السبت ١٣ ديسمبر ٢٠١٤
لعلّها هدأة في مسيرة طويلة يستريح فيها الناقد الأدبي الدكتور عبدالله الغذامي في مدينة الضباب لندن، وهو يتماثل للشفاء عقب الجراحة الناجحة لاستئصال ورم بأحد مستشفياتها، ومن يعرفونه يعلمون جيدا أنه يخاصم قلق الحياة، وأنه قوي كي يصارع أعتى جبال الألم، ولكنه في ذات الوقت هيّن تستخفه بسمة طفل، ويتألق كعادته حضورا وغيابا، أملا وألما. أستعيد مع الغذامي رائعة المتنبي وهو طريح الفراش وقد أنهكته الحمى، فخاطبها بلسان الشاعر كزائرة يتملكها الحياء فهي لا تزوره إلا في الظلام، وقد تعامل معها ذلك الشاعر الرائع بأنسنة أفرد لها مساحات من التغزل الذي تسرب من مسام الوجع، وهو يقول لها: بذلت لها المطارف والحشايا/ فعافتها وباتت في عظامي. وذلك الحس رغم أثقاله لم يؤثر على طُرفة الشاعر الضخم وجعلها موضوعا لإبداع ظرفي خلّده التاريخ. ذات الأمر تعامل معه الغذامي بروح متسامية على الألم، وفاق المتنبي الذي لم يحضر زمن "تويتر"، فكتب مطمئنا ومتواصلا كعادته ومنحنا جرأة مثيرة على المرض الذي يعانيه وهو يغرد عبر الأثير: "حينما يفاتحك طبيبك بخبر عن ورم كامن على وشك الانتشار، وأنت لا تعرف عنه شيئاً حينها تدخل في أعمق امتحان في حياتك، ما أعظم أن تشعر أن ربك يحبك!". لا نتوقع أن يستسلم الغذامي ويسلم قياده لعارض صحي يثقل على مشاعر محبيه ويتنازعهم بين الأمل والرجاء والدعاء،…
الخميس ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
لا تخلو بعض مشاكل المبتعثين الأكاديمية من بعض التحامل والتعسف في معالجتها لدى الجامعات التي يدرسون فيها، وذلك يأتي أحيانا لعدم استيعاب بعض الأكاديميين للفوارق الثقافية التي تفسر سلوكيات المبتعثين من مرجعية سلوكية سلبية ترتكز إلى انطباعات مسبقة، وهذا في الواقع يعتبر عنصر ضغط عليهم وعلى أدائهم العلمي، خاصة إذا كان الهدف المبتعث متفوقا فذلك يربكه ويؤثر على نفسيته، لأنه يشعر بأنه يفترض أن يحصل على أعلى المعدلات فيما تنتقص المساحات الانطباعية في ذهنية الأكاديمي من ذلك الأداء. ذلك الواقع يجعلني أستعرض حالة فريدة في وقائعها لمبتعث متفوق، ورغم أنني لا أعرف بالضبط الضوابط الأكاديمية في الجامعة التي يدرس بها، ومدى المساحة المزاجية لمشرفيه الأكاديميين، إلا أن الحالة أضعها بين يدي المسؤولين عن بعثته والتعليم العالي لمتابعتها، وفك الاحتجاز الأكاديمي الذي يعيشه ذلك الطالب الذي يدرس الطب في نيوزيلندا وحصد طوال سنوات دراسته على درجات تعزز قدراته العلمية، غير أن مساره توقف في السنة الأخيرة بسبب تفاصيل تبدو لنا هامشية وسطحية، ولكن على التعليم العالي التقصّي عنها وإنهاء أزمته. تخرج ذلك الطالب في الثانوية بمعدل 97.11% وكان متفوقا طوال سنوات الدراسة والتحق بجامعة أوكلاند في نيوزيلندا لدراسة الطب، واجتاز كل السنوات بنجاح وحصل خلالها على ثلاث مكافآت من الملحقية لتفوقه، ولم يبق على تحقق حلمه إلا سنة واحدة وبعدها يحصل…
الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠١٤
حين نقرأ حادثة قفز فتاة في العقد الثاني من عمرها من سيارة "ليموزين" وهي تسير مسرعة بمدينة الدمام، خشيةً من السائق بعدما حاول التحرش بها، ليس بالضرورة أن نتكئ عليها كمبرر لقيادة المرأة السيارة، وإنما تصبح تلك القيادة أمرا تمليه الضرورة، ولا يحتاج لمثل هذه المبررات التي تتراكم وتتزاحم في واقعنا، حتى يبدو الأمر هربا من هنا وهناك. الواقعة صحيحة أثبتها توضيح للمتحدث الإعلامي لشرطة المنطقة الشرقية، حيث تبلغ مركز شرطة شمال الدمام من مواطنة بتعرضها لتحرش لفظي من سائق سيارة أجرة "ليموزين" أثناء إيصالها إلى أحد المواقع، والسائق الأجنبي لم يجد أي رادع أو وازع يضعه في موقعه من الإعراب الوظيفي والاكتفاء بمهنته من "سكات"، وإنما امتدت عينه إلى أعراض بنات البلد التي يخدم فيها. تلك جرأة فاجعة يفترض أن تجعلنا جميعا نعي خطورة ما في نيات وأنفس هؤلاء وغيرهم من ضعيفي الأنفس الذين يتجهون إلى المرأة بصورة غريزية معيبة، وحين نوازن بين حالة الخطر التي كانت فيها الفتاة وحالها لو أنها كانت تقود سيارتها، لما تعرضت لهذا الموقف الذي تماس مع ارتكاب جريمة لولا أنها نجت بنفسها من خلال أرجلها فيما كان بالإمكان أن تنجو من خلال سيارتها دون أن تتعرض للموقف بأكمله. الحادثة تذويب واقعي لجمود الاعتراض على قيادة المرأة للسيارة، ومطلوب من كل معترض أن يتعامل…
الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤
إيران ليست دولة أنموذجية في مجال حقوق الإنسان أو التعايش السلمي أو الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ذلك ثابت من واقع أدوارها ونشاطها السياسي والحقوقي، وقد سبق لي أن طرحت جوانب من عبثها بأمن غيرها وخططها التوسعية في دول الإقليم والمحيط العربي والإسلامي، ولو أنها انغلقت على أوضاعها الداخلية وطوّرت نفسها دون امتدادات سلبية على دول الجوار لكان أفضل لها ولهم، ولكنها لم تفعل ولن تفعل، لأن لديها خطا سياسيا يميل إلى تخريب استقرار جيرانها فيما هي مكشوفة بذات العلل التي تناوشهم بها. ذلك الوضع لا يعني بالضرورة أن نعطف عليها كل مصيبة أو كارثة تلحق ببلداننا، أو بمعنى أكثر دقة شيطنتها والتعامل معها كشماعة نعلق عليها كل شيء سلبي، لأن ذلك في الواقع يجعلنا غير موضوعيين ونبني أفكارنا واستخلاصاتنا على أسس مغلوطة، فما إن يحدث حراك مذهبي حتى ينسب الدافع إلى إيران، وما إن يفجر إرهابيون أو يقتلون أبرياء حتى تشير الأصابع فورا إلى إيران، ذلك يفسر عجزا عن استيعاب المجريات في صورة كلية تستسهل التبرير والهروب إلى الأمام من مشاكلنا الحقيقية وأسبابها. في الحالة السياسية الراهنة وما يجري فيها من نقاشات حول المذهبية والطائفية وبدلا من أن نصل إلى آراء واقعية تبنى على حقائق، فإننا نبنيها على تكهنات ومخيلة واسعة عنوانها العريض إيران.. وبالتالي فإن ما نصل إليه من…
الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠١٤
ليست مشكلة فرج فودة ألا يكون قابلا للفهم لدى أولئك النصوصيين، الذين انتهوا به ضحية لجهلهم وتوقف عقولهم عند جوامد .فكرية هشة. لم يكن الراحل مفكرا وحسب وإنما قارئ متميز لمآلات واتجاهات المستقبل يقف الراحل الدكتور فرج فودة في قمة فكرية قد لا يدانيه فيها كثير من المفكرين المعاصرين، فهو جدلي بما يفتح مساحات واسعة من المحاور التي ينبغي أن تخضع للنقاش، فليست هناك ثوابت إلا المتغيرات، وهو لم يكن ليجادل أو يحاور في مسائل مطلقة، وإنما يطرق تلك التابوهات الكلاسيكية بقوة ويخضعها لتشريحه الفلسفي والنقدي من خلال أدوات موهوبة تصل به إلى حدود العبقرية. قد أبدو منحازة للراحل، ولكن ذلك مبرر بما أنجزه فكريا وثقافيا، فعقله جدير بالاحترام، وليست مشكلته ألا يكون قابلا للفهم لدى أولئك النصوصيين الذين انتهوا به ضحية لجهلهم وتوقف عقولهم عند جوامد فكرية هشة، ولم يكن الراحل مفكرا وحسب وإنما قارئ متميز لمآلات واتجاهات المستقبل، وتلك مرحلة لا يصلها كثير من المفكرين الذين لا يجرؤون على اختراق المرحلة التالية من الحراك الإنساني والفكري. فودة كان علمانيا صاحب فكر أنيق، ومن عتاة المطالبين بفصل الدين عن الدولة، وتمتد فكرته السياسية إلى أن الدولة المدنية لا علاقة لها بالدين، وقد طرح ذلك في كثير من كتبه ومنابره، وأثار الجدل بشأن ذلك، والاستخلاص أنه عاش مبكرا في غير…
السبت ٠٤ أكتوبر ٢٠١٤
في الحياة أناس يطلون كالألق الإنساني أو الإبداعي، ولكنهم سرعان ما يختفون فيتركون في النفس انطباعات غير قابلة للمحو، أو ضد النسيان، وتبقى ذكراهم مضيئة حتى لو اكتشفنا فيما بعد أنهم لم يختفوا وربما يعودون، وإنما رحلوا عن الحياة قبل أن يلوحوا بتلويحة الوداع الأخيرة. عبر نافذة "واتس أب" أطل في إحدى المجموعات التي تضم نخبة يتبادلون الرأي والفكر الراحل محمد بن سعيد أبوعمير مدير عام مكتب صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب سابقا، وقد عرفته لبرهة من خلال طروحاته وآرائه، ولفت انتباهي بوطنيته الصادقة والعميقة، ومرونته الفكرية فيما يحدث به وتخطه أنامله في مشاركاته، غير أنه غادر المجموعة فجأة قبل أن تستكمل معرفتي به. كانت مغادرته لافتة كما حضوره، لأكتشف عن طريق المصادفة أنه ذهب إلى ربه، راضيا مرضيا إن شاء الله، إذ وافته المنية بأحد مستشفيات جدة، وقد حزنت لذلك لأنه كما ذكرت بدا كألق أطل علينا ورحل بسرعة، فله الرحمة ولأسرته صادق التعازي، وحين قرأت عنه وجدته بحسب الصورة الذهنية التي أطل بها؛ بشوشا رفيع الخلق، يبذل الخير والمعروف بلا حدود. ولعلنا التقينا في المهنة الإعلامية، فهو إعلامي سابق قبل أن يتولى إدارة مكتب الأمير نواف بن فيصل، وذلك يجعله قريبا من الكثيرين من الشباب والشرائح الاجتماعية التي…