محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

ما بعد الأيام….

الإثنين ٢٦ فبراير ٢٠٢٤

في القاهرة بحثت عن كتابين من النشر القديم (الجديد)، سمعت أنه أعيد نشرهما، الأول لسلامة موسى (هؤلاء علموني)، وهو كتاب فيه من الوفاء للمعلمين الحقيقيين والافتراضيين، ما يجل العلم ويعلي مكانته، والثاني هو (ما بعد الأيام) لمحمد حسن الزيات، حول سيرة طه حسين، وجدت الأول بسهولة نسبية، أما الثاني فكان صعباً الحصول عليه، حتى من أحد الأصدقاء بنسخة إلكترونية. المقال عن الكتاب الثاني، والمؤلف هو محمد حسن الزيات، وقد عمل في أكثر من موقع رسمي في الدولة المصرية الحديثة، حتى وصل إلى وزير خارجية، وقد تتلمذ على يد طه حسين، وتزوج ابنته أمينة، وكان أميناً لأستاذه الذي صاحبه لتسعة وثلاثين عاماً، لم يكن غريباً عن عائلة طه حسين، فقد كان أخوه الأكبر أحمد حسن الزيات، رفيقاً لطه حسين في الأزهر. ما بعد الأيام، هو إعادة زيارة لمسيرة وأفكار طه حسين، والذي يقول المؤلف إن أفكاره ما زالت مرحباً بها من جهة، ومنتقدة من (حراس الضمائر) من جهة أخرى، كما هي أفكار الكبار. قراءة الكتاب متعة بحد ذاتها، لأنها تضيء مسيرة الرجل الذي حرم من نور العين، فتلقى نور العقل. طه حسين عادة يلقب بعميد الأدب العربي. ربما في عصره (النصف الأول من القرن العشرين) كان الأدب يعني كل شيء مكتوب، إلا أنه في الحقيقة رجل الاجتماع السياسي الأول في الثقافة…

عذابات الهوية!

الإثنين ١٩ فبراير ٢٠٢٤

في الأسبوع قبل الماضي، عقد منتدى التنمية الخليجي، وهو تجمع من بنات وأبناء الخليج المهمتين بدراسة قضايا التنمية، وهو أهلي وغير سياسي، عقد لقاؤه الثاني والأربعون في الرياض، وكان العنوان المطروح للنقاش هو (مجتمع المعرفة والثقافة والتنمية)، وقدمت فيه مجموعة من الأوراق البحثية المتميزة، متوافرة لمن يرغب في الشبكة العنكبوتية. في العادة يدور نقاش بين الحضور في القضايا المطروحة، وسار النقاش في الهوية، هل يمكن الاحتفاظ بكل عناصر الهوية في وضع العالم اليوم المتأثر ببعضه بعضاً، وأيضاً الولوج إلى العصر الحديث في الوقت نفسه؟ لفت النظر أحد الزملاء الذي قال (إن اليابان وكذلك الصين) احتفظت بكل عناصر هويتها، وأيضاً دخلت العصر بكل ما يتطلب من حداثة، هذه الفكرة ليست خاصة بالزميل، وهو مثقف معروف، ولكنها تكاد تكون عامة بين شريحة واسعة من المثقفين والمتعلمين العرب! وتكاد تكون مسلمة لا جدال حولها! أن الهوية (ثابتة لا تتغير)! إلا أنها بعيدة عن الحقيقة، فكل من اليابان والصين وكوريا الجنوبية، وكل الدول والمجتمعات التي حققت التنمية والحداثة، تخلت عن هامش وازن من ثقافتها التقليدية، وفي العموم تبنت ممارسات واسعة جاءت من الخارج فيها الكثير من التفصيلات، وهي بشكل عام فكرة (إقامة الدولة المدنية القانونية بمؤسساتها)، والقانون هنا لا يفرض من فوق، بشري أو إلهي، بل هو قانون أو قوانين صادرة عن الناس، ومحققة…

نحن لا نشبه الآخر!

الإثنين ٢٢ يناير ٢٠٢٤

كثيراً ما جال بخاطري سؤال هو، هل قيمة التسامح خارجة عن نطاق الثقافة العربية، أم أنها هناك مهملة في الصف الخلفي من ثقافتنا، وتستبدل في عصرنا بالكراهية؟ كثير منا يبني رأيه عن شخص (رجل أو امرأة) من خلال الشكل فقط، فإن كان مظهره كرجل ملتحياً، أو امرأة محجبة، يتم إصدار الحكم عليه أو عليها من خلال الشكل، فقد يكون رجلاً يوثق به للبعض، أو تكون نقية طاهرة، وللبعض الآخر شخصية تثير الشكوك، وعلى العكس من ذلك فإن كان الرجل حليقاً والمرأة سافرة، قد يراه البعض أو يراها غير ذي ثقة، ويرى آخرون أنه الرجل أو المرأة التي تستجلب الثقة. كلا الحكمين معياريان من الخارج قد يوصلان إلى نتائج سلبية. في التراث الأدبي العربي، (الرجال مخبر لا مظهر) وكذلك النساء، فلا يجوز التسرع في إعطاء أحكام معيارية لأشخاص من خلال المظهر الخارجي، وقد جاء القرآن بتقريع لمثل هذا النوع من الأحكام في قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى)، رغم هذا التوجيه العظيم، إلا أن الثقافة السائدة لم تستوعبه، لذلك جاء في الشعر العربي باب (الهجاء) أو (المديح) المرسل من أكثر الأبواب غنى، مقارنة بالثقافات العالمية الأخرى. فنسمع شاعراً يقول (لنا الصدر دون العالمين أو القبر)، وآخر يقول (غض الطرف إنك من نمير، فلا كعباً بلغت ولا…

هل ما يحدث في الكويت يخصها وحدها؟

الثلاثاء ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٣

المتابع لأحداث الإقليم الخليجي يلحظ حراكاً غير مسبوق على الصعيد السياسي، بعد وفاة المرحوم الشيخ نواف الأحمد، وتولي الأمير مشعل الأحمد زمام الدولة. لقد تابع كثيرون خطاب الشيخ مشعل في جلسة القَسَم، 20 ديسمبر، وما تلاها من رمزيات بعد ذلك مباشرة، كما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتوقعات، لا يخلو كثير منها من (أجندات) مختلفة، بما فيها البيان أيضاً غير المسبوق من بعض أعضاء مجلس الأمة القائم حتى الآن. الأسابيع القادمة سوف تظهر لنا الكثير مما هو حتى الآن (مجرد رؤوس أقلام)، أما التفاصيل فينتظرها الجمهور الكويتي والخليجي على الأخص، شاخصة عيونهم على أحداث الكويت، وبعضها غير مسبوق، لا في لهجة النطق السامي ولا في مفرداته. يحيط بالكويت تقريباً مشروعان، مشروع تنموية آخذ في التطور، ومشروع آخر يحيطه الارتباك إن لم تكن الأزمات شبه المزمنة. في جنوب الكويت مشروع متمثل في تجربة متعددة المستويات، ترنو في مجملها إلى الحداثة والمعاصرة، ومسايرة العصر، وتحقيق رفاه المجتمع، وهو ما يحدث في دول مجلس التعاون، وأما في شمالها فهناك تعثر وتبعثر يزيد من أزمات شعوب المنطقة تلك، بل وبعضها يدخل في حروب أهلية. الكويت علاقتها استراتيجية بالجنوب، بجاراتها في الخليج، كما أنها بدأت بتجربة تنموية ما زالت تذكر فتشكر، في التعليم والخدمات الصحية، والأعمال الثقافية المتميزة وأيضاً في الدبلوماسية النشيطة. كل تلك النجاحات شابها…

خوض المعركة من سفح الجبل!

الأحد ١٩ نوفمبر ٢٠٢٣

من الطبيعي عندما يشتد الخَطب أن يفقد البعض البوصلة، وحرب غزة وردّات الفعل المصاحبة لكثير من العرب أصبحت صاخبة، دون الإطلال على المشكلة من جانب التفكير العقلاني. آلة القتل الإسرائيلية ضخمة، وسلوك الحكومة الإسرائيلية المصغرة جنونيّ وإباديّ نتيجة صدمة الثقة المفرطة بالنفس. في هذه الأجواء عُقدت قمة الرياض العربية والإسلامية، السبت الماضي، وقد صاحبها صخب وصراخ من البعض، وهم في الغالب «مُنظّرو الكنبة»، وأُلقيت عليها أعباء يعرف من قال بها أنها شبه مستحيلة التنفيذ في «حفلة مزايدة» نعرفها في كل الأزمات، ولم نحصد منها غير الخسران، القمة حضرها عدد من الرؤساء ورؤساء الحكومات العربية والإسلامية، كان لافتاً فيها تأكيد التعايش بين الأطراف العربية والإسلامية، والتي كانت إلى وقت تختلف وجهات نظرها في كثير من الملفات، المسألة الفلسطينية قرّبت بين تلك الأطراف، وهي رسالة إلى الآخرين بأن هناك تعاضداً في هذا الملف من أكثر من مليار من البشر يرفض الصلف الإسرائيلي، وعدَّلت القمة مفردات أرادت إسرائيل أن تثبتها، فالحرب ليست دفاعاً عن النفس، إنما حرب إبادة، كما أشار البيان الختامي. في الجانب العملي، فإن قرار القمة بتكليف أجهزة الأمانتين «العربية والإسلامية» برصد وتوثيق كل جرائم الاحتلال، هو عمل إيجابي، فالصورة والصوت لجرائم القوات الإسرائيلية ضد النساء والأطفال والمُسنين في غزة، هما ما حرّك بعض الساحات في العالم للخروج في مظاهرات، ورفْض…

كثير من الضوء قليل من الرؤية

الأحد ١٢ نوفمبر ٢٠٢٣

في السياسة لا صوابية مطلقة، بل هناك مواقف تتخذ قد تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وأخرى إلى نتيجة سلبية، ومعركة «الوطنية الفلسطينية» مقابل «الوطنية الإسرائيلية» كما نشاهد اليوم هي معركة طويلة وقاسية بل مدمرة، وما نراه على الساحة اليوم في غزة ما هو إلا جزء منها، صحيح أنه جزء دامٍ وفي مجمله «إبادة» إلا أنه محطة من محطات الصراع، والمؤلم أن تحليل هذا الصراع، من الجانب العربي، في معظمه اقتراب عاطفي. لعل بعض القضايا الكلية تحتاج إلى إعادة تقييم موضوعي: أولاً: «ازدواجية المعايير الغربية» كثيراً ما نرى في التحليلات العربية شكوى أن هناك «ازدواجية في المعايير الغربية» بمعنى، كرامة البشر، وحق تقرير المصير، والمساواة بين البشر بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الثقافة، في الظاهر ذلك صحيح، أما في السردية «الصهيونية، التي تحولت إلى إسرائيلية» فإن ذلك يحتاج إلى وقفة، قال بها المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي في كتابه «مائة عام من الحرب في فلسطين»، إن موقف الدول الكبرى كان مناصراً دائماً للموقف الصهيوني، الذي أصبح دولة إسرائيل، بريطانيا أولاً ثم الاتحاد السوفياتي، ثم بريطانيا وفرنسا، ثم أخيراً أميركا، وما زالت هذه الدول بما فيها ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، تقوم بمد إسرائيل بأشكال من العون، سواء الإيجابي «سلاح ومال» أم السلبي «بالامتناع عن الإدانة»، وحتى القوى العالمية الجديدة مثل الصين،…

الحرب الأخرى!!

الإثنين ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٣

حرب غزة ليست الوحيدة التي تحيطنا، هناك حرب أخرى، هي الحرب الإعلامية، وهي ربما أشد ضراوة من الأولى، حيث تتدنى فيها (جودة المعلومات إلى الحضيض)، وتختلط الصحيحة بكم ضخم من المعلومات المزورة، التي تشيطن الآخر، وتظهره بمظهر المعتدي، بل والتزوير، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي. من أدوات تلك الحرب (المفاهيم)، فعند استخدام مفهوم (إرهابي) و/ أو (داعشي)، تتجه الأنظار إلى السلبي للجماعة الموصوفة، وعندما تستخدم مفاهيم مثل (الدفاع عن الوطن) أو (الحقوق الإنسانية)، تتجه الأنظار إلى تفكير إيجابي ومتعاطف. لفتني أن الجانب الإسرائيلي أكثر استعداداً لاستخدام (الحرب الإعلامية) على الجمهور العربي، خلال أولاً أشخاص يتكلمون العربية بطلاقة نسبية، كما أنهم يستخدمون التقنية في الصور وغيرها من أجل نقل وجهة نظرهم. على الجانب الآخر، تابعت المتحدث باسم الناطق لحماس باللغة الإنجليزية، فوجدته شحيحاً في التعبير، غير قادر على أن يوصل وجهة نظره إلى المشاهد، ربما هناك خطأ في الاختيار، ينم عن غفلة لأهمية الإعلام ومخاطبة الآخرين، ليس لدي معلومات ما إذا كان هناك من حماس أو حتى في السلطة الوطنية من يتكلم العبرية، ولكن ذلك مهم لإيصال الرسائل إلى الجانب الآخر، فليس المهم أن يكون الناطق (عضواً في التنظيم)، بل المهم أن يكون قادراً بكفاءة على توصيل الرسالة إلى الجمهور الآخر. على صعيد آخر، يضج معظم الإعلام العربي بعاطفة شديدة في…

مقدمات لنتائج قاتمة!

السبت ٢٥ ديسمبر ٢٠٢١

الأزمة السياسية العربية سوف تطول وقراءة الواقع حولنا يقول إن الانزلاق إلى حروب قد يكون وشيكا، ليس بين الرؤوس الكبيرة مثلا في أوكرانيا وفي مكان آخر تتناقض فيه مصالح القوى الكبرى، بل حروب محلية بالنيابة، وفي الغالب أهلية ومعظمها في منطقتنا العربية. ليس الخلاف على الإجابة عن سؤال هل تقع تلك الحروب؟ ولكن السؤال متى تقع وأين؟ لنبدأ بما أصبح حقيقة في ليبيا فالانتخابات الليبية لن تتم كما خطط لها. لم يكن ذلك خفيا منذ زمن لمن يقرأ المقدمات، ففي 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نشر كاتب هذه السطور في هذا المكان مقالا بعنوان (الانتخابات في المجتمع المنقسم) وجاء النص حول انتخابات ليبيا كالتالي: (لا يحتاج الأمر إلى منجم للقول إن الانتخابات الليبية الموعودة لن تحدث)! و ها هي لن تحدث، الأزمات القائمة تنزلق سريعا إلى حروب. الأسباب قديمة وحديثة، لقد سحق النظام الليبي السابق كل إمكانية أن يتكون مجتمع سياسي شبه سوي في ليبيا لمدة أربعة عقود، فمن تحزب خان، و قول (القائد) منزه عن أي نقد، وسار معه خوفا أو تزلفا عقول المفروض أن تكون نيرة، وزينت له دربه الزلق حتى أصبح ملك ملوك أفريقيا!، وتسابق إلى خيمته طالبو السلطة، وانتهى الأمر بفوضى مجتمعية في ليبيا تحتاج إلى معجزة لضبطها وتوجيهها في المسار الصحيح وهي القبول بالتعددية واحترام…

الخليج ليس نفطاً

السبت ١٨ ديسمبر ٢٠٢١

كان هذا عنوان كتابي الذي صدر قبل نصف قرن تقريباً. كان مناجاة للمستقبل وتمنيات لجيل كامل أن يستفاد من المرحلة النفطية من خلال الاستثمار في البشر. بعد خمسة عقود تحقق كثير من الحلم، ليس كاملاً ولكن في طريقه إلى الاكتمال. نتائج القمة الثانية والأربعين التي عقدت في الرياض الثلاثاء الماضي شاهد حي على أن الطريق أصبح ممهداً، ولكنه أيضاً ليس من دون عقبات. أبدأ بمصابيح الإضاءة على الطريق والتي أضيئت مؤخراً، وهي عدد من الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع عدد من دول الخليج في جولته الأخيرة، جلها استثمار في مشروعات تنموية، وأيضاً جلها بين نشطاء القطاع الخاص أو المشترك في تلك الدول، هذا يعني إشراك الناس وتوسيع السوق في آنٍ واحد. في ميزانيات دول مجلس التعاون بشكل عام المكون غير النفطي فيها لافت، وخاصة من نسبة المكون النفطي قبل سنوات، مما يعني أن هناك نشاطات اقتصادية داعمة خارج النفط، وهي نشاطات حديثة من بينها الصناعة التحويلية والخدمات، وأيضاً السياحة الثقافية، والأخيرة لها معنى يفوق الاقتصادي ليصل إلى الحضاري والإنساني معاً. ما ينفق من ميزانيات على المكون الاجتماعي في ميزانيات دول الخليج لافت، هنا يجب أن نتوقف، فما زالت بعض دول الخليج تحتاج إلى زيارة ملحة لقطاع التعليم والتدريب من أجل تجويده وترقيته، وهو…

جولة الرئيس الفرنسي في الخليج!

السبت ١١ ديسمبر ٢٠٢١

من السذاجة تصور أن العمل السياسي بشكل عام منزه عن المصالح الشخصية أو الوطنية، وجولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا تخرج عن ذلك. قوبل الرئيس بترحاب شخصي وبالكثير من الدعم من خلال توقيع اتفاقيات مجزية تصب في صالح دول الخليج، وأيضاً في صالح فرنسا وربما أيضاً ترجح حظوظ الرئيس في الانتخابات المفصلية المقبلة. إلا أنه من السذاجة مرة أخرى أن نتصور أن باريس أو لندن أو حتى واشنطن لا تفطن إلى التهديد الهائل الذي تشكله الطموحات الإيرانية في الجوار، ومدى تهديدها للأمن والسلم في منطقة الشرق العربية. مع فشل الجولة الأخيرة للمفاوضات في فيينا تظهر الاستراتيجية التي تعتمد عليها طهران، فهي ترى أن الأطراف الأخرى لا تملك خيارات كثيرة أو فاعلة، كما أنها تعتمد خيار كوريا الشمالية، أي من أجل الحفاظ وديمومة النظام يتوجب امتلاك القوة النووية ومع مكملاتها من صواريخ عابرة، وكل المسافة الزمنية تستخدم من أجل تقطيع الوقت، بهذا الامتلاك تعتقد طهران بقناعة كاملة أنها تحصل على بوليصة التأمين الكاملة والشاملة لنظامها. في هذا السيناريو ترى طهران أن أي عمل ضدها، وخاصة حملة عسكرية مباشر يمكن أن يطلق كل الشرور في الشرق الأوسط، يمكن أن يقوم «حزب الله» بشن غارات على إسرائيل وتتجاوب معه «حماس»، ويغرق الجمهور الإسرائيلي في وسط عملية خوف صاعقة، بل في تصور آخر للمتحمسين…

حتى لا تسقط: كأوراق الخريف!

السبت ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١

أذكر كيف كانت أسماء مثل سياف وحكمتيار وآخرين من زعماء «الجهاد» الأفغاني يحتفى بهم من بعض الجماعات في الكويت في الثمانينات من القرن الماضي، وكيف كان ذلك البعض يطوف بهم الديوانيات من أجل تزكيتهم والحث للتبرع المادي لمشروعهم الجهادي، وكيف ذهبت جماعات من أبناء الكويت تحت ذلك الشعار للجهاد في أفغانستان، وبعد أن قرأت كتاب الأمير تركي الفيصل «الملف الأفغاني» علمت في الفصل الذي خصصه لأحداث غزو الكويت في ذلك الكتاب، أن بعض تلك الأسماء انحازت من دون تردد إلى مناصرة الغزو العراقي للكويت عام 1990. في وقت سابق وفي مؤتمر قمة للدول الإسلامية في جدة، كما يذكر الأمير تركي، كان هناك توجه لإصدار إدانة لاحتلال الاتحاد السوفياتي أفغانستان، فعارضه ثلاثة، صدام حسين وحافظ الأسد وياسر عرفات، والمقارنة هنا واضحة، فإن الدول التي ناصرت كلياً جماعات «الجهاد» وبذلت الكثير من مالها وجهدها ورغم معرفة زعماء «الجهاد» بالموقف المناصر من النظام العراقي لاحتلال بلادهم في وقت ما قلبوا «موقفهم»، فانقلبوا من عداوة إلى تأييد. كتاب الأمير تركي الفيصل، الذي عرضت في مقالة الأسبوع الماضي، فيه من العبر الكثير؛ لذلك فإني أتابع وأقارن سرد الأحداث التي تناولها في محاولة لفهم الحاضر وربما توقع المستقبل. يخبرنا ملف الكتاب الأفغاني أن عدداً من الملتحقين العرب «للجهاد» في أفغانستان في ذلك الزمن أدمنوا المخدرات، وهي…

كُنْ صديقاً ذكياً لأميركا!

السبت ٢٥ سبتمبر ٢٠٢١

في مكان ما من السلوك السياسي الأميركي ما تعجب به، وفي مكان آخر ما تتعجب منه. الأسبوع الماضي شغلت عناوين الإعلام العربي والعالمي قرار الإدارة الأميركية تقليص المعونة الأميركية لمصر بسبب ملف «حقوق الإنسان»، وترى الإدارة أن ملف حقوق الإنسان في مصر ينتابه عوار يحتاج إلى إصلاح، أو الخيار عقوبة ما على البلد! ملف حقوق الإنسان ملف شائك ومعبأ بحمولة «سياسية» كبيرة، وحتى التعريف مختلَف عليه عالمياً، وليس من المناسب نقاش يذهب إليه البعض، أن هناك دولاً تخسف بحقوق الإنسان بمعناها الواسع وتتجاهلها الإدارة الأميركية، لأن أي متابع يعرف أن الموضوع برمّته فيه من السياسة أكثر مما فيه من الإنسانية، لذلك لن أذهب ذلك المذهب، حيث القول انظروا هنا أو هناك فأنتم لا تفتحوا تلك الملفات. إلا أنه يبقى التساؤل: ما المقياس المعياري لحقوق الإنسان؟ في الغالب لا يوجد! في الحالة المصرية وما حدث فيها من تحولات منذ بداية العشرية الأولى لهذا القرن ما لا يفرض الملامة على سياساتها، فقد دخلت في منخفض سياسي عميق. هناك افتراضان لا ثالث لهما؛ يسأل المراقب: أيهما أفضل نسبياً؛ أن تكون مصر التي يعيش فيها أكثر من مائة مليون نسمة، مستقرة وآمنة في طريق النمو وبعيدة عن أي نشاطات عدائية تجاه الغير أو الجوار، أم تكون مفككة مثل سوريا أو ليبيا أو اليمن، تعبث…