بكر عويضة
بكر عويضة
كاتب وصحفي

غزة ـ إسرائيل: حرب خامسة.. وليست أخيرة

الخميس ١٠ يوليو ٢٠١٤

منذ أيام ردد الناس، وكتبت أقلام، وزعقت أصوات عبر فضائيات وإذاعات، ما خلاصته أن إسرائيل قررت شن ثالث حروبها على قطاع غزة بعد حربي نوفمبر 2008 وديسمبر 2012. لكن التاريخ يقول إن هذه خامس حروب الإسرائيليين على قطاع غزة. الأولى أكتوبر 1956 عشت لحظاتها صبيا، فذقت طعم الخوف، وعرفت إحساس الطمأنينة بين ذراعي الأم إذ تقرأ آية الكرسي، تريد دفع أزيز الطائرات وفحيح قنابل المدافع، طوال ليالي ونهارات ما عرف بحرب السويس. الثانية عشت تفاصيلها طالبا بجامعة القاهرة، وكنت منذ الساعات الأولى لصباح خامس يونيو 1967 كما ملايين العرب واثقا من نصر مبين، لكني اختلفت عنهم أجمعين، إذ كنت مستبشرا بعودة إلى مدينة غزة عبر حيفا، لا معبر رفح. لكن ذلك لم يحصل. ها أنذا أكتب هذه المقالة نهار عاشر رمضان، الذي توافق قبل واحد وأربعين عاما مع سادس أكتوبر 1973. ذلك اليوم الأغر، الذي يوافق في التقويم العبري «يوم كيبور»، فأُخِذَ فيه جيش «الدفاع» الإسرائيلي على حين غرة، ومع انهيار خط بارليف، انهارت أسطورة «الجيش الذي لا يُهزم»، وعشت تفاصيل ذلك العبور من الهزيمة إلى الانتصار وتابعته صحافيا بجريدة «البلاغ» الليبية في طرابلس، وما أزال أذكر كيف فوجئنا بـ«الأخ العقيد» يخطب ثاني أيام الحرب عبر الإذاعات، بما فيها المصرية، زاعقا أن ما يجري هو «حرب تحريك» للحل السلمي وليس…

أحزان نهاية عام تظلل بداية آخر

الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠١٣

كما هو معلوم، قلما تخلو نهاية من حزن ما، حتى لو أن مجرد بلوغها هو في حد ذاته مبرر فرح كبير لفرد ما، عائلة، مجتمع، بلد، أمة، أو البشرية كلها، كما هو الحال مع كل احتفال بتوديع عام تصاحبه زينة وبهجة قد يبالغ فيها البعض هنا وهناك، لكنها تظل حاجة ضرورية تحتاجها نفس بشرية أرهقها الركض طوال السنة فتاقت للمرح والبهجة، حتى لو لاحقت فرقعة ألعاب الفرح النارية مآسي ما تحصده نيران الحروب وأهوال الكوارث وتُشرد من بشر. حقا، يسعد التلميذ اجتياز امتحان الثانوية العامة ودخول الجامعة، ويحزنه فراق مدرسته ومعلمين أحبهم وأحبوه. لكن الشاب سرعان ما يتجاوز حزن لحظات الفراق، ويتهلل بالفرح، إذ يستهل مشوار الجامعة قبل فتح صفحة أي كتاب بفتح سجل صداقات جديدة ستربطه مع طلاب وأساتذة طوال أربع سنين، أو أكثر، حسب طول طريق المنهج الجامعي، فإذا أزفت لحظة الفرح بالتخرج، رافقتها لحظات ألم الوداع وأحزانه، وربما تنهمر دموع يختلط في وهج صفائها ذلك المزيج العجيب من سعادة بلوغ نهاية الشوط بنجاح وأسى مفارقة أصدقاء بعد طول عشرة. أو يختلف الحال مع انتقال من عمل إلى آخر، حتى وهو ترقية لمرتبة أفضل، أو عند مغادرة مهجر إلى منفى غيره، أو إذا ما صفر الحكم معلنا نهاية المباراة؟ كلا، بل بوسع كل من أمعن النظر، فتأمل بشفافية…

روسيا اليوم.. الواقع والخيال

الخميس ١٧ أكتوبر ٢٠١٣

جلست مساء أول أيام العيد أطلب الراحة بعد تعب السفر خلال النهار. التقطت جهاز الريموت كونترول أريد التقاط إرسال بضع قنوات أتنقل بينها لمتابعة أخبار هذه الدنيا. توقفت عند محطة «روسيا اليوم» الإنجليزية، ورحت أنتظر انتهاء ما حسبت أنه إعلان تجاري مصحوب بموسيقى ناعمة، حالمة، بدت لي رومانسية، كي أكتشف بعد أقل من دقيقة، أن الحالم هو أنا، لا القناة، فما أرى إعلانا بالفعل، لكنه يخص المحطة ذاتها وليس يسوّق لسلع محددة، بتعبير أدق هو تنويه يبلغ الجمهور أن القناة تخضع لصيانة مجدولة بين الثامنة من مساء ذلك النهار وحتى السادسة صباح الأربعاء، وفق توقيت غرينتش. وللتوثيق هنا نص التنويه: SCHEDULED MAINTENANCE GMT 8:PM – 6:00AM أفقت من المفاجأة لأواجه أخرى؛ إذ بدا لي الأمر غريبا، فلم أسمع من قبل أن محطة تلفاز عالمية يمكن أن تتوقف عن البث عشر ساعات، ربما أقل، أو أكثر، التزاما بجدول صيانة مسبق، ويبدو أن جو العيد اقتحم المشهد فتمتمت: يمكن الجماعة في موسكو معيدين اليوم. حسنا، الأفضل أن أسارع إلى وضع مسافة بين الجد والهزل. الواقع أن روسيا اليوم، الدولة لا القناة، موضوع جدير أن يوضع على الدرجة التي يستحقها من اهتمام خزانات التفكير في العالم العربي. ومع أن دوائر صنع القرار الرسمي تولي الشأن الروسي ما يستحق من متابعة، يبقى من الضروري…

محاكمة سيف القذافي.. اختبار وفرصة

الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠١٣

ليس مستبعداً أن يفتتح سيف القذافي كلامه اليوم بتلويح سبابة يمناه، كما لوحها ذات يوم مهدداً الليبيين، في وجوه القضاة ليطعن بشرعية المحكمة، وربما اعتبرها فرصة للشماتة بمن يحاكمه فيسخر من وضع ليبيا الراهن، زاعماً أنها لو لم تثر على حكم أبيه، لكان حالها أفضل مما هي عليه الآن. يعلم الجميع أن الحكم بين الناس بالعدل من متطلبات المجتمع الفاضل، والقاضي العادل يحرص على ضمان أقصى درجات العدالة، حتى لو كانت صورة المتهم في أذهان أغلب الناس مرتبطة بأقسى أشكال الظلم. كما هو معلوم، في بريطانيا، على سبيل المثال، ينصح القاضي هيئة المحلفين بتجنب مطالعة التغطية الصحافية المثيرة لأي قضية منظورة أمامهم، حتى لا تتأثر رؤيتهم لأي من أطرافها، ومن ثم قرارهم. بالتأكيد، ضمن ذلك السياق، جرى ضمان حقوق سيف القذافي وفق ما يمليه القانون. الاختبار الذي يمكن أن يواجه هيئة المحكمة، وربما مجمل الليبيين، هو مدى قدرة الصبر عندهم إزاء الواقف أمامهم في قفص الاتهام إذا راح يكيل التهم للكل، ومن ثم يستغل أوجه معاناة الليبيين الراهنة لأسباب عدة أبرزها التسيّب الأمني، والتراجع الاقتصادي، والفساد المالي، فيستحضر أباه من القبر المجهول ليتحدث بلسان ابنه، كي يسمع من يتابعون المحاكمة كلاما يذكّر بما كان الأب يلقي من دروس التوبيخ، وأحياناً التحقير، بحق شعب ظن واهماً، كما قال لمراسل «بي بي…