين.. وقرأت بالحناء فوق الزند مبلول الوضوء.. نقشَت: أمينة! آهٍ أمينة! أقسمت بالله العظيم.. بكل صوتٍ تسمعينه.. أن الجمال ينير قلب المؤمنين.. آهٍ أمينة.. ما تصنعين بهذه الأرض الحزينة؟! أنت التي محظية عند الخليفة قد تكون.. أو زوجة عند السلاطين العظام.. بنت الإمام.. ما بين مشيتها كوقف أو سجود.. ضاع الكلام.. إيماننا لم يرتو.. أقرأتها مني السلام.. وتجاهلتني.. ونفس الحر يكسرها الصدود.. مالت على إبريقها الفضي تسقي.. في حديقتها الورود.. سقط الوشاح عن الكتف.. لتفوح آلاف المناظر.. لحظةً كادت تفوت.. ورأيت شلال الذهب.. ووراه لبي قد ذهب.. لازلت أنظرُ في الزحام.. فلعلها ترسله لحظاً من حلالٍ.. أو حرام! * ** ماتت أمينة.. ومات الشاعر الغريد في الحقب المهينة.. ماتت زهور الياسمين.. مات الجميع.. إبريقها الفضي أصبح منزلاً للعنكبوت.. ماتت حديقتها.. مدينتها.. وكل الحالمين.. إلا…

«زخوهم..!»

السبت ٢٦ سبتمبر ٢٠١٥

حينما كانت الثورات تتفجر هنا وهناك، والمشهد العام يتغير، أو لنقل قواعد اللعبة تتغير، كما تنبأ مبعوث السلام إلى الشرق الأوسط، توني بلير، سيئ الصيت.. كانت الشلة مشغولة بشكل كامل بأحداث كأس العالم في جنوب إفريقيا.. هناك أولويات كما تعلم.. وحينما كان السخفاء يتحدثون عن أزمة البترول وهبوط أسعاره، كانت الشلة تتحدث عن أزمة شمس - أحلام، والكيفية التي سيؤثر بها هذا الخلاف في المشهد الغنائي الخليجي.. ولما أزعجنا الإعلام العالمي بقضايا اللاجئين والغرق هرباً من العروبة.. كان الربع يتراهنون في تخمين سن «عقروبة»، وهلدخل إلى الخدمة الوطنية فعلياً، أم أنه سيتحايل للحصول على عذر طبي! أنت تعلم بأنك لا تختار شلة «مقهاك».. فهي من الأمور التي تندرج ضمن «التسيير» في حياتك، وليس «التخيير»، هناك عناصر عدة في تشكيل هذه الشلة.. مزاج مدرس ابتدائي في توزيع الطلبة.. مقدار القرض الذي استلفه المرحوم جدك، لاختيار الفريج والشارع الذي ستقضي فيه بقية حياتك.. رفقاء الزنزانة التي زرتها لأول مرة بسبب القيادة بلا «ليسن» في شارع الوحدة.. وعدد آخر من المحددات، أهمها تناغم الأرواح! ما أعرفه عنهم أنه مهما كانت الأمور في الخارج مقلقة، أو تستدعي التوقف والتفكير والخوف، فإنهم سيبقون يضحكون من قلوبهم، التي لا تحمل أي هم في هذه الحياة لدرجة اللامبالاة.. أهم الأمور هي: ألا يقفل «الدومنه» عندما يكون لديه عدد…

«إلى أبي وأمي مع التحية»

السبت ٢٩ أغسطس ٢٠١٥

لا بأس.. يمكنك أن تدندن بلحن المسلسل إذا كنت لاتزال تذكره.. ولم تفسده ألحان «بوس الواوا» الطارئة! المعضلة الحقيقية في قضية العلاقة بين الأبناء والآباء هي أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فلا يمكن للابن أن يفهم شعور والديه تجاهه، وما مرا به وأي نوع من المشاعر كانا يكناها له صغيراً، ولماذا كانت خياراتهما كذا وكذا، ولماذا ضحيا بهذا وذاك إلا بعد أن يحمل قطعة اللحم الصغيرة التي تصرخ بصوت يتناقض مع حجمها ليؤذن في أذنها اليمنى، لن تفهم شعورهما تجاهك، إلا في تلك اللحظة التي تخاف فيها وأنت تضع بقايا تمرة لتحنك فيه مولودك وتدعو سراً ألا يختنق بها! المشكلة الأخرى هي أن الذكريات التي يحتفظ بها العقل البشري - في الغالب - تبدأ من العام الخامس أو قبل ذلك بقليل، لو أن الذاكرة تحتفظ بذكريات الطفولة الأولى لتغير شكل تعامل الأبناء مع آبائهم، لو أنهم يذكرون السنوات الأولى لتغير وجه العالم، كل ذلك التعب والهدهدة، والتربيت، وتحمل السوائل والصلائب والغازات والأصوات، لو أنهم يذكرون «فزة» النوم كل ساعتين للاطمئنان على أنك لم تتوقف عن التنفس أو تبتلع حليب قيئك! لهذا كان ذلك المشهد العبقري في فيلم «لوسي»، التي بسبب عقاقير معينة استعادت القدرة على تذكر كل شيء؛ فكان أول شيء اتصالها بوالدتها لتشكرها بطريقة مؤثرة على طعم حليبها الحنون…

«ما صرّح الحوض عما في أسافله!!»

الجمعة ١٤ أغسطس ٢٠١٥

في سكن الجامعة الكئيب قبل عشرين عاماً من اليوم، كان صديق يعاني العديد «الإشوز»، لكن قرعة الإدارة الجامعية السكنية ألقته في حجرتي، الملل والفراغ والبدعة التي أرجو أن تلقي بمن استحدثها في الدرك الأسفل، والمسماة بالـ«كورسات الصيفية»، والطاقة الجبارة في القدرات الانحرافية، والسكن في «سيح» منعزل أشبه بتجربة جحيمية غاية في القرف، لذا لم يكن من الممكن أن أرد دعوة صديقي في الذهاب بسيارته، والغداء في مطعم المدينة الوحيد للبيتزا، الذي يحتل مكاناً مرموقاً في إحدى محطات البترول بالطبع. في تلك الأيام كان اسم «مارغريتا» يثير مخيلتي الشابة والمريضة، تناولنا الكثير منها، وذهب معزبي للحساب، وأنا أنتظره، بينما أفرغ بقايا كأس المشروب الغازي في جوفي، مرت خمس دقائق ثم عشر ثم نصف ساعة، وتيقنت بأن السخيف قد شرد، رغم صعوبة تركيب هذا الفعل على شخصيته المريضة، دفعت «ثروة» بمقاييس طلاب تلك الأيام، وعدت بالتاكسي ذي الأطراف الذهبية واللوحة الخضراء إلى السكن. حين التقينا ثانية، كان يبكي، ألم أقل لكم بأن لديه «إشوز»؟! الكثير من البكاء ورسالة جهزها ليقرأها لي، وهو يقول: أبي هو السبب! حسناً، لقد قابلت والدك مرات عدة، ولم يبدُ لي كمراهق يحب المقالب السخيفة! لا، الحقيقة أن أبي يكرر علي دائماً: إذا أردت أن تعرف صداقة الشخص الحقيقية فآذه بطريقة معينة، ثم انظر إلى ردة فعله، هنا…

«ذهب أهل الدثور بالأجور..!»

الإثنين ٠٣ أغسطس ٢٠١٥

كم مرةً اتصل بك أحدهم باكياً، وهو يقول: انتهت القصة؟ تستأذن من دوامك، ما لم تكن أحد الذين يُستأذنُ منهم، تقود سيارتك عبر جسر القرهود، تنظر إلى بوابة سالك، تطلق سبة بذيئة، توقف سيارتك عند بوابة المحكمة، تجده واقفاً بانتظارك، تحتضنه كما احتضنت كثيرين من قبله، الكثير من الكلام الذي لا تفهمه، أحببتها.. خلعتني.. شايفة نفسها.. الكثير من السوائل اللزجة والمقرفة على كتفك.. لا بأس.. ضريبة الصداقة يجب أن تدفعها ذات يوم! آخذه إلى أحد المقاهي الرخيصة في الممزر، وأطلب له أسوأ أنواع المعسل لكي يساعده على إحراق الغضب في داخله، دائماً أسمع القصة ذاتها، ولولا أن معظم زملائي يعرفون أنني أكون عاطلاً عن العمل غالباً، وجاهزاً معظم الوقت لسماع مآسيهم ومشكلاتهم العائلية، ربما لم أكن لأعرف النسب المخيفة لقضايا الطلاق والخلع والهجر، التي ترفرف فوق صورنا السعيدة، وابتساماتنا الفواحة برائحة «الكلوس أب»! التحليلات والدراسات كثيرة ومتشعبة.. وبها الكثير من عبارات عدم التكافؤ.. أو الوضع الاجتماعي و.. و.. و..؛ لكنّ أحداً لا يرويها كما يرويها أصدقائي على نَفَس السلوم والزغلول والقص والبطة! ألم تسمع بالبطة؟ فاتك خيرٌ كثير! الشباب هم الشباب، وفي مجتمع قادر على الزواج المبكر فإن أحدهم لا يتأخر كي تكويه الحياة ويتعلم الاختيار، طريقة الاختيار واحدة لدى الجميع: أريدها جميلة! هناك من يزيد في الوصف فتكون جميلة…

«صيفنا في البطايح..!»

الجمعة ٣١ يوليو ٢٠١٥

سعيد جداً لأن الإجازة الصيفية لم تنتهِ، بينما أنهيتَ فعلياً ارتباطاتك العملية والدينية، وشهر رمضان وزيارات العيد؟! جميل.. ترغب في السفر وتتخيل تلك الصورة النمطية لك وأنت ترتدي قميص البولو، وتتمشى مع زوجتك، وأبناؤكما سعداء في إحدى المدن الأوروبية.. حلم جميل.. لكن الواقع يقول أموراً عدة: أولاً أوروبا حارة جداً وبلا مكيفات، هذا ما أجمع عليه مسافرون كثر يؤمن تواطؤهم على الكذب.. وثانياً قميص البولو ليس جميلاً عليك، بسبب ذلك التكوير الذي تحمله أسفل بطنك، وثالثاً وهو الأهم، لا توجد تذاكر سفر! العائلة المتوسطة في الإمارات مكونة من أب وأم، ولنقل ثلاثة أو أربعة أطفال.. كنت قد «نشنت» على وجهة سياحية معينة.. تبلغ تذاكر «فلاي دبي» إليها نحو 1900 درهم، بحسب نظرية العرض والطلب التي تنتهجها «الطيرانات» الاقتصادية.. وحينما تأخرت كالعادة كأي شخص يحب إثارة الثواني الأخيرة.. اكتشفت أن السعر اليوم يبلغ خمسة أضعاف ذلك المبلغ، وأن عليّ دفع ما يقرب من 70 ألفاً لكي نسافر، ونحن هنا نتحدث عن الدرجة السياحية بالطبع، ومن دون ساندويتشات! لا أفهم كثيراً طريقة احتساب التذاكر، لكن يبدو فعلاً أن هناك حالة سفر جماعية.. لمست ذلك حينما وصلت من منزلنا في ضاحية الرقة بالشارقة (لا ليست الرقة التي تعتقدها.. بعيد الشر)، إلى مركز برجمان في دبي خلال عشر دقائق.. تماماً كما كان يحدث في…