علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

دلال وبنات صاحب الفضيلة

الأحد ٠٧ أبريل ٢٠١٣

ومن الجملة الأولى، سأقول إن الفارق بين الفتاة السعودية التي أكتب عنها وبين صاحب الفضيلة الذي يرى في عملها ومهنتها (حراما) يتجاوز الحدود، هو ذلك الفارق بين فتاوى أبراج العاج وبين واقع آلاف الأسر وأولادهم وبناتهم مقارنة ومقاربة مع فتوى صاحب الفضيلة. تبرهن ظروف هذه الفتاة وتفاصيل وطبيعة عملها أن بعض أصحاب الفضيلة الكرام ضحايا لبرامج (تكييف) الأسئلة، في زمن نكتفي فيه بإطلاق الآراء من الأستوديوهات المكيفة دون أن ننزل إلى الواقع اليومي المعاش لعشرات الآلاف الذين نكتنفهم بهذه الفتاوى بين الأجوبة والأسئلة. وبشهادة دبلوم متوسطة بعد الثانوية العامة حصلت (دلال) على وظيفة تقنية في المجال الطبي وتقبض ما يقرب تسعة آلاف ريال في الشهر الواحد في مستشفى حكومي متوسط. استمعت إليها وهي غارقة في نوبة بكاء حاد لأن فتوى صاحب الفضيلة قد رمت ما يقرب من 25 من زميلاتها في دائرة الشك والرذيلة رغم أنها (تقسم) أن خمسة عشر عاما من تاريخ دخول (السعودية) الأولى لهذا المستشفى لم تشهد شبهة ولا قصة أخلاقية واحدة. هي تبكي (كما قالت) لأنها استمعت لفتوى تحريم العمل، ولوصف (الرذيلة) وهي بين أهلها في المساء عبر قناة فضائية. تتحدث بين حشرجات البكاء عن (راتبها) الذي تعول به أختين في الثانوية العامة وأخوين في الابتدائية والمتوسطة. عن السيارة التي اشترتها لوالدها بعد أربع سنوات من…

عفوا، للوليد بن طلال

السبت ٠٦ أبريل ٢٠١٣

احترمت في المقابلة الصاخبة لسمو الأمير، الوليد بن طلال هذا الخيط المتصل في المواقف الوطنية، وللدلالة فقد ردد اسم وطنه عشرات المرات حتى يكاد ينطق اسمه بالدقيقة. وفي حدود ما أعلم، فإن (الوليد) قد يكون أول شخص في التاريخ يدخل في مقابلة مباشرة لثلاث ساعات مكتملة أمام ما يزيد على عشرين محطة فضائية في ذات اللحظة. وحتى للذين يظنون أن النجاحات المالية والإدارية للوليد بن طلال قد جاءت لأنه (الأمير) كما هي بعض أسئلة المقابلة الشفافة الصريحة، فلهؤلاء أقول إن حصر المسألة في هذه السببية ليس إلا اختزالاً مخلاً لهذه القصة. الذي يضع يده وتوقيعه جنباً إلى جنب مع بيل جيتس ووارن بافيت وميردوخ. لا بد أن يعلموا أن هؤلاء العمالقة من رأس المال العالمي لا يصنعون شراكاتهم مع الآخرين بعد قراءة الألقاب. الوليد بن طلال قصة نجاح سعودية مدهشة. وعفواً للأمير وللقارئ عن هذه المقدمة والتوطئة فهنا الزبدة: بودي لو أن الأمير الوليد بن طلال اختار بين محاوريه الخمسة اثنين أو ثلاثة محايدين لا ينتمون إلى إمبراطوريته الإعلامية كي يقتنع الملايين الذين تابعوه بمزيد من الثقة والمصداقية. أرفع القبعة احتراماً للأخ عبدالله المديفر، لأنه حلق بأسئلته إلى الزوايا اللافتة. عفواً أيضاً، سمو الأمير الوليد بن طلال، إن قلت لمقامكم بكل الصدق، إنني تمنيت لو أنكم حجبتم عن الإعلام هذه…

عن جدة.. لحظة وداع

الخميس ٢٨ مارس ٢٠١٣

في مجلس الأمير خالد الفيصل لم يتبدل ولم يتغير صلب القضايا المطروحة للنقاش.. غبت عنه هذه السنين، وحين عدت إليه وجدته ذات (الموضوع)، وكأنني في المجلس ذات الليلة السابقة. إنه الحديث المتواصل عن قضايا التنمية. وللإخوة الكرام الفضلاء الطارئين على أحاديثه ومجالسه، سأعطيكم الوصفة: هو ـ كما عرفته ـ لا يكره في المجالس أكثر من شيئين: لغة المجاملة التي يغتالها مباشرة بصرامة الردود القصيرة، وقد أعطاه الله مواهب اللغة، مثلما يكره أيضا حصر الإنجاز في الأفراد حتى لو كان في شخصه، لأنه ـ لمن لا يعرفه ـ عاشق لروح الفريق، ومغرم ببناء الأفراد من حوله لمسيرة العمل الجمعي. أكثر من هذا صاحب فراسة هائلة في القدرة على اختيار أفراد الفريق، وصاحب صرامة تتجاوز العاطفة حين يتخلص من الأفراد في مشاريعه الإدارية والتنموية بجملة قصيرة واحدة، إذا ما رأى أن الزمن قد تجاوز (الفرد) في القدرة على الركض الصحيح مع الفريق. وللذين لا يعرفون هوس خالد الفيصل بتدوين الأخطاء الإدارية والتنموية والاعتراف بها من أجل تفاديها وتجاوزها، عليهم أن يقرؤوا كتابه: "مسافة التنمية وشاهد عيان"، لأن الكتاب درس جوهري في أساسيات الإدارة. وخذ من الأمثلة؛ أنه ترك مدن عسير بلا منطقة عشوائية واحدة، وفي الكتاب نفسه قصة إدارة العشوائية الوحيدة في خميس مشيط، حين ردمها بقرار إداري صارم. قصة نجاحه الاستثنائية…

شباب في وجه الفتاوى المضطربة

الأربعاء ٢٠ مارس ٢٠١٣

مجرد بضع كلمات في جملة شاردة من اعترافات أحد أبنائنا الضحايا من تهمة الإرهاب يعكس واقعاً مؤلماً يستعصي على الوصف. هو يقول بالحرف الواحد: إن فتوى قناة دينية قادتني إلى العراق. نحن مع تحليل مثل هذه الجمل الاعترافية سنصل إلى الاستنتاج المقابل أن بيننا من يأخذ هذه الفوضى المضطربة في عوالم الفتوى بسذاجة وسطحية. هؤلاء الشباب، وبالآلاف، لم يسألوا السؤال البسيط المقابل: لماذا يعلن هذا الشيخ، أو ذاك، فتواه من الأستوديو المكيف بدلاً من إعلانها من ميدان المعركة؟ ما هي الموانع أمام صاحب الفتوى كي يظن أن حدود معركته تنتهي عند استقبال السؤال وعلى المتلقي الاستجابة؟ لماذا لم يسأل مثل هذا الشاب نفسه ذات السؤال الأهم: أين هم أولاد فضيلة الشيخ نفسه من قلب المعركة التي يدعو الآخرين إليها؟ ولماذا لم نذهب ولو لمرة واحدة لسرادق العزاء في أحد أبناء فضيلة الشيخ الذي مات (شهيداً) في استجابة لفتوى أبيه؟ لماذا لم يسأل آلاف الشباب أنفسهم عن هذه الفوضى التي أوصلت فتاوى الجهاد إلى هذه العوالم المتضادة المضطربة؟ لماذا لا يقرؤون مثلاً، أن مفتي سورية في قنبلته الأخيرة يرى أن الجهاد مع النظام السوري أصبح (فرض عين) على كل العرب والمسلمين، بينما لم نشاهده لا فرضاً ولا عيناً في شوارع فتواه القاتلة؟ لماذا لم يستيقظ هؤلاء الشباب الذين يذهبون إلى هذه…

2400 ريال ÷ 350 يوما = ……؟

الإثنين ١٨ مارس ٢٠١٣

سعر رغيف الخبز يقفز 100%.. هكذا يقول العنوان الرئيس على هذه الصحيفة بالأمس في قبض شارد على مخبز واحد يتجرأ لفك العقدة. وأعني بالعقدة، ارتباط ربطة الخبز التاريخي بالريال. ولكن: من هو الذي يحاول تخديرنا أن ربطة الخبز وريالها هو المؤشر كي يكون ريالاً في اليوم هو العقدة؟ كل ما يحصل بالسوق هو استغلال سخيف، وجشع يحتاج إلى الكبح بعد قرار وزارة العمل بفرض رسوم إلى (2400) ريال. نحن نعلم جميعاً أن هذا القرار لم يستهدف سوى أقل من ثلث قوة العمل، وأن القرار نفسه لم يضف إلى كاهل هذا الثلث سوى أقل من سبعة ريالات في اليوم الواحد، فما هي التبعات الواهمة الكاذبة التي ندفع ضرائبها على هذا القرار؟: الدجاجة تصبح أقل حجماً ولكنها تكسب أربعة ريالات فوق السعر القديم. طبق البيض يكسب من القرار ثلاثة ريالات إضافية في ظرف أسبوع. عامل الأجرة اليومية في (العمارة) يطلب ثلاثين ريالاً إضافياً فوق الأجرة السائدة قبل القرار. سائق سيارة (السطحة) الذي سحب سيارتي للورشة يطلب ضعف أجرته المعتادة، متعللاً بالحرف بقرار الوزارة. حاوية الماء إلى خزان منزلي تشترط عشرين ريالاً إضافياً، رغم أن سعر الماء من المحطة مثل سعر الوقود لم يتغير هللة واحدة. أستاذ الدروس الخصوصية لأطفالي (الذي استغنينا به عن المدرسة) يطلب الشهر الماضي ضعف رسومه السابقة. سأعترف لكم،…

أسئلة بريئة لوكيل الوزارة

الإثنين ٠٤ مارس ٢٠١٣

في البرنامج (الساخن)، ياهلا، مع (البارد) الهادئ الصديق، علي العلياني، يتداخل وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية، نافيا، ومن ثم مزهوا بإنجازين: في الأولى ينفي بشكل قاطع صحة بحث علمي إحصائي يضع الوزارة على رأس قضايا الفساد الوطني وسينشر هذا البحث (اليوم) في ندوة متخصصة، وفي الثانية، يتحدث مزهوا أن وزارة الشؤون البلدية تتربع على قائمة الإنجاز الوطني من حيث حجم إنجاز المشاريع. استمعت لسعادة وكيل الوزارة ثم خرجت باطمئنان على تأكيد قناعاتي المسبقة أن أولى كوارثنا ليس إلا بعض المسؤولين الذين يتحولون إلى أسطوانة تبرير أو إلى (كحل حجري) يطفئ مع الزمن قدرة (العيون) على تمييز الألوان. مسؤولون يفتقدون للفهم التلقائي لطبيعة الوظيفة التنفيذية العليا، بحكم أن الوظيفة، افتراضا، مسؤولية رقابية على من تحته من آلاف الموظفين. هو على النقيض، يبث فيهم رسالة خاطئة. سأناقش مع المسؤول (أسطوانة الدفاع والتبرير) حول قضيتي الفساد والمشاريع. في الأولى، يجنح بي الخيال إلى (مداخلة) افتراضية لذات المسؤول: ماذا لو أنه قال إننا سنأخذ هذا البحث القادم على محمل الجد وسنعطيه أهمية قصوى وسندرسه (منهجيا) ومعياريا وسنتعامل مع هذا البحث على أنه برهان ثابت حتى يثبت لنا العكس، ماذا لو قال سعادة المسؤول في مداخلته: إنني أحترم من الآن هذا البحث حتى قبل أن يصدر لأن هذا البحث لا يؤكد شيئا بأكثر من قناعات…

وطني الذي انتظرته خمسين سنة

الجمعة ٢٢ فبراير ٢٠١٣

سأكتب اليوم، بلغة واضحة، أن كثيراً من المشاريع الحكومية التنموية تحولت مع الفساد والتسويف إلى ما يهدف (استفزاز) المواطن لا إلى خدمته. الوصلة القصيرة بألفي متر في نهاية الطريق الدولي المزدوج تنام منذ عامين لتشويه صورة المنجز، فيما المقاول يكتفي بوضع بعض معداته المتهالكة على المشروع لاستفزاز المواطن. لماذا تحتاج وصلة قصيرة إلى العام الثالث. الكوبري الطائر على حزام المدينة يدخل العام الثاني، وهو منذ عامين، لا يحتاج سوى أربعة أعمدة لاستكمال المشروع. ماسورة الماء على جدران منازل الحي تدخل عامها الثالث وقد أكلها الصدأ بلا تبرير إلا استفزاز المواطن الذي يقف (الفساد) الواضح شاهداً على جدار منزله. الحديقة الوهمية على أطراف المدينة لا زالت على أطلال الحفر والردم منذ عامين رغم المبلغ المرصود، لتتحول هذه العشرات من الملايين إلى مجرد حراثة نائمة في قلب المشروع منذ سنة. والخلاصة أن هناك (مؤامرة) كبرى لقتل هذا الوطن في عيون مواطنيه. المؤامرة التي أتحدث عنها هي أن تجعل من أي مشروع تنموي كابوساً وعثرة طريق في عيون المواطن. وعلى مشارف الخمسين، انتظرت وطني خمسين سنة كاملة دون أن ألمس منه خراج هذه الأوهام رغم أن وطني يدفع هذه الملايين بلا حساب أو منة فمن السبب؟ انتظرت وطني خمسين سنة كي أدخل قاعة الجامعة التي وقعوا عقدها منذ ثماني سنين ولا تزال (عظماً)…

لسمو الأمير وللوزير: ما لم تقله قصة رهام

الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٣

كنت دائما، تماما مثلما أكتب: عكس الفزعة وفي مواجهة تيار السائد المألوف. وفي قصة ابنتي، رهام الحكمي، سأكتب أن القصة بالنسبة لي من شقين: الأول تعاطفي الشديد مع قصتها المؤلمة المحزنة ولن يستطيع فرد أن يمسح انحيازي الأبدي للبسطاء، وسأكتب أن حادثتها تعبير صارخ عن هزيمتنا الأخلاقية. الثاني، أن يسار هذه الصفحة على الموقع الإلكتروني يحتفظ بكل رسائلي إلى معالي الوزير عن الصحة وعن حاجة (الأطراف) إلى ما هو أكثر من مشافي المهدئات ومشاريع الورق الوهمية. لكنني، وبكل شجاعة، ضد أن نمسح تاريخ معالي الوزير لأن التركيز على هذا (الوهم) قد ينسينا صلب الرسالة الأهم من ثنايا هذه القصة. الرسالة من شقين: لمعالي الوزير ومن ثم، بحسب تراتب مسؤولية القصة نفسها لسمو أمير منطقة جازان ولكل منهما مع التقدير والتحية: ساقول لصاحب المعالي إن مجرد نقل (رهام) إلى مستشفى تحويلي بالرياض يختزل معالم القضية. نحن، صاحب المعالي، في هذه الأطراف من الوطن، لسنا مجتمعا قابلا للتحويل ولا ضيوفا في نهايات البحر على أسطول الإخلاء الطبي. بسبب (الأنيميا) كانت رهام تذهب للمركز من الأطراف بضعة مشاوير في العام الواحد، وللحاجة لأربع إبر كيميائية كان مريض (المثانة) يذهب للحقن أيضا في غرفة مجاورة. ومثلهم أيضا مرضى القلب والمفاصل وجراحة الأعصاب ونحن يا معالي الوزير ننتظر أوهام خرائط المدن الطبية. نحن صاحب المعالي…

فكرة ابتعاث جماعي

الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٣

في حادثة السير التي تعرض لها أطفال الصديق الأثير، لؤي مطبقاني، ما هو أكبر من قصة (حادث) انتهى، ولله الحمد، بالعافية والسلامة. بفضل التجمهر، احتاج الأب إلى ساعة كاملة كي يصل للموقع، وبفضله أيضا احتاج هؤلاء الأطفال إلى ساعتين وربع الساعة كي يصلوا للمستشفى الجامعي على بعد عشر دقائق من موقع الحادثة. بفضل هذه الهمجية في التجمهر هرب المتسبب في الحادثة رغم الإصابة البالغة لسيارته، وتحت هذا التجمهر كان الأطفال بلا حول ولا قوة وهم يشاهدون عشرات الفلاشات التي تلتقط صورهم من شباب الجوال وكأن الضحايا الأربعة أبطال سباق للتتابع. كل هذه القصص المفزعة من التجمهر حول الحوادث التي تنتهي بالتصوير والسرقة والنشل يمكن أن تنتهي في مجرد ورقة واحدة: رجل أمن يسجل أرقام السيارات ومن ثم أقصى غرامة للمخالفة كي يدفع هؤلاء ثمن هذه البلطجة. لن أنسى أبدا، بكاء أب ذات يوم جاء لمكتبي وهو يسرد لي قصة (نشل) ولده الميت في حادث سير وكيف أعادوا له بطاقة الهوية بعد ستة أشهر ليجدها في ظرف تحت باب المنزل. سأضيف اليوم لكل مقترحاتي فيما سبق فكرة جديدة: أن يرغم الشاب السعودي بعد الثانوية على الابتعاث فصلا دراسيا إلى محاضن المجتمعات الإنسانية الحضارية من أجل الترويض واحترام القانون. وبالطبع قد ندفع من أجل هذه الفكرة "ثلاث عشرات" من آلاف الريالات ولكن:…

عن المرأة.. ثوان من الوحشية القاتلة

الخميس ١٤ فبراير ٢٠١٣

بكيت بكل الغضب والألم، وأنا أشاهد "طائرتها"، مساء الاثنين، تتحرك بين "خرطومة" مطار الملك خالد الدولي مغادرة إلى ديار أهلها في النقطة الأبعد من شمال هذا الوطن.. قصتها موغلة في الوحشية وفي تفاصيل قوانين الغابة. كنت على صالة المغادرة قبيل منتصف المساء عندما سمعت مع من حولي صراخ شابة يسحبها زوجها المتوحش من سيارته ويسحب من بين يديها طفلة في الرابعة من العمر، ثم يرمي أمامنا "حقيبتين"، ويرمي أيضا على الأرض "بطاقتها" لصعود الطائرة. في بضع ثوان معدودات يحشر طفلته على المقعد الأمامي ثم يهرب تاركا ما كانت "شريكة الحياة".. نجدتنا ونخوتنا من حولها أن نعيد الطفلة "منال" من هارب، ولا مكان بيننا أو فينا لنجدة أو نخوة. تبرع شيخ فاضل، كان على قدر الموقف، بإكمال بقية التفاصيل، وكان يتصل بأهلها وينهي إجراءات سفرها حتى فات عليه موعد مغادرته الأصلي، فلم يتركها إلا بعد أن اطمأن أنها على المقعد الذي سوف يأخذها إلى والديها في الرحلة الأخيرة. شهدت في حياتي عشرات القصص، لكن "صدفة" هذه القصة المأساة ستبقى في ذاكرتي جرحا ما حييت.. زوج متوحش يسحب طفلة من أمها على بوابة المطار، بينما "الأم والطفلة" تصرخان بالعويل لنجدة بعضهما البعض، ولكن دون حيل ولا قوة. شاهدت "أما وابنتها" في ثوان معدودات تذهبان في مهب الريح، وتفترقان في لحظات من الأحزان…

من أبها: بين وزارة الصحة ومقبرة الراجحي

الإثنين ١١ فبراير ٢٠١٣

في هذه اللحظة، التي تقرأ فيها، عزيزي، هذا المقال، ينام أربعة من أهلي ومن أقاربي أو من أصدقائي الخلص على ذات (الرقم) من الأسرة البيضاء في ثلاثة مستشفيات تحويلية بالحبيبة الرياض. وكل ما خشيته حين ابتدأت الكتابة قبل عقد من الزمن هو ما وقع بالضبط: أن يحوّل التباطؤ والبيروقراطية هذه العاصمة الأثيرة، إلى ورشة مركزية لسكان الأطراف كي نذهب إليها في الهزيع الأخير من العمر لسمكرة الشرايين والأكباد والأمعاء، واستبدال قطع الغيار الآدمية للقزحية والشبكية والكلى ومفاصل الأوراك وصمامات القلب وصابونة الركبة. كتبت قبل عقد من الزمن عن مخاوفي أن تتحول مقبرة (الراجحي) بشرق الرياض إلى استراحة (عائلية) لسكان الأطراف التي يصر الإهمال والتباطؤ والبيروقراطية على إبقاء مستشفياتها إلى مجرد عيادات للزكام والكحة. هذه مهزلة إدارية لا يمكن هضمها حين يعلن البنك المركزي (مؤسسة النقد) أن حجم موجوداته من المال السائل تقارب (2457) مليارا فلا يجد المواطن منها سريرا في مدينته الطرفية علاجا لصمام القلب أو قرحة المعدة. تقول المعلومة التي اجتهدت في رسمها قبل قليل من كتابة هذا المقال إن هؤلاء المرضى الأربعة قد احتاجوا إلى (23) ابنا وأخا وقريبا للمرافقة والاطمئنان وقد أكون نهاية هذا المساء رقما إضافيا إلى شقق الرياض وغرف فنادقها من أجل أداء الواجب. تعالوا إلى ضوء الوهم الكاذب في نهاية الطريق. مررت (بالعمد) نهاية…

دكتور على أبواب “حافز”

الخميس ٠٧ فبراير ٢٠١٣

..وهنا، اليوم، أستنجد بهيبة معالي الإنسان الوزير، الدكتور خالد العنقري أن يلتفت لمأساة (ابن وطن) يحمل شهادة دكتوراه حقيقية، ومن العيار الثقيل، في تخصص نوعي، وللأسف الشديد تغتاله مؤامرات القبول بالجامعة، مثلما ـ وأنا مسؤول عما أقول ـ يرفضه بند الاشتراطات على نظام (حافز). أطلب من معالي الوزير أن يسألني عن كل حرف في المقال حتي لا يتحول هذا المواطن البار إلى مشروع مكتمل الأركان للكراهية.. يحمل صاحب (القصة) شهادة دكتوراه في نظم المعلومات الجغرافية، وقضى من أجلها سبع سنين في جامعة (نوتنجهام) البريطانية، وهي على جدول (التصنيف)، كما قرأت البارحة، ثالث أفضل جامعات بريطانيا في هذا التخصص، في المركز السادس عشر على المستوى العالمي. ومنذ ثلاث سنوات وأوراق تعيينه كأستاذ بالجامعة تتراوح من رفض إلى الذي يليه، رغم المفارقة المدهشة أن القسم الأكاديمي الذي يرفض تعيينه رسميا هو ذات القسم الذي يمنحه الفرصة الكاملة للتدريس ـ متعاقدا - بتراب الفلوس ثم يعطيه، بتناقض مثير، شهادات الإشادة على الكفاءة والمستوى الأكاديمي المتميز. نحن بكل الشواهد ـ صاحب المعالي الوزير ـ أمام مهزلة من العيار الثقيل، لأن القسم والكلية والجامعة التي ترفض تعيين واحد من أكفأ المؤهلين من أبناء الوطن، هي ذاتها التي تعاقدت، ومن الخارج، في ذات السنوات الثلاث الأخيرة، مع ما لا يقل عن عشرة أساتذة في التخصص ذاته،…