عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان
كاتب ومحلل سياسي- لندن

طهران جاهزة… وكذلك واشنطن

الثلاثاء ٢٤ سبتمبر ٢٠١٣

حملة التلاطف الدبلوماسي بلغت أوجهها والأيام النيويوركية المقبلة قد تأتي ببعض المفاجآت، الغرب وإيران على وشك الوقوع في غرام طال انتظاره، في طليعة الأسباب مجيء حسن روحاني إلى الرئاسة، ليثبت إلى أي حد كانت الحقبة "الأحمدي - نجادية" مضيعة للوقت، فيما اعتبرها الجميع مرحلة كسب وقت للمضي في البرنامج النووي إلى أقصاه، وقد حصل، لكن يبدو أن الحصيلة النووية لم تكن بمستوى الطموحات خصوصاً إذا قورنت بما استدرجته من عقوبات، أهلكت الاقتصاد وأبطأت النمو والتنمية. في النهاية أدركت طهران أن ساعة الواقعية دقت، وما حصّلته من أوراق سواء في الملف النووي أو في النفوذ الإقليمي بات كافياً للمساومة، وللتفاوض من موقع قوة، لا داعي لانتظار ما سيؤول إليه الوضع في سوريا، فأزمة التهديدات الأميركية الأخيرة - أظهرت للجميع حدود اللعبة، إذ ساهم النفوذ الإيراني هناك في حفز روسيا والصين على التعنت في بلورة قواعد جديدة لـ"النظام الدولي"، في الوقت نفسه بلغ الاستثمار الإيراني في "الورقة السورية" حد استخراج المصلحة منها قبل أن تنقلب إلى خسارة كاملة. مع انتخاب روحاني جاء إبداء النية في الانفتاح، فضلاً عن إظهار رغبة في الاستعجال، لذلك كان لابد أيضاً من إشعار الغرب بالجدية هذه المرة، وبوجود سياسة مختلفة ينفذها أشخاص مختلفون، بل حتى بأن مرشد الجمهورية نفسه بات يعتمد لغة مختلفة. لم يقل روحاني في…

معركة الوجود ومعارك التعايش

الثلاثاء ١٧ سبتمبر ٢٠١٣

أكثر ما يصدم في هذه المرحلة العربية أن مفاهيم الإلغاء والإقصاء والإبادة انزلقت من اللاوعي إلى الوعي، ومن المظنون إلى المصرَّح به بصيغة وقحة أو بأخرى. وعدا ما يُسمع مباشرة أو تأتي به الفضائيات أو ما يُكتب، تزخر صفحات ما يسمى «التواصل الاجتماعي»، خصوصاً في البلدان المصطرعة، بـ«تغريدات» أقرب إلى زئير الوحوش المفترسة، و«بوستات» كأنها دعوة إلى إعدامات جماعية، حتى أصبح ذلك «الإعلام الجديد» الذي عزي إليه الفضل في انتفاضات التغيير، إعلام «التقاتل الاجتماعي». أصبحت التطبيقات العربية لهذا «التواصل - التقاتل» محط اهتمام الدارسين المنكبِّين على معاينة التصدعات بين فئات المجتمع، وقياس منسوب الحقد والكراهية، ورصد الانحدار المريع في لغة التخاطب، واستكناه المكتوم والمظنون في الذاكرات منذ عشرات ومئات السنين عن مظالم وانكسارات أو خرافات تاريخية، وبالتالي خروجه إلى العلن في ساحات الانتهاك العلني المتبادل للخصوصيات والمقدسات موثقاً بالصورة وبأصوات همجية القرن الحادي والعشرين. لكن المسألة ليست إعلاماً فحسب، إنها واقع معاش تجهر فيه فئات اجتماعية أنها لم تعد تستطيع التعايش مع فئات أخرى، وتتراشق باتهامات أهونها ارتكاب «أخطاء» في حق الآخر، وأفظعها عدم ممانعة زاول الآخر واختفائه بأي طريقة وأي ثمن. «اطردوهم، طاردوهم، اقتلوهم، اذبحوهم، دمروا بيوتهم...»، هكذا يعبر أبناء البلد (ولا نقول الوطن) الواحد عن تمنياتهم لمن يفترض أنهم الشركاء في العيش. بل إن فنانة سورية لم تتورع…

معاقبة الضرب بالكيماوي أم مكافأته؟

الثلاثاء ٠٣ سبتمبر ٢٠١٣

مع أميركا أو مع سوريا، مع أوباما أم مع الأسد، مع الضربة العسكرية أم ضدها؟ أسئلة من هذا القبيل تتوالى هذه الأيام، وتذكرنا بتجارب سابقة، قاسية بتطرفها وبالانقسامات التي تزرعها. ما الحاجة إلى أميركا أو سواها إذا لم تكن أوضاعنا ذاتها هي التي تستدعي هذا وذاك إلى التدخل. في عام 1990 كان رفض التدخل يعادل الموافقة على أن يبتلع صدام الكويت، وفي عام 2011 كان يعني تفويض القذافي سحق الشعب الليبي. ومنذ عام 2011 أيضاً كان يجيز لبشار أن يقتل بما يناسب مزاجه حتى وصل إلى مرحلة إبادة الشعب بالغازات السامة. هذا هو الخيار إذاً بين مصيرين أفضلهما سيئ، لكن الآخر أكثر سوءاً ليس هناك عقل سليم يستسيغ التدخل الخارجي لتحديد مصائر الشعوب والبلدان والأنظمة. أما العقل الذي يتقبل أن يضرب نظام شعبه بالسلاح الكيماوي ولا يقر بضرورة ردعه ومعاقبته، فهل يمكن أن يكون عقلاً سليماً. لا شك أن مرحلة الحراك العربي لا تنفك تكشف لنا بعضاً من الكثير، الذي كان مدفوناً في أعماقنا حتى بتنا محكومين بتطرفين لا وسط بينهما، فكل شعب صار شعبين، ولكي يبقى الشعب واحداً يجب أن يزول الآخر، هذه خلاصة نصف قرن ونيف من الأنظمة والسياسات التي ولدت خطأ واستمرت خطأ وانتهت خطأ، فإذا بالشعوب تتخبط بالأخطاء من بعدها. أخيراً لاح التدخل الخارجي الذي طلبه…

تداعيات السقوط “الإخواني”

الثلاثاء ٠٦ أغسطس ٢٠١٣

هل هناك رابط ما بين قتال الجيش المصري مع جماعات "جهادية" في سيناء وقتال الجيش التونسي مع جماعات مماثلة في جبال الشعانبي؟ في الظاهر نعم، في التفاصيل لا. أو هذا على الأقل ما توفره المعطيات الراهنة. لكن، لا بأس بمتابعة الظاهرة في أماكن أخرى: ففي اليمن لا تزال الحرب على "القاعدة" مستمرة رغم الضربات التي تعرض لها التنظيم على أيدي الجيش والمواكبة الأميركية الفاعلة. وفي ليبيا بلغت خطورة "القاعديين" أقصاها بعد انسلال هؤلاء في نسيج التيار الإسلامي وميليشياته والوجود القوي الذي تأمن لهذا التيار بفعل الثورة، التي أطاحت بالنظام السابق، ونشرت الأسلحة على نحو لم يشهده أي بلد من قبل، بل تخطت الحدود لتصل إلى كل مكان، بما في ذلك مصر وتونس. نأتي إلى سوريا، حيث استغلت الجماعات "الجهادية - القاعدية" الصراع الدامي الذي افتعله النظام. ويتفق الخبراء على أن هذا النظام هو الذي أشرف على نشاط الإرهابيين المتسللين إلى العراق بدءاً من منتصف عام 2003، وهو الذي استفاد إلى أقصى حد من عودتهم إلى سوريا، إذ إنهم باتوا يشكلون اختراقاً خطيراً لمناطق سيطرة معارضيه، وقد شاركوا منذ أوائل 2013 في القتال ضده ليكسبوا تعاطف الثوار، ثم قعدوا يوطدون سيطرتهم، وإنشاء "إماراتهم" والتحكم بالحياة اليومية للناس. عودة إلى سيناء، فالمواجهات هناك اندلعت بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وما هي إلا…

شماعة “التكفيريين”

الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠١٣

"الامن في الواجهة، والاسئلة حائرة عن الهدف من الاصرار على استيراد الازمة من سوريا وتعميم ثقافة الإلغاء والشطب والقتل والاغتيال...". احزروا لمن هذه العبارة، ومن يتحدث عن الأمن واستيراد الازمة، وبالاخص من الاغتيال والقتل؟ لا، ليست لقناة "المستقبل"، ولا حتى لقناة "الجديد". انها لقناة "المنار"! التي استضافت بشار الأسد لتوها، أو بالأحرى هو استضافها، ليقول عبر شاشتها ان "جنيف – 2" مجرد سراب. ليس معروفا في اي خانة، استيراد ام تصدير، تضع قناة "حزب الله" المشاركة في معركة القصير والمعارك الاخرى وصولا الى حلب. لكن اتهام الغير بـ"استيراد الازمة" ينطوي على تضليل للذات قبل تضليل الآخرين. اما الضيق من "تعميم" ثقافة الإلغاء والشطب والقتل والاغتيال، فلأن "حزب الله" وجمهوره وحلفاءه اعتادوا منذ العام 2005 على ان تلك "الثقافة" يجب ان تقتصر على استهداف طرف واحد في لبنان، اما اذا خرجت من هذا الاطار فهنا، هنا فقط، يصبح الأمن في خطر. لاقت محاولة اغتيال الشيخ ماهر حمود استنكاراً واسعاً. وهذا طبيعي وبديهي. لكن "حزب الله" نوّه بأن الشيخ استهدف "لأن له رأياً آخر". ردود في الاعلام ان إمام مسجد القدس في صيدا "قريب من حزب الله"، ويقصد "الحزب" ان حمود من اهل السنة لكن له رأيا آخر. مع ذلك، لا يعني هذا الرأي المختلف انه بارك الاغتيالات التي يعتقد اللبنانيون ان…