د. حنيف حسن
د. حنيف حسن
رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي منذ العام 2014، وزير سابق، وأكاديمي، وكان مديراً لجامعة زايد.

نعم للصحوة الوطنية

آراء

تبدو قصة الإماراتي مبارك المهيري العائد إلى حضن الوطن، بعد رحلة مع التنظيم الإخواني المتطرف، مثيرة بكل المقاييس. فهي تتحدث عن مواطن مغرر به، دخل في حبائل وشباك تنظيم سري بائس، وغرق فيه لعقدين من الزمان، ثم تحول لرافض وكاشف لهذا التنظيم مغادر له.

صحوة مبارك «الوطنية» هي الصحوة الحقيقية، بخلاف ما يسمى بـ«الصحوة الإسلامية» المسيّسة و«المخدرة» التي جرفت بآلاف الأفراد وغسلت أدمغتهم، وأدخلتهم في متاهات مرعبة، وشوهت الدين حقيقة وصورة في الشرق والغرب معاً.

الصحوة الوطنية ضمير حي يعود للوطن والأهل كما تعود لصحيح الدين، بعيداً عن هذه الغيبة أو المتاهة وجماعات «الصحوة» الخادعة التي راجت في العقود الأخيرة من القرن الماضي في العالمين العربي والإسلامي، ثم انتقلت عدواها إلى العالم بأسره، فكانت مثل السرطان الذي انتشر في جسد الأمة المنهك، وأدت بها إلى شفير الهلاك والانهيار.

انتعش سوق تلك «الصحوة»، وراجت بضاعتها الفاسدة بعد هزيمة 1967 وتبخر الحلم العربي، وتراجع مشروعه القومي، حيث انتهى بفشل ذريع في «تحقيق أي من وعوده الأيديولوجية بالحرية والتحرر، والتحرير للأرض المحتلة، أو الوحدة» كما ذكر الصديق الدكتور هاني نسيرة في مقاله الرصين حول إشكالية الصعود الأصولي وأزمة التيارات المدنية بالشرق الأوسط الإثنين الماضي.

ولعل الانتعاش الأكبر والبلاء العام لتلك «الصحوة» المشؤومة كانا بعد ثورة الخميني في إيران عام 1979، حيث التقى الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي في مشروع تخريبي يدمر الأوطان، وينشر البؤس والشقاء في كل مكان. والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى. والحرائق المشتعلة في المنطقة بأسرها هي ثمرة من ثمار هذا المشروع المخرِّب.

صحوة مبارك «الوطنية» صاحبتها تعليقات هامة حول خطورة الفكر «الإخواني» المضلل. وحملت تحذيرات جادة للأفراد من الانجرار وراء شعارات هذا التنظيم أو الانخداع بمبادئه غير الوطنية وغير الإنسانية على السواء. أهمية تلك التعليقات في أنها صدرت من منتم للتنظيم السري للجماعة وعارف بطرائقها وأساليبها في طمس الانتماء الوطني للمنتسبين إليها.

وقد بين كذلك مظاهر الخيانة للوطن بالولاء لغيره والإساءة إلى قادته ورموزه في منهج غريب وشاذ، لم يعتد عليه مواطنو هذه البلاد الذين يعتزون بانتمائهم الوطني، ويشكلون مع حكامهم وقادتهم أسرة واحدة، هي قمة في التلاحم وآية في التراحم.

نستخلص كذلك من هذه الصحوة الوطنية أن مثل هذا الفكر الشاذ الذي يتبناه تنظيم الإخوان لا يخترق إلا العقول الفارغة، فاقدي أو ضعيفي المناعة الفكرية والوعي الوطني اللازمين للوقاية من فيروس هذا التنظيم، هؤلاء الأفراد لديهم القابلية والاستعداد للانضمام إلى تنظيمات متطرفة.

ولعل أحد أهم أسباب تغلغل الفكر «الإخواني» هو اختراقهم الممنهج، ومنذ عقود طويلة، لمنظومة التعليم الديني بخطاب ديني جاذب للشباب ومثير للحماس والعواطف.

ويأتي الإعلام بشقيه التقليدي، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ليقوم بالدور الأهم في التغرير بالشباب واستقطابهم للتنظيمات المتطرفة والإرهابية. وقد كان ولا يزال تنظيم داعش نشطاً في حملاته الدعائية بشكل لافت.

نذكر في هذا السياق، ما أورده سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في ملتقى «مغردون» والذي عقد أخيراً بالرياض من أن داعش أصدر تغريدات بلغت 90 ألف تغريدة يومياً، تعيث فسادا في فضاء رأي كفله «تويتر». يستدعي هذا الرقم المرعب أن يواجه بحملات وقائية ومضادة لكشف عوار هذا التنظيم وأمثاله.

وهو ما يتطلب استراتيجية واضحة وطويلة المدى، يعمل فيها الشركاء المعنيون من مؤسسات إعلامية ودينية وتعليمية واجتماعية لحشد طاقاتها ومواردها لهذه المعركة الفكرية مع قوى الشر والكراهية والظلام.

المصدر: البيان