خالد السيف
خالد السيف
كاتب و باحث سعودي

السافل مَن باع الدِّين بالتّين!

الإثنين ١٧ ديسمبر ٢٠١٢

«كانَ مالك بن دينارٍ يمشي في سوقِ البصرةِ فرأى التينَ فاشتهاهُ، ولم يكن معهُ نقودٌ، فخلعَ نعلَه وأعطاهُ لبائع التينِ فقالَ: لا يُساوي شيئاً. فأخذ مالك نعلَه وانصرفَ. فقيل للبائعِ إنه: مالك بن دينار. فملأَ البائعُ طبقاً من التينِ وأعطاهُ لغلامِه، ثم قالَ له: اِلحق بمالك فإنْ قبلَهُ منكَ فأنتَ حُرٌّ… فعدا الغلامُ وراءَه، فلمّا أدركَهُ.. قال له: اقبلْ منّي، فإنّ فيه عتقي. فقال مالك: إن كانَ فيه تحريرُكَ فإنّ فيه تعذِيبي. فألحَّ الغلامُ عليه. فقال مالك: أنا لا أبيعُ الدِّينَ بالتّينِ، ولا آكلُ التينَ إلى يومِ الدِّين». ولقد سُئلَ ابنُ المباركِ عن سفلةِ الناسِ، فقال: «الذي يأكلُ بدينِه». وقالَ ابنُ مهران: «وضعوا مفاتيحَ الدّنيا على الدنيا فلم تنفتِح؛ فوضعوا عليها مفاتيحَ الآخرة فانفتحت». وليرحم الله ُ تعالى مطرف بن عبدالله حيثُ قال: «إن أقبحَ ما طُلبت به الدُّنيا عملُ الآخرةِ». وما أجمل الذي قاله: مصعبُ بن عبدالله الزبيري في شأنِ: أحمد بن حنبل: «.. ومَن في وَرَعِ أحمد؟ يرتفعُ على جوائزِ السّلطان حتى يُظنّ أنه الكبرُ ويُكرِي نفسَه الجمّالين حتى يُظن أنه الذّل… ولم يقض لنفسِه ما قضيناه ُمن شهواتٍ» بينما قال أحمدُ عن نفسِه: «أريدُ أن أكونَ في بعضِ تلك الشعاب حتى لا أُعرَف، قد بُليتُ بالشهرةِ؛ إني لأتمنى الموتَ صباح َمساء». آهٍ.. فكيف لو أدرك هؤلاء الأئمةُ…

يا «الهتلان» حدّثنا عن «دبي» الإنسان!

الأربعاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٢

لئن قلتُ: إنّ «دبي» ما مِن أحدٍ بعد عامنا هذا باتَ يجهلُ بؤرة موقعها: «الجغرافي» مِن العالم الصاخب استثماراً، ذلك أنّها قد أضحت ملء السمع والبصر مِن كلّ أحد، لئن تفوّهت بما مضى فما أحسبني قد قلتُ شيئاً ذا بالٍ يُمكنه أنْ يكون كلاماً لافتاً أو يكترثُ له!، وبخاصةٍ أنّهُ قد قُدّر عليَّ الكتابة في صحيفةٍ لم يدع فيها المتألقُ يوميّاً: «سليمان الهتلان» موضع بياضٍ إلا وقد دلق فيه قنينة حبرهِ مُطنباً في الثناءِ على معشوقته: «دبي»، وليسَ ثمّة تثريب فيما يجترحهُ ذلك أنّه يعيشُ سكْرةَ هيامٍ مِن شأنها -بداهةً- أن تضطرهُ وَلَهاً إلى أن يقولَ في: «دبي» وهي جديرةٌ، ما عجزَ: «مالكٌ» عن قولهِ في الخمر!. وهو الأمر الذي يأخذني إلى منعرجاتِ التّيه (جغرافيّاً) وذلك كلّما أنجزتُ القراءة لبعض من مقالات الدكتور: «الهتلان» المدبجة في الحبيبة: «دبي» إذ أروحُ من حينها أُقلقُ كلّ من حولي بسؤالٍ هذه صيغته: هل محافظة: «سراة عبيدة» تقع فيما بين الشارقة وبين دبي؟! عذراً فجغرافيتي (مش ولا بد) بحسباني واحداً من المتخرجين في: «المعهد العلمي» وكانت العناية فيه جغرافياً لصادرات: «البرازيل» إذ اكتشفنا حينها أن: «البرازيل» ليست: «بلد كورة» وبس!. ومهما يكن من أمرِ عشق الدكتور: «الهتلان» لجميلته: «دبي»، فإنّ من زعم بأنّ: «دبي» قد غدت قبلةَ من لا قبلةَ له، لا أحسبه قد…

القاضي.. حين يُضطرُّ لمدحِ نفسهِ!

السبت ١٣ أكتوبر ٢٠١٢

وَلَّى: «يحيى بنُ أكثم» قاضياً على أهلِ: «جَبلة» فبلغَ هذا الأخيرَ أنّ: «الخليفةَ الرشيد» قد انحدرَ إلى البصرة، فقال القاضي لأهلِ: «جَبلة» إذا اجتازَ: «الرشيد» هَا هُنَا فاذكروني عندَهُ بخيرٍ، فوعدوه بذلك. غيرَ أنّهم أخلفوه الموعدَ، إذ لمّا جاءَ: «الرشيدُ» ناحيَتهُم تقاعدوا عنه ولم يكن له ذكرٌ بالمرّةِ. فما كانَ مِن: «قاضي جبلة» إلا أنْ سرّحَ لحيتَهُ وكبّرَ عِمّتَهُ، وخرجَ فرأى «الرشيد» في «الحَراقةِ» ومعه «أبو يوسف قاضي القضاة» فقالَ قاضي جبلة مِن بعدِ ما غيّر سحنتَهُ-: يا أميرَ المؤمنين ..نِعْمَ القاضي :«قاضي جبلة» عَدلَ فينا..وفعل كذا وكذا.. وجعلَ يُثنِي على نفسِهِ كثيراً بكلّ ما يُمكِنُ أنْ يُمدحَ به قاضٍ! فلما رآهُ:«أبو يوسف» حتى عَرفَهُ فضحِكَ كثيراً. فقال له «الرشيدُ»: مِمّا تَضحك؟ فقالَ «أبو يوسف»: يا أميرَ المؤمنينَ.. إنّما كانَ المُثْني على القاضي هو القاضي نفسُهُ!. فما كانَ من: «الخليفة هارون الرشيد» إلاّ أنْ راحَ في نوبةٍ مِن ضحكٍ فَحَصَ على إثرِها الأرضَ برجلِه مِن شدّةِ نوبةِ ضحكهِ!! ثم أمر بعزلِ: «قاضي جَبلة» فَعُزِلَ. وقال الرشيدُ في حقّهِ: لا يَلِيَ لنا من الأمرِ شيئاً بعد اليوم. ألم يكن الأولى بالأخ: «هارون الرشيد» أنْ يتريّث قليلاً مِن قبلِ أن يتّخذ مثلَ هذا «القرار» الذي لم يسلم من غائلة: «التّعسفِ» تلك التي كانَ مِن شأنِها إلحاقُ الضّررِ بمستقبل «قاضي جبلة» الوظيفي! والقضاءَ…

محمد حسين فضل الله.. هل ماتَ أو قُتِل؟!

الإثنين ٠٦ أغسطس ٢٠١٢

ما مِن ْ أحدٍ يمكِن أنْ يُضاهي: «محمداً باقر الصدر» إنْ لم يكُن قَد بزّهُ في مواطنَ كثيرةٍ مثلَ: «محمد حسين فضل الله» غيرَ أنّ هذا الأخيرَ ليسَ له تلاميذٌ يقومون به!. تلكَ عبارةٌ تَمّت استعارتُها فيما قَد قيلَ قبلاً في شأنِ الإمامِ: «الليث بن سعد» فقيهِ مصرَ الذي هو أفقهُ من الإمام: «مالك بنِ أنسٍ»؛ إذ كان الإمام الشافعي يقول: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ». وقولةُ الشافعيُّ المسدّدةُ هذهِ مِنْ شأنها أن تستوعِبَ خبرَ السياسيّ -خلافةً- إذْ تبنّت فقهَ مالكٍ وبقيّةِ الأربعةِ حيثُ كانَ للخليفة/ السلطةِ أثرها في أمرِ شيوعِها وعدم اندثارِها. ولنعُدْ ثانيةً إلى العلامةِ محمد حسين فضل الله في سياقٍ من سؤالٍ لم أظفرْ بعدُ له عن إجابةٍ وأجْمِلُهُ على هذا النحو: هلْ الموتُ وحدَه هو الذي غيّبهُ؟! ذلكَ أنّهُ ما إنْ ووريَ جثمانَهُ في قبرِهِ وانفضّ مشيعوه حتى ألفيناهُ نسْياً منْسيّاً وكأنّهُ لم يكنْ ذلك: «المرجعُ» الذي ملأ الدنيا وشغلَ الناسَ بوصفه: «مجدّداً»! ويتضخّمُ استفهامُنا تعجّباً إذا ما عرفنا يقيناً بأنّ: «الموتَ» قد جاء على مراجعَ كُثر، وهم بالضرورةِ أقلّ منه في: «مشروعاتِه التجديدية ومراجعاته التي تأتي في خير الأمة الإسلامية» وعلى الرغمِ من كونهم دونه بكثيرٍ إلا أنّهم ما زالوا بعد أحياء!. وبسببٍ من هذا: «الغيابِ السريعِ» الذي -بالبداهةِ- لا…