محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

ما بعد التوقيع!

السبت ١٩ سبتمبر ٢٠٢٠

أما وقد تم توقيع اتفاق السلام بين دولة الإمارات ومملكة البحرين وبين إسرائيل بضمانة أميركية، فإن الحديث عن الماضي هو تحصيل حاصل، بل يتوجب الحديث عن المستقبل! إلا أن مقدمة سريعة مستحقة تظهر المشاعر الإنسانية، وهي أني أكنّ للشعب الفلسطيني كل احترام، ليس بسبب التعاطف الإنساني والقومي فقط، لكن أيضاً كوني في وقت ما أصبحت لاجئاً مثل أغلبيته، لما احتل النظام العراقي الصدامي الكويت وعشنا 7 أشهر صعبة، وقتها زاد إحساسي بما يشعر به الفرد الفلسطيني من عنت، عدا أني متعاطف كثيراً قبل ذلك الوقت وبعده مع هذه القضية التي لم تجد لها مرفأ حتى اليوم. كوني عربياً، ولا ضير من ذلك، فتعاطف اليهودي في بروكلين - نيويورك مع الشعب الإسرائيلي هو طبيعي كتعاطفي وغيرى من العرب مع فلسطين. المستقبل هو المهم، فالتوقيع الذي مهره الشيخ عبد الله بن زايد عن الإمارات والسيد عبد اللطيف الزياني مع بنيامين نتنياهو، وبحضور وتوقيع رئيس جمهورية الولايات المتحدة، مساء الثلاثاء الماضي، ليس كغيره من معاهدات السلام. فالمعاهدة الأولى (مصر) والثانية (الأردن) والثالثة (الفلسطينيون - أوسلو) كلها تمت بين إسرائيل ودولة محاذية، وفي وقت ما محاربة، أما ما تم الأسبوع الماضي فهو بين دول بعيدة نسبياً عن الصراع المباشر، ذلك يرسل رسالة مهمة جداً، وهي أن زمن «الغيتو» علينا أن نعيد النظر فيه. مهما…

الأشرطة!

السبت ٠٤ يوليو ٢٠٢٠

انفجرت في الكويت قضية سياسية ساخنة تمحورت حول ما يمكن أن يسمى «أشرطة القذافي» المسربة، ودار جدل كبير، وأظنه سوف يستمر لفترة، وقد تكون له مفاعيل سياسية مستقبلية. هذا المقال عن المستقبل وليس عن الماضي، ولكنه يركن إلى أحداث الماضي القريب ليحاول استخلاص العبر. المشهد عربي والأزمة عربية (سياسية وفكرية وسلوكية) وليست فقط محلية، صلبها من جهة غياب المشروع الوطني المدني النهضوي الحديث، ومن جهة أخرى توظيف سلبي في السياسة لمعتقدات الأمة. يحدث التطور عند الأمم عندما يصبح الناس أحراراً في التفكير، وعندما يسجن الفكر يتحول المجتمع إلى الاستبداد، ولا أكثر وضوحاً من سجن الفكر إلا في فكر الإسلام السياسي بتعدده المذهبي. يمثل مدخل المشهد كتاب قرأته منذ فترة وكان بعنوان «أشرطة صدام: آلية عمل داخلية لنظام استبدادي 1978 – 2001» لمؤلفين هما ديفيد بالكي وكيفن وود، صدر عام 2011 واطلع المؤلفان وسمعا الأشرطة (صوت وصورة) التي تركها نظام العراق السابق بعد سقوطه، وهي تسجيلات للقيادة العليا من النظام. اللافت في المقدمة ما نقله المؤلفان من مقارنة بشخصيات استبدادية أخرى، حيث نشط الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية للبحث عن أشرطة سرية (غير الخطب العلنية) لديكتاتور ألمانيا أدولف هتلر، فلم يجدوا إلا نزراً يسيراً من تسجيلات، أما الاستبداديون العرب فقد دأبوا على تسجيل اجتماعاتهم حتى الأكثر سرية. هذه المقارنة لافتة، فشغف…

بناء الأوطان والهوية… العراق مثالاً

السبت ١٦ مايو ٢٠٢٠

استبشر البعض خيراً بحصول رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي على الثقة من البرلمان العراقي بعد خمسة أشهر من قبول استقالة حكومة عادل عبد المهدي، والتي واجهت عدداً من الصعاب لحظة الميلاد. الصعوبات التي رافقت حكومة عبد المهدي والمسرح السياسي المحيط بها جعلت كاتب هذه السطور ينشر في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 مقالاً تحليلياً عن احتمالات تشكيل الحكومة ومدى بقاء المهدي في السلطة، جاء فيه بالنص «إلا أن الاحتمال أن يطول الزمن قبل أن يصل عادل عبد المهدي إلى تكوين متكامل لوزارته العتيدة، كما أن الاحتمال الثاني، هو أن الزمن سوف يقصر بها (إنْ ظهرت) فبقاؤها في الحكم سوف يكون قصيراً». صوت على حكومة عبد المهدي الناقصة في أكتوبر 2018 وقدم استقالته في ديسمبر (كانون الأول) 2019، أي أنها استمرت أكثر قليلاً من سنة واحدة فقط! معظمها معطلة عن الفعل. لم يكن الحديث وقتها ضرباً من التنجيم، بل كان قراءة للمسرح بمتغيراته. ربما من أصعب الشعوب العربية حكماً هو العراق، لكنه ليس الاستثناء؛ فالقضية الأساس وربما الكبرى أنه لم يتكون لدى معظم النخب العربية تصور متكامل وعصري للدولة الوطنية في بناء المؤسسات وإقامة الآليات واحترامها، أي توازن صحي بين الهوية الوطنية وما فوق الوطنية! ذلك التوازن غير موجود، فكيف إذن يكمل السيد مصطفى الكاظمي فترة الحكم التي هي نظرياً…

مغامرة في قراءة المستقبل

السبت ٢٥ أبريل ٢٠٢٠

من الموضوعات التي يضج بها الإعلام المكتوب والمسموع محاولة قراءة المستقبل بعد هذا الوباء، ماذا يحمل لنا عالم الغد؟ في الغالب هي اجتهادات وتوقعات، بعضها يستند إلى تجارب تاريخية، وبعضها قراءة (احتمالية) تحاكي رغبة كاتبها وحصيلته المعرفية، حتى تلك المستندة إلى وقائع تاريخية قديمة لا يمكن الجزم بحدوثها لأن التاريخ لا يعيد نفسه! البعض يقول جازماً إن «الأوبئة أكرهت البشر على الانقطاع عن الماضي»، بالتالي فإن المستقبل سيكون مختلفاً، آخرون يتنبأون بصعود الصين إلى قيادة العالم وتراجع الولايات المتحدة ويُسرفون في تقديم الشواهد، والبعض يقول إن «أوروبا سوف تتفكك»، بدليل موقفها المتردد في البداية من إيطاليا! قد تكون تلك التوقعات صحيحة وقد لا تكون، لا يستطيع عاقل اليوم أن يفتي بما سوف يأتي به الغد من تغيرات على وجه اليقين، لأن كثيراً من التوقعات محملة بشحنة سياسية أو تمنيات إنسانية. الثابت أن القدرة على قراءة المستقبل تدخل في الغالب في إطار «التخرصات»، علمياً هناك شواهد على قصور القدرة الإنسانية في هذا المجال. الإشارة إلى درس يعود له المراقبون حول تلك اللجنة الأميركية العلمية رفيعة المستوى التي شكلها رئيس الولايات المتحدة في وسط ثلاثينات القرن الماضي للنظر في المستقبل، لم تستطع أن تتنبأ بأن الطائرات يمكن أن تسير بسرعة أكبر مما كانت عليه وقتها، أو تتنبأ باختراع الرادار! آلفين توفلر الكاتب…

التكلفة الهائلة للسباحة السياسية في فضاء الوهم!

السبت ١٤ ديسمبر ٢٠١٩

الأخبار القادمة من بيروت ومن بغداد لا تختلف كثيراً عن بعضها في المقاصد، هنا وهناك جهود مبذولة من أجل (إطفاء) الحراك الشعبي والذي هو في أصله ومراده التخلص من النفوذ الإيراني وعودة الوطن اللبناني والعراقي إلى أهله، حتى بوسائل العنف المفرط. تنبع تلك الجهود من مكانين؛ الأول هو استخدام القتل والخطف والترويع لقادة الحراك أينما وجدوا، فقد اختفى عدد غير قليل من النشطاء العراقيين وقتل بعض آخر مباشرة أمام الناس ووسط المحتجين أو في الأزقة والشوارع قرب منازلهم، ويحدث مثل ذلك الترويع أيضاً في مدن لبنان وخاصة في بيروت، فيتجه ناشطو إيران العرب (اللبنانيون) إلى منازل النشطاء للتهديد وأيضاً يقومون بحرق خيمهم في ساحات الاعتصام. أما المكان الثاني الذي تبذل فيه الجهود لإسكات الحراك وطمسه فهو الفضاء الشعاراتي، فالمنتفضون إما شيعة (السفارة) أو (شيعة الإنجليز) أو جماعة (متصهينة) وفي كل الأوقات (عملاء للأميركان) هذا التشويه المتعمد للحراك وللمحتجين يتغذى على رصيد من (الإرهاب الفكري) طالما كان معنا، والذي يجد له مكاناً في عقول البعض ذوي البعد الواحد، إما من خلال اقتناع طويل بمقولات سياسية قريبة إلى السذاجة وعفّى عليها الدهر، أو من خلال قناعات رسخت على مر فترة طويلة من الزمن لأطر في أحزاب وجماعات آيديولوجية، وكانت هي الرافد لكل محاولات التحشيد التي كانت تتم في العقود السابقة. صلب الموضوع…

الدستور لا يعرف الفقيه

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠١٩

في ستينات القرن الماضي، كانت القاهرة التي انتعش فيها المسرح محط توقف كثير من النخب العربية، وقتها عرضت رواية مسرحية من تأليف عبد المنعم مدبولي وسمير خفاجي، وبسبب نجاحها تحولت إلى فيلم كوميدي بعد ذلك. البطولة في الرواية والفيلم للثنائي فؤاد المهندس وشويكار، واسم الرواية «أنا وهو وهي». في أحد المشاهد يشتد الخلاف بين البطل وبين أحد الممثلين حول تفسير قانوني، فيقول الممثل للبطل: «إن زينب بتقول كده» ويكرر ما تقوله زينب، فيغضب البطل ويقول مشيراً إلى كتاب القانون بيده وبصوت زاعق: «القانون مافيهوش زينب»! بقيت تلك العبارة على لسان جيل كامل، وهي تشير إلى محاولات التفسير المنحرف للقانون أو تحميله ما ليس فيه. تذكرت تلك العبارة وأنا أسمع السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي، يتلو نص استقالته، فيشير أول ما يشير في أسباب استقالته، إلى «رغبة وتوجيه المرجعية»، ثم يسرد الأحداث الأخرى المسببة للاستقالة. حزنت كثيراً لذلك؛ لأن الدستور العراقي الحالي ليس فيه نص حول «المرجعية» مع الاحترام للأشخاص، «فالقانون مافيهوش زينب»! ومع اختلاف المشهدين، إلا أن الرمزية قائمة، فطوال تاريخ الحكم الدستوري العراقي بأشكاله المختلفة الحقيقية والسطحية في زمن الملكيات أو الانقلابات، لم يكن هناك نص يتيح للمرجعية موقف الفصل في السياسة. إلا أن الفكرة سادت منذ عقود في أكثر من عاصمة عربية، وهي العودة إلى المرجعية…

حقٌّ يُراد به باطل

السبت ٠٧ سبتمبر ٢٠١٩

يعد أكثر الكلمات تداولاً في الفضاء السياسي الدولي، وبالتأكيد العربي، هي كلمة «الإرهاب». الدارس لهذا المصطلح، الذي لم يتفق على تعريفه المانع والقاطع العالم حتى اليوم، يستطيع تتبع مسار استخدامه ليكتشف أنه يغوص عميقاً في التاريخ، فقد تشكّل بصور عديدة وبألوان شتى على مر الزمن، كما ترك آثاراً مدمّرة على البشرية، واليوم حتى وكالات الأمم المتحدة المعاصرة لم تستطع التوافق على تعريفه، فهو إما جامع غير مانع في بعض الوثائق، وإما مانع غير جامع في وثائق أخرى، هذا الاختلاف طبيعي لأن المصطلح في حد ذاته معبّأ بشحنة ضخمة من التسييس وسياقات من العواطف الجياشة، سلبية أو إيجابية. الاستعمال الأكثر شهرة في تاريخ الإنسانية الحديث صار متداولاً بُعيد الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر. وتصنّف الموسوعة البريطانية تحت عنوان «الإرهاب في الشرق الأوسط» في طبعة سبعينات القرن الماضي، الإرهاب على أنه إرهاب العصابات الصهيونية ضد البريطانيين والعرب في فلسطين، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية لفترة طويلة توصف بأنها إرهابية حتى استطاعت بجهد سياسي ليس بقليل ودعم عربي أن تفرض اعترافاً بأنها حركة تحرير وطني. وشاع في تلك الفترة أن الإرهابي عند البعض مناضل وطني، وعند البعض الآخر إرهابي خطير. الاستعمال العام والإجرائي لمصطلح الإرهاب هو «استخدام العنف ضد مدنيين مسالمين من أجل أهداف سياسية». قاعدة المعلومات عن الإرهاب في جامعة ميريلاند…

في مواجهة الترف الجاهل!

السبت ٢٤ أغسطس ٢٠١٩

يعود اكتشاف أعمال ابن خلدون الفكرية، الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، وترك نظرية في التطور الاجتماعي، ما زال يعاد تثمينها، وقد سماها الغربيون أول تفسير لا ديني للتاريخ، إلى المستشرق ويليم ماك كوكن سلين، الآيرلندي الفرنسي، في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الاكتشاف، ومع تدفق عرب الشرق إلى أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت أعمال ذلك المفكر تأخذ طريقها إلى الثقافة العربية ترجمة وتعليقاً، من وقتها كُتب كثير في شرح المقدمة، التي توجد اليوم نسختها الرئيسة في مكتبة الإسكوريال في مدريد.  نظرية ابن خلدون في تفسير التاريخ كما قرأتها بعين ثاقبة، أن هناك تعاقباً في إقامة الدول وأفولها بين ما سمتهم المقدمة «أهل المدر» أي أهل الحضر، سكان القرى الكبيرة والمدن، وبين أهل «الوبر» الأعراب المتنقلون طلباً للماء والكلأ، أو من فرّق بينهم بعد ذلك كثير من الدارسين، أي بين «العرب» سكان القرى «القارة» و«الأعراب» سكان الصحراء أو ما جاور المدن. وجد ابن خلدون أن إقامة الدولة من قبل أهل المدر (بناء بيوتهم من قطع الطين اليابس) سرعان ما تتآكل عصبيتهم على مر الزمن، ويدخلون فيما سماه عيش «الترف» فتضعف دولتهم ويأتي من الصحراء من هم أشد عصبية (تماسك اجتماعي) كي يقيموا دولة جديدة! لقد عاش ابن خلدون مرحلة مضطربة في…

أميركا… في انتظار الطحن والحسم

السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٩

في نحو أسبوع واحد، انفجرت قضيتان في الولايات المتحدة؛ الأولى قضية السفير البريطاني في واشنطن، ثم قضية النائبات الأربع من الحزب الديمقراطي ذوات الأصول المشرقية في مجلس النواب الأميركي. والطرف المقابل في القضيتين هو السيد دونالد ترمب. وهما جزء من سلسلة الأزمات المتجددة للرئيس الأميركي؛ فأولاهما أزمة دولية ومع أقرب حليف للولايات المتحدة، والثانية داخلية تجاه صلب التكوين الأميركي المتآلف - المختلف من مهاجرين، ما دفع مجلس النواب لإدانة الرئيس بالعنصرية.  ذلك غيض من فيض من الأحداث التي يمكن أن نلاحظ منها عدم انتظام سياسي معيقاً ومقلقاً للبعض في حده الأدنى. الرئيس ترمب له معارك أخرى خارجية مع الحلفاء والأعداء، وهو ربما يسير على عكس القول الشعبي الأميركي الذائع: «قبل أن تدخل معركة عليك حساب التكاليف»! يبدو أن التكاليف السياسية بعيدة المدى هي آخر ما يفكر فيه ساكن البيت الأبيض! ليس من السهل لأي متابع لتغريدات السيد ترمب وقراراته أن يدعي أنه يعرف «الثيمة» الترمبية التي يسير عليها الرئيس، فهي ثيمة سياسية وشخصية غير قابلة للتفسير أو حتى التوقع، قبل سبر عدد من الوقائع الحالية والتاريخية. تَسرَّع بعضُهم وقال إنها ثيمة رجل الأعمال، ولكن حتى «رجل الأعمال» هذا يمكن أن تُفسَّر تصرفاتُه بعقلانية ويمكن التنبؤ بكثير منها. إن الأكثر قابلية إلى التفسير المعقول أمران؛ الأول أن القوة الأميركية تفقد «زخمها»…

حراك الجزائر… قراءة في الاحتمالات

السبت ٠٦ أبريل ٢٠١٩

مع إعلان استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تتحرك الأزمة الجزائرية إلى احتمال حدوث انفراج، ولكنه احتمال لأن الطريق إلى الحل النهائي ما زالت ضبابية على الأقل. بعض المحللين الجزائريين فيما يكتبون حول الحراك الحاصل في الجزائر أن هذا الحراك يمثل «الموجة الثانية من الربيع العربي»، والتي قد تستفيد من أخطاء الربيع الأول، وقد يكون ذلك صحيحاً وقد يكون مبالغاً فيه.  ما يحدث في الجزائر لافت للنظر ونتائجه الأخيرة سوف تقرر الكثير، ليس لمستقبل الجزائر، بل ربما لمستقبل منطقة الشمال الأفريقي العربي برمتها. ليس بالأمر السهل توقع أي طريق سوف يسلكها الحراك، فهو في جزء منه يشابه حراك الربيع الذي اجتاح المنطقة العربية في العقد الثاني من القرن الحالي، وفي جزء منه مختلف. المتشابه كثير، أولاً الحراك لم يكن وليد يومه، بل بدأت جذوره ربما في العهدة الثانية للرئيس بوتفليقة الذي استطاع في البداية أن يُضمد جراح الجزائر بعد عشرية سوداء (هي في الحقيقة حمراء من كثرة ما أريق فيها من دم)، إلا أن النظام في العهدتين الأخيرتين أصبح قعيداً، يدار تدريجياً من أشباح في مؤسسة الرئاسة، مع تهميش للمؤسسات الأخرى، ومع تفاقم المرض على الرئيس أصبح في عزلة، كما أصبحت أختام الدولة المركزية في يد مجموعة صغيرة غير منتخبة، لها قدرة التحريك وليس عليها عبء المساءلة، فزادت مساحة الفساد…

أخت الرجال

السبت ٠٢ مارس ٢٠١٩

إن البحث عن دور ومكانة المرأة في الخليج ليس جديداً، فقد عقد في الكويت منذ أربعة وأربعين عاماً، أي سنة 1975، أول مؤتمر لدراسة «دور ومكانة المرأة الخليجية المرتجى في التنمية». ولم يكن ذلك المؤتمر ومخرجاته مقبولين من بعض قطاعات المجتمع، إلا أنه حدث. ثم كرت المسبحة، فعقدت «ندوة التنمية في دول الخليج»، وهي مجموعة تطوعية من أبناء وبنات دول الخليج، وما زالت تلك المجموعة مستمرة تقوم باجتماعاتها البحثية التطوعية حول التنمية، وتنشرها في موقعها، وكل عام تدرس موضوعاً له علاقة بالتنمية. وقد زارت موضوع المرأة الخليجية (بحثياً) مرتين؛ الأولى في عام 1987، والثانية في فبراير (شباط) هذا العام، في محاولة دؤوبة ومستمرة لخلق رأي عام في المنطقة، يثمن أهمية تمكين نصف المجتمع في الحياة العامة.  وعلى مدار نصف القرن الماضي، تسارع العمل على ما يمكن تسميته «تمكين المرأة في الخليج»؛ لأن كثيرين ممن ساروا في الدعوة لتمكين المرأة، لديهم قناعة بأن التمكين شرط مسبق لتحقيق التنمية، وكان عليهم أن يواجهوا مخزوناً من الممارسات والأفكار التراثية المناوئة والصلبة والمستقرة في المجتمع. مع الإعلان عن تعيين الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة للمملكة العربية السعودية في واشنطن، تكون الدائرة تقريباً قد اكتملت. لقد شقت المرأة في دول الخليج اليوم طريقاً واسعاً في المساهمة في التنمية منذ ذلك الوقت، فقد أصبحت المرأة الإماراتية…

هل هرمت الثورة؟

السبت ١٦ فبراير ٢٠١٩

المناصرون للثورة الإيرانية احتفلوا بالعيد الأربعين لها اتكاءً على أن بقاءها إنجاز يتوجب الفخر به! وآخرون يرون أن الثورة في عيدها الأربعين قد هرمت، فهي لم تنجز ما وعدت به، وهو أن تكون إيران أرض اللبن والعسل لكل سكانها، بالمعنى المجازي. أول ما يصادف الباحث أن إنجاز الثورة، على كثير من الأصعدة، إن كان يسمى إنجازاً، متواضع في المحصلة العامة في مكان، وسلبي للغاية في مكان آخر. لقد صرفت «الثورة الإيرانية» على الخارج بلايين الدولارات، وحرمت الداخل من موارد وثروات كان يمكن أن تعينه على اجتياز بعض الأزمات، وانتهت بأنها أشعلت حروباً وحملت على ظهر الاقتصاد الإيراني «أزلاماً» سرعان ما ينفضّون إن نضب كيس التمويل! في الداخل ظهرت معالم الحرمان في عدد من المؤشرات كالفقر وسقوط سعر العملة، وتدني الخدمات، وضيق في الحريات، وغيرها من المؤشرات، ما لا يستطيع عاقل أن يتجاهله. ذكرى «الأربعين» لها مكانة رمزية لدى القائمين بالثورة، وتعني في الميثولوجيا الإيرانية «انتهاء الحزن»، فهل الأربعين يبشِّر بانتهاء «حزن الإيرانيين»؟! اليوم ظهر جيل جديد في إيران له مطالب جديدة ورافض تماماً الوضع برمّته، حيث أصبح ثلث الشعب الإيراني تحت خط الفقر، وأصبحت إيران تستورد ما كانت تصدِّر. جردة مهمة ومتوازنة جرت الأسبوع الماضي في الرياض لسبر سيرة الثورة، حيث احتضن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ندوة ليوم واحد أسهم…