سوسن الأبطح
سوسن الأبطح
كاتبة عربية

أيها الداعشيون استفيقوا!

الأحد ٢٧ يوليو ٢٠١٤

انتهت المسيحية في الموصل بعد ألفي سنة من وجودها هناك. وهي في طريقها إلى الانقراض في فلسطين أيضا. لم يبقَ في مهد المسيح أكثر من 200 ألف مسيحي، يعضّون على الجرح ويناضلون من أجل البقاء. في مصر حيث التجمع المسيحي العربي الأكبر، شهدنا تنكيلا وتفجير دور عبادة وإرعابا. وفي سوريا كنائس تحطم، وراهبات ورهبان منهم من يُخطف ومن يُقتل، ومقابر جماعية يند لها الجبين. ثمة من يسأل: لماذا هذا الاستشراس على المسيحيين في المنطقة المحيطة بفلسطين؟ والسؤال الأهم: لماذا يتواطأ المسلمون أنفسهم، إن لم يكن بالفعل الشائن، فبالصمت المريب والمعيب على أكبر عمليات «تطهير ديني» عرفتها منطقتهم في التاريخ الحديث؟ «داعش» ليس تنظيما أرعن، يوزع الموت والخراب في صحراء معزولة، لولا البيئات الحاضنة والسكوت المطبق، وأحيانا الدعم المحلي. أحد الفارين من الموصل يبكي قهرا أمام الكاميرا وهو يتحدث عن جيرانه الذين فرحوا بنبأ إخلاء المنزل: «أسعدهم أن يستولوا على بيتنا». كاتب من الموصل سطر رسالة مبكية يخاطب فيها المسلمين قائلا: «نغادر الموصل مطرودين وقد أذلنا حاملو راية الإسلام الجديد، نغادرها لأول مرة في التاريخ، لا بد لنا أن نقدم شكرنا لأهلنا فيها، الذين كنا نعتقد أنهم سيحموننا كما كانوا يفعلون، وسيقفون بوجه عتاة مجرمي القرن الحادي والعشرين ويقولون لهم إن هؤلاء هم الأصلاء وهم الذين أسسوا هذه المدينة. كنا نطمئن…

«داعش» على الطريقة الإسرائيلية

الأحد ٢٠ يوليو ٢٠١٤

بحسب دراسة نشرت في مجلة «أميركان بوليتكال سينس»، شاركت فيها كل من آنا جيتمانسكي من «مركز هرتزل» في إسرائيل، وتوماس زيتزوف في «جامعة واشنطن» - فإن تساقط الصواريخ الآتية من غزة على إسرائيل يزيد من تطرف الإسرائيليين، ويدفع بهم إلى اقتراع أكثر يمينية، بسبب إحساسهم الشديد بالخوف. وترى هذه الدراسة أنه كلما اقتربنا جغرافيا من غزة، ووصلنا إلى المناطق الأكثر عرضة للنار، وشعر السكان بالخطر، تصبح الآراء أكثر تطرفا. وللتذكير فقط، فإن الصواريخ المتواضعة الصنع والخائبة التوجيه، التي خرجت من غزة طوال 12 يوما ردا على عملية «الجرف الصامد»، مثلا، لم تقتل إسرائيليا واحدا، بينما قتلت الصواريخ الإسرائيلية، في المدة عينها، أكثر من 250 فلسطينيا، وتسببت في سقوط أكثر من 1800 جريح وهدم 350 منزلا. ورغم ذلك، فإن الدراسة تشير سريعا وعابرا، ومن دون توقف طويل، أو تعليق مسهب، إلى أن العنف المتبادل بين الطرفين، لا بد، سيؤدي، بمرور الوقت، إلى رفع مستوى التطرف في غزة أيضا. وتتعفف الدراسة عن القول إن الوضع الإنساني الفظيع، المفروض على الغزيين منذ عام 1967 كان كفيلا بأن يحولهم إلى وحوش كاسرة. هذا الصنف من الدراسات، المقنع بعلميته الماكرة، والمتخفي خلف أسماء كبرى لجامعات ومراكز أبحاث، قد تكون نتائجه صحيحة، لكنها مجتزأة، وموظفة بخبث يستحق الإدانة والتشهير، خاصة أنها تستخدم لتبرير العنصرية الإسرائيلية المتزايدة.…

إحراق غزة «عملية إنسانية»؟

السبت ١٢ يوليو ٢٠١٤

لم تكن إسرائيل يوماً إلا مدرسة في الإجرام والعنصرية. المحاولات المستميتة لبعض الصحافيين الغربيين، للدفاع عن عمليات القتل الجماعي التي تقوم بها حكومة نتنياهو في فلسطين، تثير الغثيان، وتستحق حملة عربية واسعة لفضح المجازر الإسرائيلية. التعويل ليس على الحكومات العربية التي فقد كل أمل في كثير منها، بل على «الفيسبوكيين» و«الـتويتريين» الشباب الذين صارت لهم سلطة ومساحة وكلمة يقولونها، وتشبيكات «إنترنتية» تصل إلى أقاصي الكوكب. تتغنى إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، لأنها تسوي عشرات المنازل بالأرض، بعد أن تبلّغ العائلات المستهدفة، وتمهلها عشر دقائق لإخلاء منازلها. الخطوة الثانية في «القصف الإنساني» الذي يتم وفق «احترام حقوق الإنسان»، هي صاروخ تحذيري ينسف سقف المنزل قبل أن تأتي الطائرات الحربية على كل ما تبقى. القتلى المائة والـ700 جريح الذين سقطوا خلال الثلاثة أيام الأولى، يوحي الصحافي ويليام سالوتان في طبعة «سلات» الفرنسية وفي مقالة عنوانها «لا تخطئوا: إسرائيل في غزة تفعل كل شيء لتفادي المدنيين» بأن هؤلاء جميعا، كأنهم اتخذوا قرارا ذاتيا بالانتحار. يصبح الكلام أقل حياء حين يقول: «بعض الأفراد يعودون إلى منازلهم فجأة، بعد إخلائها، لا يعرف لماذا؟» ربما نسي هذا الكاتب العظيم وأمثاله ممن يتصدون للدفاع عن الشر الإسرائيلي، إن النفس البشرية تتعلق بأشيائها، وترجع لتحاول التقاطها. لربما أن العائلة نسيت طفلها الوليد نائما في سريره وعادت لتسترده. ثمة…

«داعش» وحرب المقدسات

السبت ١٤ يونيو ٢٠١٤

ما ترتكبه «داعش» في العراق، وما تهدد بتنفيذه، قد يجر المنطقة بأكملها، وفي أي لحظة، إلى كارثة لا تحمد عقباها. تجاهل أن سكان هذه البقعة الجغرافية، هم فسيفساء، مركبة من هويات شديدة التنوع والتعقيد، هو الجهل حين يبلغ غاياته السوريالية. أن تهدد «داعش» بالزحف إلى بغداد، لاستعادة مركز الخلافة، وأن تحاول، تكرارا، دخول سامراء حيث مرقد الإمامين العسكريين، وتعلن نيتها اجتياح كربلاء والنجف، وما لهما من قدسية، بالنسبة للطائفة الشيعية، وتحديدا في هذا الظرف الذي يغلي فيه مرجل الطائفية، يعني أن ثمة مخططات شيطانية، مبيتة، لإدخال الجميع جحيما قد لا تنطفئ ناره. ماذا لو اقتحمت «داعش» بالفعل هذه المدن، واعتدت على الأماكن الشيعية المقدسة، وصورت كعادتها أشرطتها التي روعت العباد، وقررت أن تشعلها فتنة لا تبقي ولا تذر؟! من يمكنه أن يضبط ردود الفعل الشعبية الغاضبة من اليمن وصولا إلى لبنان وسوريا، ودون أن ننسى إيران وتركيا التي يعيش فيها نحو 20 مليونا من العلويين، وأربعة ملايين من الشيعة. فتح الدائرة الجحيمية للقتل الطائفي والثأر المضاد على مدى المساحة العربية، من البوابة العراقية، أمر بات يتوجب التحسب له، فليس أخطر، في حياة الأمم، من اللعب على «الشعور الديني»، هذا المصطلح الذي أشبعه الألمان درسا وتحليلا، وشرحه الفرنسيون والإنجليز من خلال أدبهم وتاريخ كبار شخصياتهم الدينية، كما السياسية، فيما لم نعترف…

العرب بحلول عام 2063!

السبت ٠٨ فبراير ٢٠١٤

كيف سيكون العالم بعد 50 سنة؟ سؤال طرحته مجلة «دوكيومنتاليست - ساينس دو لانفورماسيون» الفرنسية، على مجموعة من الاختصاصيين في مجالات عدة، لمعرفة تصورهم حول ما ستصبح عليه حياة البشر عام 2063. عدد خاص من المجلة، يعتمد قراءات مستقبلية، تذكر بتلك الملفات المثيرة التي أصدرتها الصحف الكبرى عشية الألفية الثالثة. ولمن يظن أننا نتحدث عن غيبيات نذكّر بأن غالبية ما جرى توقعه منذ 13 سنة، يبدو حقيقيا اليوم، وكان يستحسن منا أخذه على محمل الجد حينها، سواء ما كتب عن الصراعات الدينية التي ستشتعل أو الأموال الطائلة التي سيجنيها تكنولوجيون بمشاريع تبدأ صغيرة، وتتحول عالمية الانتشار على طريقة زوكيربرغ، مؤسس «فيس بوك»، أو حتى اندثار مهن بعينها على مذبح التطور التكنولوجي. وأبرز ما يتوقعه الباحثون للسنوات القليلة المقبلة، بناء على معطيات ملموسة، ومشاريع علمية قيد الإنجاز، أن الشاشات الكومبيوترية بمعناها الحالي ستختفي، لتصبح جزءا من حائط المنزل، أو عدسة لاصقة على بؤبؤ، وربما زجاج نظارة نضعها على أعيننا، أو مدمجة بملابس ذكية نرتديها. هذا ما سيجعل تواصلنا بالشبكة العنكبوتية ومن هم مرتبطون بها في كل أصقاع الدنيا، دائما لا ينقطع، حتى لنشعر بأن المسافة تنعدم بين الواقع المعيش وذاك الافتراضي السيبيري، وهو ما سيغير المفهوم الجغرافي بطبيعة الحال. وهنا يحاول الدارسون فهم ما ستكون عليه الحياة اليومية بحميمياتها، ومجريات الأعمال،…

فيروز في صيغة المثنى

السبت ٢١ ديسمبر ٢٠١٣

لم يكشف زياد الرحباني سرا. لم يقل ما لم يكن معروفا ضمنا. أحد لم يكن يتصور، بالتأكيد، أن فيروز من عشاق سمير جعجع أو أنها وهي المتابعة الشرهة للأخبار، والمسيسة حتى النخاع، من المناصرين الأشاوس لإحدى الجماعات الإسلامية المتشددة. مزاج فيروز وآل بيتها يعرفه القاصي والداني. ولداها، زياد وريما، أعلنا تكرارا عما يكنانه في الصدور. البيانات التي كانت توزع في السنوات الماضية باسم فيروز، فيها من الوضوح ما يكفي، والتزامها الصمت الشخصي لم يكن يعني جهلا مطبقا ببنات أفكارها. كان ثمة تواطؤ جميل على حبها، دون سؤال أو استفهام يثير غبارا ساما. وقع كلام زياد الرحباني عن حب فيروز لحسن نصر الله، كالصاعقة. ربما لفجاجة في الأسلوب، ومباشرة في التعبير، وتعيين لاسم رجل بعينه، وهي التي أنفت دائما عن تأييد زعيم أو سياسي في العلن. أخرج زياد بأسلوبه وهو يخلط العبثية بالاستفزازية «سفيرتنا إلى النجوم»، من المنطقة الضبابية الرمادية، دون حياد كلي، والتي اختارها لها والده عاصي الرحباني، وارتضاها لها جمهورها، طوال أكثر من نصف قرن، وبقيت أمينة لها. أرادها الرجل الذي صنع صورتها، وقدمها للعالم، خارج الصراعات الضيقة والخلافات الصغيرة، وكان هذا جزءا من عبقريته الفذة. 17 سنة من الحرب والخراب، ظلت فيروز حافظة لتقاليدها الأسطورية، سعيدة بمكانتها. عندما غنت وسط بيروت مع إطلالة السلم الأهلي، وشنت عليها الحملات،…

«الرصاصة الأخيرة» للجيش اللبناني

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠١٣

دخلت طرابلس مرحلة صعبة وقاسية. الجولة الـ18 من الاقتتال في ضاحية المدينة الشمالية، بين «جبل محسن وباب التبانة»، لم تنته فصولها بعد، وقد لا تنتهي سريعا، رغم أن المعلن هو غير ذلك. صحيح أن الاشتباك بين المنطقتين المتباغضتين، سياسيا، ومذهبيا، انخفضت وتيرته، لكن تسلم الجيش لأمن المدينة بالكامل ووضع القوى الأمنية كلها تحت إمرته، بعد تشكيل غرفة عمليات أمنية موحدة، غير من قواعد اللعبة، وطبيعة الاقتتال، وربما مداه الزمني أيضا. لا تزال ثمة قذائف تتطاير وقنابل تنفجر ورشقات رصاص تسمع، والقنص يهدد المارة، والجيش يرد بمضاداته حاسما وكابحا، ومداهما المعتدين، بصرف النظر إن كانوا من الجبل أم من الباب. التحذيرات كانت واضحة من قائد الجيش: «إن تنفيذ الحزم الأمني في مدينة طرابلس سيكون بعيدا عن الحسابات السياسية والفئوية، وستتم ملاحقة المسلحين والمطلوبين للمثول أمام القضاء». وهذا ما يحدث. الرد على المخلين، يأتي سريعا، والنيران تنهال كثيفة، على كل من يطلق الرصاص، والاستنابات القضائية طالت مقاتلين من الطرفين. لذلك فالمتوقع من الآن، ولفترة يصعب التكهن بمداها، ليس هدوءا وسلاما في طرابلس، وإنما اشتباكات متقطعة وشديدة لمسلحين متفلتين، مع الجيش، قد تباغت المارة، وتعرضهم للخطر، في أي لحظة. كما أن المتضررين من قبضة الجنود، سيلجأون لاستنفار الناس وتجييشهم ضد الجيش كلما سنحت الفرصة، هذا هو التحدي الجديد الذي سيضطر الطرابلسيون لمعايشته لفترة…

الثأر العربي يدهش العالم

السبت ١٦ نوفمبر ٢٠١٣

بحسب الدراسات التي يفرج عنها، يتبين أن العرب في الوقت الراهن، هم من أكثر شعوب البسيطة بدائية وعنفا. وإن كان المشهد الدموي العربي بحد ذاته كفيلا بإملاء النتائج والخلاصات المخيفة، فإن ما ينشر، يعزز التصورات الأولية ويؤكدها. وتبعا لـ«مركز دراسات الحروب الأهلية» في أوسلو، فإن خُمس الكرة الأرضية كان في نزاعات أهلية أثناء الحرب الباردة، لكن مع منتصف تسعينات القرن الماضي، أخذت هذه الحروب تنحسر، بسبب انتهاء الصراع بين أميركا وروسيا وتوقف التمويلات. وانتهت معظم هذه الصراعات بلا غالب أو مغلوب، مما عزز السلام وسد الأبواب أمام أي حركات ثأرية مستقبلية. ونشرت «الإيكونوميست» دراسة مفادها أن أكثر الحروب الأهلية شراسة انتهت حينها، مثل تلك التي شهدتها سري لانكا أو تشاد وكذلك دول أفريقية كثيرة، وأن الحروب الأهلية باتت أقل شراسة من ذي قبل، كما أن مدتها تقلصت، إلا في ربوعنا، حسبما نلحظ. وتبقى المنطقة العربية بشهيتها الفائقة للدم والمجازر حالة شاذة، في وقتنا الراهن، تستحق أن يشار إليها بالبنان. فالبعض يعتبر أنه بدءا من 2007 عاد مؤشر الصراعات الأهلية في العالم، ليعطي إشارات سلبية بفضل العرب، والعدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في أفغانستان وجنوب السودان وسوريا وليبيا بشكل خاص. العرب يسبحون عكس التيار، وفي الوقت الذي كانت فيه شعوب الأرض تتنفس الصعداء، بانهيار جدار برلين، وتنطلق صوب التنمية ورعاية…

طرابلس تقاوم «لعبة الأمم»

السبت ٢٦ أكتوبر ٢٠١٣

معارك طرابلس هذه المرة مختلفة ومقلقة. تشعر وأنت تتحدث مع المعنيين بأن الأمر لم يعد كسابقاته، فالخوف من التطورات السورية الدموية، وانعكاساتها على لبنان، والشمال بشكل خاص، يتعاظم. صحيح أن العاصمة الثانية تعيش حروبا صغيرة ومتقطعة، تسمم حياة سكانها وتستنزفهم منذ عام 2008، باعتبارها الخاصرة الرخوة للكيان اللبناني، لكن المقاتلين الأشاوس الذين تناموا وتم تسمينهم، بفضل الثورة السورية، وكانوا لأشهر خلت يقتحمون شوارع المدينة بأسلحتهم وعتادهم ويطلقون النار في الشوارع لمجرد إرعاب الناس، يبدون اليوم أكثر حيطة وحذرا، سواء في تحركاتهم أو في إعلان نواياهم. ولهذا تشتعل طرابلس ليلا. فالظلام يستر الوجوه والهويات، وتستريح نهارا، حتى إن عدد المسلحين في التبانة يصبح معدودا ومحدودا. الجيش لم ينتظر أن يتعب المحاربون، كما كان يفعل في معارك منصرمة، كي يدخل ويفصل بين المتحاربين ويتمركز. الأوامر أعطيت له من اللحظة الأولى ليستخدم مضاداته ورشاشاته، في سابقة هي الأولى من نوعها، مما حدا بالسكان للتساؤل عن أصوات الأسلحة الغريبة التي يسمعونها. السلطة السياسية على أعلى المستويات، بدءا من رئيس الجمهورية، تظهر حزما، لوضع حد، ولو مؤقت، للتقاتل، بالسرعة الممكنة. القلق الرسمي السياسي والعسكري يشرحه المقاتلون، والمطلعون على التحركات في باب التبانة، بصراحة أكبر ولغة أبسط. لا يخفي أحد المقاتلين أن اندلاع معركة القلمون في مناطق محاذية للحدود اللبنانية لن تكون انعكاساته بالقليلة. ويقول هذا…

«الربيع العربي» يستحق السخرية

السبت ٢٤ أغسطس ٢٠١٣

ما تفتق عنه «الربيع العربي» من عجائب ومفاجآت، بات يذهل الأميركيين والأوروبيين، ويطيح بمخططاتهم، ويضعهم في مواضع محيرة. وبحسب «نيويورك تايمز» فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما، بمجرد أن اندلعت الثورة المصرية، طلب من باحثين، وضع دراسات ترصد الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية في 50 بلدا مختلفا، والخروج بخلاصة، لفهم ما يمكن أن تؤول إليه الأحوال في مصر. واللطيف في الأمر، أن النتائج التي خرج بها الباحثون أجمعت على أن ما تعيشه أرض الكنانة، لن يكون مختلفا كثيرا عما شهدته الفلبين، وكوريا الجنوبية، أو تشيلي. وهو على الأرجح ما حدا بالرئيس الأميركي لإطلاق خطابه الحماسي الشهير بعد الثورة قائلا للمصريين: «لقد ألهمتمونا!»، واستشهد الرجل - معتمدا على دراسات باحثيه - بمارتن لوثر كينغ ومقولته: «هناك شيء في الروح التي تصرخ من أجل الحرية»، ليشبه تلك الصيحة المؤثرة بـ«الصرخات التي انطلقت من ميدان التحرير، وأحيط العالم بأسره بها علما». الكلام الكثير الذي قاله الرئيس الأميركي، يومها، عن ثقته بديمقراطية الشعب المصري، لم تأت من فراغ، إذن، لكن ما حدث بعد ذلك من صراع واقتتال، وما آلت إليه الأحوال، لم تتمكن الدراسات الأميركية من التنبؤ به أو تصوره. وبالتالي فإن اطمئنان أميركا إلى أن «الإخوان المسلمين» سيسيرون بالبلاد إلى ما يضمن مصالحها، ذهب هباء الريح. وهو ما حدا بأحد المحللين أن يكتب منبها…

«سبايدر مان» الصحافة المكتوبة

السبت ١٠ أغسطس ٢٠١٣

الفكرة الأولى التي خطرت في ذهني، وأنا أقرأ خبر شراء إمبراطور الإنترنت جيف بيزوس جريدة «واشنطن بوست» العريقة، هي أن «الفكر الافتراضي»، بدأ يهزم «الذهنية الورقية» بالضربات القاضية. هذا لا يعني أن الورق بالضرورة، سيندثر فجأة، لكن تسويقه ما عاد متاحا بالأساليب الصدئة الغابرة. ليست «واشنطن بوست» هي الصحيفة العريقة الوحيدة التي يستسلم أصحابها، بعد خسائر مالية هائلة، في زمن تغيرت فيه سبل الربح، وتبدلت الأمزجة، غير أن الشاري الجديد، بيزوس، هو رمز من رموز الاقتصاد الحديث، بعد أن تمكن عبر موقعه الشهير «أمازون» من تأسيس أكبر «سوبر ماركت» كونية للبيع بالتجزئة. نعرف أن «أمازون» بدأ بتحدٍ هائل لم يكن ليقنع المستثمرين بسهولة، وهو بيع الكتب على الإنترنت. أمر احتاج وقتا وجهدا كبيرين، ليتمكن بيزوس الذي كان لا يزال موظفا حينها، من إقناع أصحاب الأموال بجدواه. إذ لم يفهم أحد ما الذي سيدفع أي إنسان لقبول شراء كتاب عن بعد ودفع تكلفة شحنه، وانتظار وصوله، بدل أن يحصل عليه بدقائق من مكتبة تحت بيته. لكن الرجل وجد حيلا ثعلبية كثيرة، ليجعل «أمازون» أكبر مكتبة عالمية افتراضية، ويوسع أعماله، لتشمل بعد ذلك كل ما يحلو له من المنتوجات. بهذا المعنى، فإن بيزوس انطلق كرجل أعمال من فكرة تسويق الورقي إنترنتيا، وشراؤه لـ«واشنطن بوست» يحمل في طياته نوايا لا تختلف كثيرا عن…

الداهية باراك أوباما

السبت ١٣ يوليو ٢٠١٣

ليس التخبط بالتأكيد، هو الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية، تغير بين ليلة وضحاها، موقفها «المبدئي» من التحولات التي تعيشها مصر. فلا شيء يترك للصدفة في بلاد العم سام. في الليل كان تدخل الجيش المصري للإطاحة بالرئيس محمد مرسي موضع «شك» و«قلق» شديدين ودراسة متمعنة لمعرفة إن كان «انقلابا» أم لا. وفي اليوم التالي، قررت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جنيفر ساكي: «إن حكم مرسي لم يكن ديمقراطيا» لأن الديمقراطية في رأيها «ليست فقط مجرد الفوز بالتصويت في صناديق الاقتراع». وهذا بالفعل غريب على دولة طالما حدثتنا عن قدسية صناديق الاقتراع. ويزداد المرء تعجبا حين يقترن هذا التصريح بقرار أميركي يقضي بإمداد الجيش المصري، الذي كان مغضوبا عليه، قبل ساعات فقط، بطائرات «إف 16». هذا ليس تخبطا، كما يحلو للبعض أن يراه، بل هو خبث وتخطيط شيطاني. فقد دعمت الولايات المتحدة الإسلام السياسي على أنواعه في كل بلد عربي، لتتخلى عنه حين تجد الوقت مناسبا. وهذا بالطبع سيؤدي إلى صدامات في مصر، وبعدها تونس على ما يبدو، وقبلهما لبنان وسوريا، فيما العراق على شفير حرب أهلية، وليبيا لا تزال ترتع في مستنقعها، وغزة جزء لا يتجزأ من الخطة. النزاعات هنا محمودة ومطلوبة، ولا ضير فيها لا على أميركا الواقعة خلف المحيطات، ولا حليفتها إسرائيل التي أمنت حدودها لمائة سنة مقبلة، بفضل…