د. حنيف حسن
د. حنيف حسن
رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي منذ العام 2014، وزير سابق، وأكاديمي، وكان مديراً لجامعة زايد.

الطغيان الديني

الجمعة ٠٦ يناير ٢٠١٧

أدرك أني أقتحم ميداناً مليئاً بالألغام، وتابوها شيده كثير ممن حولوا الدين إلى تجارة رائجة، ووسيلة للكسب والسلطة والاحتكار والطغيان باسم الدين. ندرك أن هؤلاء يتكلمون باسم الله ويلبسون أقنعة المقدس، ولا يصنعون له شيئاً غير أن يشوهوه ويدنسوه. وليست أزمة صورة الإسلام في العالم إلا جزءاً من جزاء عملهم وجريرة من جرائرهم. وأدرك تماماً بأن هذا الصنف ممن يزعمون بأنهم حماة للدين والعقيدة، ودعاة للشريعة، هم أخطر أعداء هذا الدين عمداً أو جهالة. هذا «الطغيان الديني» لم يعد قاصراً على دولة محددة أو مجتمع معين، فالبلاء عام، وهذا الطغيان أصبح آفة، بل وباء ووبالاً نجني اليوم ثماره المرة، ونتجرع سموم آثاره كل يوم. بل وأصبح العالم كله مهدداً في أمنه واستمراره واستقراره ورقيه. سرطان خبيث يفتك بالدول ويطيح بمؤسساتها، ويسري في جسد المجتمعات ويحيلها إلى جثة هامدة وإلى تدمير حتمي. قصص العنف والإرهاب وبشاعتها فاقت كل التصورات، وتجاوزت كل الحدود، وألغت كل الضوابط، دينية كانت أم إنسانية، بل وحتى حيوانية! وهي بكل تأكيد تستعين بفتاوى التكفير والتفجير، وتستمد منها شرعيتها الفاسدة. هل هناك طغيان أبشع من هذا الطغيان؟ لا تقل هذه البشاعة المعاصرة عن الطغيان الكنسي المستبد في العصور الوسطى وقبل الثورة البروتستانتية على الكنيسة والتي تجلت مظاهره في قتل العلماء وحرق كتبهم وتجريم أفكارهم ونظرياتهم العلمية. هذا ما…

الشيخ راشد وبصماته الخالدة

الجمعة ٠٧ أكتوبر ٢٠١٦

يصادف اليوم الذكرى الـ26 لرحيل المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، وفي سيرة الأفراد العاديين، فإن مرور هذه المدة الزمنية على رحيلهم كافية لتراجع حضورهم في ذاكرة الناس، فضلاً عن الأوطان التي ينتمون إليها. لكن راشداً، وبكل تأكيد، حاضر في وجدان أبناء شعبه وفي قلوبهم، وفي ذاكرة وطنه وأمته، كما هو حاضر، وبقوة، في إرثه الهائل من الإنجازات، والتي بفضله، وحســـن قيادته وإدارته تم تحقيقها على هذه الأرض الطيبة. ربما كنت أحد المحظوظين الذين ينتمون إلى جيل أدرك جانباً من تلك الحقبة التي شهدت خطوات النهضة لإمارة متألقة، تبهر القاصي والداني كل يوم، بمبادرات ومشروعات غير تقليدية، بل واستثنائية، هدفها تحقيق الأمن والرخاء والسعادة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. كان لدى الشيخ راشد حلم كبير، وتوقعات هائلة، لحياة الرفاهية التي ينشدها لأبناء شعبه، وعلى قدر ذلك الحلم وتلك التوقعات كانت هناك جملة من التحديات. لكن الإرادة والعزيمة والمثابرة كانت هي الغالبة. فتحول الحلم إلى واقع جميل نلمسه جميعا اليوم. يُجمع كل من عرف راشداً على حنكته وبصيرته في إدارة شؤون الحكم، فقد كان رجل دولة بامتياز، ويجمع هؤلاء أيضاً أن إرادته لم تكن تعترف بالمستحيل، وعزيمته لم تكن تعرف اللين. وفي سنوات حكمه الممتدة من 1958 إلى 1990 - بل وفي عهد والده…

المكلاّ.. من التحرير إلى التعمير

الجمعة ١٦ سبتمبر ٢٠١٦

كانت مبادرة رائعة، ولفتة إنسانية كريمة، من قيادتنا الرشيدة بالتوجيه لزيارة منسوبي قواتنا المسلحة في الخارج. تشرفت أن أكون ضمن نخبة من الشخصيات العامة، في رحلة لاتُنسى لمدينة المكلا في اليمن. وهي العاصمة الإدارية لمحافظة حضرموت، كبرى محافظات اليمن. كانت هذه الزيارة تشريفاً وتكريماً لنا جميعاً، للقاء تلك الوجوه النيّرة، المرابطة في ميادين العز والشرف، حاملين أرواحهم على أكفهم، مدافعين عن المقدسات الدينية والوطنية، مُسهمين في إعلاء القيم الإنسانية، مُجسدين معاني الأخوة العربية في أروع صورها. وقد جددت وأكدت هذه الزيارة، لدى المشاركين فيها، قناعة راسخة ، أن قيادتنا الحكيمة، قد اتخذت قراراً استراتيجياً صائباً بالمشاركة في عملية عاصفة الحزم مع التحالف العربي لإعادة الشرعية إلى اليمن، ووقف التمدد الإيراني في المنطقة، وصد أطماعها، وبالتالي حماية الجزيرة العربية والخليج العربي من التغول الإيراني وتهديدها لأمن المنطقة العربية بأسرها. تنظيم الزيارة، تميز بالدقة وحسن الترتيب، في دلالة على مستوى الانضباط، والمهنية العالية التي يتمتع بها العاملون في قيادة قواتنا المسلحة، أما العرض الذي قدمه الضباط للوفد الزائر، فقد كان مبهراً ودالاً على كفاءة عالية في المهام العسكرية التي قاموا بها خلال عملية تحرير المكلا. إضافة إلى ماقام به أفراد قواتنا المسلحة الباسلة لأعمال إدارية، ومهام لاتتصل بعملهم العسكري، من حيث إسهامهم الفاعل في عملية البناء للمؤسسات المتهالكة، وتقديم المساعدات الإنسانية، والخدمات…

احذروا الإخوان.. آخر كلمات السادات

الإثنين ٠٥ سبتمبر ٢٠١٦

يصادف اليوم، الخامس من سبتمبر مرور 35 عاماً على الخطاب الأخير للرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، والذي ألقاه في مجلس الشعب المصري عام 1981، وكان اغتياله بعده بشهر ويوم، في العرض العسكري احتفالاً بذكرى انتصار السادس من أكتوبر، حين ارتكبت تلك الجريمة، الجماعة الإسلامية المصرية؛ وليدة تنظيم الإخوان المسلمين. وقد اعتذرت قيادات هذه الجماعة في مراجعاتها الشهيرة، عن هذه الجريمة؛ مؤكدة أن السادات شهيد، وأنها كانت على خطأ حين اغتالته! في هذا الخطاب، خطاب الوداع، أو وصية راحل كبير، لخص السادات، تجربته المريرة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وكذلك الجماعات الإسلامية، فبعد أن أخرجهم من السجون وفتح لهم الجامعات، وسمح لهم بممارسة جميع أنشطتهم الثقافية والاجتماعية والنقابية، ظناً منه أن إخراجهم من حالة السرية إلى حالة العلانية، وتركهم يعملون من دون تضييق، أو مطاردة، سوف يغيّر من طبيعتهم الملتوية، والتي أدمنت العمل السري، والتآمر، والانقلاب على من أكرمهم. أدرك السادات، رحمه الله، بخبرته، وتجربته العميقة في العمل السياسي، ومعايشته لهذه الجماعة منذ العهد الملكي - حين بدأت جماعة الإخوان تمارس السياسة بكل أساليبها غير الأخلاقية، أدرك أنها، وكل الجماعات الإسلامية المنبثقة والمشابهة لها في أيدلوجيتها - تمثل خطراً على هوية الدولة المصرية، وعلى كيانها، ووحدتها الوطنية، لأن هذه الجماعات تُعلي الجماعة فوق الأمة، والتنظيم فوق الدولة. وليس من المبالغة، القول…

إنها مدرسة محمد بن زايد

الجمعة ٠٢ سبتمبر ٢٠١٦

الداخل إلى قصر البحر العامر في أبوظبي يأسره عبق جميل، تُجلّله روح زايد الخير، طيّب الله ثراه. تستحضر أركانه وساحاته عن بانيه أجمل الذكريات. وكأن تلك المواقع تقول: هنا كان يجلس القائد المؤسس، وهنا كان يلتقي أبناءه وزواره، ومن هنا كانت تنطلق كلماته البسيطة في ألفاظها، العميقة في معانيها ودلالاتها. هنا ترسخت قيم القيادة ومفاهيمها ومبادئها. وهنا مدرسته التي تخرج فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، امتداداً لنهج القائد الخالد، يحمل صفات الأب القائد، في صورته ومعناه. وهنا كذلك، يُسطِّر التاريخ مجداً جديداً، اسمه محمد بن زايد. إن استحضرت زايداً، ذكرته، وإن رأيت محمداً، ذكرت زايداً. محمد بن زايد، مثال رائع، يؤكد على خصوصية العلاقة بين شعب الإمارات وقيادته، هو عشق متبادل، هو الولاء مع الحب المطلق. لا تجد في هذا الوصل رياء ولا خوفاً. وذلك سر محمد بن زايد ومكانته الفريدة في القلوب. يأسرك بقيمه الإنسانية وأخلاقه النبيلة. مجلسه يقدم دروساً بليغة في الألفة والتواضع. سيّد المجلس يدور بنفسه على ضيوفه وزواره لمصافحتهم، في مشهد إنساني مفعم بالحب والاحترام والمودة. يسأل كل فرد عن حاله وحال أسرته، ولا يستعجل في الانصراف عنه، رغم الحشد الهائل من مرتادي هذا المجلس. العلامة البارزة محياه ووجهه الكريم، سعادة غامرة وفرح بهذا الجمع الذي يحتشد للقائه كل أسبوع. أما الحضور في مجلسه،…

التبشير بالتكفير

الأحد ٢١ أغسطس ٢٠١٦

كان مشهداً مقرفاً وكريهاً لداعية الكراهية الإخواني، وهو ينال من العالم المصري المرحوم الدكتور أحمد زويل وينعته بالكفر والخروج من الملّة، وعدم جواز الترحم عليه، بل وجواز لعنه! إنها الجرأة على الله في أبشع صورها. حديث هذا المهرّج كان مشحوناً بالحقد والكراهية مع النشوة في السباب والقذف، وكأنه إنما يسوق البُشرى لمشاهديه ومستمعيه. هذا الأسلوب من الخطابة، وصفه الرئيس السادات رحمه الله في خطابه الأخير عام 1981 بالجرأة والبذاءة، وهما صفتان تنطبقان تماماً على هذا البذئ وأمثاله، وما أكثرهم! ليس فقط من تنظيم الإخوان، بل ومن كل الجماعات التي تتستر بالدين، وتتخذه مطية لخدمة أغراضها الخاصة، وأجندتها المشبوهة. أو تلك التي تدّعي أنها الفرقة الناجية، وتحكم بالهلاك على من سواها. جريرة زويل رحمه الله - والتي استحق بها التكفير - في نظر داعية التكفير، في أنه كان من الأفذاذ الذين تفوقوا في مسيرتهم الأكاديمية والبحثية، وأصبح مرجعاً عالمياً في تخصص الكيمياء، وتوّج كفاحه العلمي بالحصول على جائزة نوبل. أما صاحبنا البائس، فكل مؤهلاته وإنجازاته، حنجرة قبيحة، سخرها للفحش والبذاءة، ونشر التحريض والكراهية. وهو وأمثاله عالة على هذا الغرب الكافر، يطير إلى دوله للعلاج، ويرسل أبناءه للدراسة في معاهدها وجامعاتها، بل إن كل ما يستهلكه ويلبسه هو من صنع من يسميهم بـ «الكفار»، ولو منع منه هذا الغرب «الكافر» ما يستهلكه…

أحمد خليفة السويدي قامة وطنية شامخة

الأربعاء ١٠ أغسطس ٢٠١٦

هكذا العظماء، أينما كانوا، تسبقهم سمعتهم الطيبة، وسماتهم الرائعة وأخلاقهم النبيلة. وفي وطني الإمارات، عديدون تخرّجوا من مدرسة زايد الخير، طيّب الله ثراه. رافقوا القائد المؤسس قبل ميلاد هذا الوطن العزيز وبعده. ولك أن تتصور مدى التأثير المذهل الذي يمكن أن تحدثه ملازمة قادة مثل الشيخ زايد، وكذلك أولئك الذين شاء القدر أن تقترن مسيرتهم بالشيخ راشد، طيّب الله ثراه. شخصيتنا الفذة، أحمد خليفة السويدي، حظي بما لم يحظ به كثيرون من أبناء جيله؛ حيث الرُفقة الدائمة للقائد المؤسس، والمشاركة الفعلية في بناء مؤسسات إمارة أبوظبي قبل الاتحاد، وكذلك الإسهام بفاعلية في تأسيس كيان الاتحاد عام 1971 وبناء مؤسساته بعد ذلك التاريخ. في مقابل تلك الحظوة الفريدة للسويدي، والدور الرائد الذي أدّاه، كانت هناك -بلا شك- تضحيات جسام، وتحديات كبيرة، واجهته، وواجهت جيل المؤسسين لبناء هذا الصرح الشامخ الذي نستظل به اليوم بكل عز وفخر. عندما سعدت بزيارته والتقيته منذ أيام في مجلسه في العاصمة البريطانية لندن، كان مجلسه - كما هي الحال في أبوظبي أو في العين - عامراً بوجوه من مختلف الأطياف والجنسيات والثقافات، في مشهد يعكس طبيعة مجتمع الإمارات المتنوع، الثري بتعدده، المعتز بخصوصيته. وهي الطبيعة التي تترجم روح التعايش والتسامح السائدة في الدولة كنموذج إنساني قلّ نظيره. في زمن مشحون بالنزاعات والصراعات الإثنية والطائفية البغيضة. مسيرة…

إنه تحالف الشرفاء المستمر

الأحد ٢٦ يونيو ٢٠١٦

اللغط الذي أثير حول موقف دولة الإمارات واستمرارها في التحالف العربي ما كان إلا صنعة المشككين والمتربصين، وما أكثرهم! تلك أمانيهم المستحيلة وآمالهم البائسة، هذا اللغط يفتعله المرجفون ويروجونه، وعلى مر التاريخ تجد مثل هذه الأصوات النشاز محاولة وقف تجارب النجاح ومسيرة الخير الإنسانية، والإمارات بإنجازاتها ومكانتها على الصعد الوطنية والعربية والإنسانية مرشحة لنيل تلك السهام المشككة. منذ البداية، لم يكن انضمام دولة الإمارات للتحالف العربي بقيادة السعودية نزوة عابرة، أو مغامرة سياسية غير محسوبة، وإنما كان التزاماً أخلاقياً يعكس الموقف المبدئي لها، وقد جاء استجابة لنداء الشرعية اليمنية واستغاثتها التي أطلقها الرئيس عبد ربه منصور والحكومة الشرعية في مارس سنة 2015، وأسست لها المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، لم يكن الحزم العربي، الذي كانت الإمارات قلبه وأذرعه، بقيادة السعودية الشقيقة إلا من أجل استقرار اليمن واستمرار منجزاته. كما لم تكن إلا التزاماً بالشرعية الدولية ممثلة في قرارات مجلس الأمن. من هنا، جاءت المشاركة الإماراتية في اليمن ترجمة حقيقية لمبادئ الدولة ومثلها منذ قيامها في نصرة الأشقاء في الأزمات والمحن، نذكر بكل اعتزاز موقف القائد المؤسس الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، أثناء حرب أكتوبر عام 1973، وصيحته الرائعة التي صارت روحاً وصيحة عربية واحدة «إن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي» تجمع العرب مهما تفرقوا. كذلك حضور القوات الإماراتية…

تسع دقائق في جنازة محمد علي

الأحد ١٩ يونيو ٢٠١٦

عالمياً وبلا منازع، كان خبر وفاة أسطورة الملاكمة العالمي محمد علي الأبرز في هذا الشهر. أما جنازته التي وصفها البعض بجنازة القرن، فإذا شئنا لها عنواناً فهو «الوحدة الإنسانية». رغم أنها مشهد موت وتشييع ميت، إلا أنه كان حافلاً بالحياة ومعانيها، باخضرار التنوع الإنساني ومظاهر جماله وتسامحه بين المتحضرين المتحابين رغم اختلاف الدين والعرق واللون. تحولت الجنازة إلى «احتفالية» بعمق إنساني محب ورائع، جسّد الراحل «كلاي» فيها حياً وميتاً رمزاً للأخوة الإنسانية من عفو ومحبة وتسامح. وهكذا أقبل عليه العالم مودعين له، زعماء وقادة ونجوم للفن والرياضة ورجال دين وطوائف من كل مكان. لم يتفجر المشهد عن معاني القبول بـ«الآخر»، بل تجاوزها إلى محبته، والاندماج فيه، التف الجميع حول محمد على حياً وميتاً جسداً وروحاً، مثالاً ومعنى، نال إعجاب الجميع وتقديرهم. من هنا، توافد مئات الألوف لتشييعه إلى مثواه الأخير، لوداعه مثالاً ورمزاً للوحدة الإنسانية والسماحة الدينية، كما تابعت مئات الملايين في العالم مشهده عبر الأقمار الصناعية. كانت مناسبة لذكر وتذكر ما مثله الفقيد من مناقب ومثل. تحدث المتحدثون، لكن ليس عن إنجازاته الرياضية المبهرة، وإنما عن الجوانب الإنسانية الرائعة، ومواقفه المبدئية الثابتة، والتي أحدثت تحولاً كبيراً في المشهد السياسي في الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الأفارقة الأميركيين، وعن النموذج الأخلاقي في التعامل مع المختلف، مهما كان. مصدر إلهام…

هكذا يبدأ التطرف

الأحد ٢٩ مايو ٢٠١٦

كان جدلاً عقيماً وسقيماً، ذلك الذي أثير وشاع حول الاحتفال بـ«حق الليلة» أو ليلة النصف من شعبان منذ أيام، حيث اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي - تلك الأدوات الرائعة في التواصل والمعرفة - بعبثية تصل إلى درجة الفضيحة. بين اناس بسطاء اعتادوا على الاحتفال بهذه المناسبة وتوزيع الحلوى على الأطفال كل عام، وبين فتاوى التشدد وأبطالها في المعركة «الغلط». اعتاد سكان هذه البلاد وغيرها من البلدان العربية والإسلامية منذ عقود، وربما قرون من الزمن، الاحتفال بهذه المناسبة، دون هذه الضجة الغريبة، وذلك الحشد الفارغ. المشكلة في تصوري ليست في هذه المسألة بعينها، وإنما في ثقافة التشدد التي نشأ عليها البعض، ممن ضاق بهم الأفق، وضاقت بهم عقولهم القاصرة وأفكارهم البالية. يرون في كل جديد أو مستحدث بدعة ضالة! لا يفرقون بين ما هو ديني، أو إرث اجتماعي أو إنساني. رؤيتهم البائسة حبيسة لقراءتهم المبتورة، وفهمهم السقيم لبعض النصوص الدينية واختزال معانيها ودلالاتها. مع هذا الفكر المتشدد، يبدو طبيعياً إثارة أسئلة تنم عن فكر ضيق منغلق، يضيق بالخلاف، ولا يؤمن بتعدد وجهات النظر، ومعه كذلك، ينمو فكر الإلغاء، ويتطور إلى التهميش والإقصاء، ومآله الأخير إلى التكفير والتفجير. ليس غير مسلسل «فكري» بغيض، ونموذج سيئ لفكر غير إنساني. والذي يفترض مع السوي منه أن يقبل بتعدد الآراء وتنوع الأفكار، يقبل بالخلاف، بل ويرحب…

نعم للصحوة الوطنية

الأحد ١٥ مايو ٢٠١٦

تبدو قصة الإماراتي مبارك المهيري العائد إلى حضن الوطن، بعد رحلة مع التنظيم الإخواني المتطرف، مثيرة بكل المقاييس. فهي تتحدث عن مواطن مغرر به، دخل في حبائل وشباك تنظيم سري بائس، وغرق فيه لعقدين من الزمان، ثم تحول لرافض وكاشف لهذا التنظيم مغادر له. صحوة مبارك «الوطنية» هي الصحوة الحقيقية، بخلاف ما يسمى بـ«الصحوة الإسلامية» المسيّسة و«المخدرة» التي جرفت بآلاف الأفراد وغسلت أدمغتهم، وأدخلتهم في متاهات مرعبة، وشوهت الدين حقيقة وصورة في الشرق والغرب معاً. الصحوة الوطنية ضمير حي يعود للوطن والأهل كما تعود لصحيح الدين، بعيداً عن هذه الغيبة أو المتاهة وجماعات «الصحوة» الخادعة التي راجت في العقود الأخيرة من القرن الماضي في العالمين العربي والإسلامي، ثم انتقلت عدواها إلى العالم بأسره، فكانت مثل السرطان الذي انتشر في جسد الأمة المنهك، وأدت بها إلى شفير الهلاك والانهيار. انتعش سوق تلك «الصحوة»، وراجت بضاعتها الفاسدة بعد هزيمة 1967 وتبخر الحلم العربي، وتراجع مشروعه القومي، حيث انتهى بفشل ذريع في «تحقيق أي من وعوده الأيديولوجية بالحرية والتحرر، والتحرير للأرض المحتلة، أو الوحدة» كما ذكر الصديق الدكتور هاني نسيرة في مقاله الرصين حول إشكالية الصعود الأصولي وأزمة التيارات المدنية بالشرق الأوسط الإثنين الماضي. ولعل الانتعاش الأكبر والبلاء العام لتلك «الصحوة» المشؤومة كانا بعد ثورة الخميني في إيران عام 1979، حيث التقى الإسلام…

«الإسلاموفوبيا» عنصرية معاصرة

الأحد ٠٨ مايو ٢٠١٦

يعرف قاموس أكسفورد مصطلح «الإسلاموفوبيا» بكراهية الإسلام والمسلمين، أو التحامل عليهم، خاصة كقوة سياسية، وقد انتشر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الهجمات الإرهابية، التي وقعت في الولايات المتحدة في سبتمبر عام 2001، وما تبع ذلك من عمليات إرهابية وانتحارية خلطت كثيرا بين الدين الإسلامي والإرهاب نتيجة تأويل منحرف ومتطرف له من بعض منسوبيه، وكذلك سوء فهم، متعمد أو غير متعمد، من أنصار الإسلاموفوبيا. من هنا، عقد مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، الأسبوع الماضي، ندوة كبرى حول «الإسلاموفوبيا»، باعتبارها ظاهرة خطيرة تجتاح العالم وخاصة في أوروبا وأميركا، شارك فيها عدد كبير من السفراء والدبلوماسيين، وشهدت حضوراً إعلامياً غربياً لافتاً. وهو ما يعد دلالة واضحة على الاهتمام المتزايد بتداعيات هذه الظاهرة ومظاهرها الصاعدة، على الدول الغربية ومنظومتها السياسية ونسيجها الاجتماعي. تم عقد الندوة بمناسبة مرور خمس سنوات على صدور قرار مجلس حقوق الإنسان 16/‏18 بشأن مكافحة التعصب، والقولبة النمطية السلبية، والوصم والتمييز، والتحريض على العنف وممارسته ضد الأشخاص على أساس دينهم ومعتقدهم، ورغم أن هذا القرار كان خطوة هامة للحد من التمييز والكراهية بسبب الدين والمعتقد إلا أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» استفحلت في هذه السنوات الأخيرة بشكل كبير، وزادت معها معاناة الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في الغرب. أكد المتحدثون على هذه الحقيقة، وذكر…