سكينة المشيخص
سكينة المشيخص
كاتبة وإعلامية

نحن نبكي ونحترق.. وإيران تضحك!

آراء

إيران ليست دولة أنموذجية في مجال حقوق الإنسان أو التعايش السلمي أو الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ذلك ثابت من واقع أدوارها ونشاطها السياسي والحقوقي، وقد سبق لي أن طرحت جوانب من عبثها بأمن غيرها وخططها التوسعية في دول الإقليم والمحيط العربي والإسلامي، ولو أنها انغلقت على أوضاعها الداخلية وطوّرت نفسها دون امتدادات سلبية على دول الجوار لكان أفضل لها ولهم، ولكنها لم تفعل ولن تفعل، لأن لديها خطا سياسيا يميل إلى تخريب استقرار جيرانها فيما هي مكشوفة بذات العلل التي تناوشهم بها.

ذلك الوضع لا يعني بالضرورة أن نعطف عليها كل مصيبة أو كارثة تلحق ببلداننا، أو بمعنى أكثر دقة شيطنتها والتعامل معها كشماعة نعلق عليها كل شيء سلبي، لأن ذلك في الواقع يجعلنا غير موضوعيين ونبني أفكارنا واستخلاصاتنا على أسس مغلوطة، فما إن يحدث حراك مذهبي حتى ينسب الدافع إلى إيران، وما إن يفجر إرهابيون أو يقتلون أبرياء حتى تشير الأصابع فورا إلى إيران، ذلك يفسر عجزا عن استيعاب المجريات في صورة كلية تستسهل التبرير والهروب إلى الأمام من مشاكلنا الحقيقية وأسبابها.

في الحالة السياسية الراهنة وما يجري فيها من نقاشات حول المذهبية والطائفية وبدلا من أن نصل إلى آراء واقعية تبنى على حقائق، فإننا نبنيها على تكهنات ومخيلة واسعة عنوانها العريض إيران.. وبالتالي فإن ما نصل إليه من نتائج يحتمل خطأ أكبر من أن يكون صحيحا ثم نجعله فيما بعد قاعدة فكرية تستند إلى مرجعية سلبية هي تلك الدولة، وذلك يجعلنا نعيش حالة من الفوبيا المصطنعة منها بدلا من التعامل بصورة منطقية مع حجم الضرر الذي يفترض أن يصدر منها استنادا إلى نياتها وتخطيطها لاختراق أمننا الاجتماعي والفكري.

وفي تقديري ذلك أمر ثانوي في سياق النظرة إلى إيران مقارنة بما يرشح عن الجدال حول أدوارها، وجعلها مبررا لكل سوء ثقافي أو فكري أو مذهبي، إذ إن ذلك ينتج استغراقا طائفيا يستجيب بصورة انفعالية للخراب الذي ينتشر في المنطقة، وفي المواقع الاجتماعية يمكن لبعضهم أن يتناول قضايا إيرانية بصورة معزولة، بمعنى ابتكار أخبار ونشر صور ليست ذات دلالة بالحاضر وإنما تمت في أوقات سابقة وإكسابها صفة الحالية الخبرية، أي ممارسة نوع من انتزاع حقيقة غير موجودة لدعم الفكرة الطائفية التي يلجأ لها من ينشر الخبر أو الصورة.

ذلك الإبحار الطائفي في النشر الإعلامي بالمواقع الاجتماعية يعمّق المسألة الطائفية بصورة متعمدة ومنهجية، إذ يتم تناول قضايا الأقلية السنية في إيران بصورة مبتسرة لممارسة شحن طائفي ليس موجها إلى إيران وإنما إلى عموم الشيعة بوصف تلك الدولة الشيعية تمارس استبدادا مأساويا تجاه السنة الذين يتم تقديمهم في الأخبار بصورة لا تراعي ضوابط النشر أو أي أعراف مهنية، وبالتالي نحصل على تراكم كاره وغاضب وانفعالي تجاه مذهب بعينه وأتباعه، رغم أن تلك الممارسات تخص دولة معروفة سلفا بنهجها الإقصائي ودورها في التعامل مع قضاياها.

اعتماد السلوك السياسي الإيراني كمحور خبري ضد السنة لا يفيد قضايا الحوار بشيء، فكما ذكرت فتلك الدولة ليست نموذجا في سجلها الحقوقي، وما يتم نشره بحافز طائفي في القضايا الإنسانية بها تنشره منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” وغيرها، ولا جديد فيه، ونشره بالطريقة التي تحدث في “تويتر” وغيره إنما يهدف في الواقع إلى بناء جدار عازل بين السنة والشيعة، وإشعال النار الطائفية بدلا من محاصرتها بصورة عقلانية تبعدنا عن ذلك الحريق الذي نرى نتائجه في دول الجوار، لأننا بذلك نعين إيران في تخطيطها لإشعال الحرائق بين جيرانها وإبقائهم في حالة أمنية غير مستقرة لا يستفيد منها غيرها، فيما تستمتع هي بالشحن الذي تراقبه بكل تأكيد وتعمل على تأجيجه واستعاره، فتحرقنا النيران ونبكي، بينما هي تضحك، فهل سمعتم طوال سنوات الحريق العربي عن انفجار طائفي أو عمليات إرهابية أو قتل رخيص في إيران؟

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23936