زين العابدين الركابي
زين العابدين الركابي
كاتب ومفكر سعودي

«يوم المياه العالمي».. والغفلة عن أصل حياتنا المادية

السبت ٢٩ مارس ٢٠١٤

حدق في ما على مائدتك من صنوف الأطعمة والأشربة ثم سل نفسك سؤالا علميا: ما هو أهم ما على المائدة من المأكولات والمشروبات؟ إن أقل الناس ثقافة علمية سيجيب على عجل: إن أهم هذه الأشياء هو - بإطلاق - «الماء»!!!! لا غيره. لماذا؟ أولا: لأن هذه المطعومات والمشروبات كافة مصدرها الماء. ثانيا: لأن الجسم البشري معظمه ماء، 70 في المائة، وهي النسبة التي تتكون منها الكرة الأرضية. ثالثا: لأنه يستحيل تصور وجود كوكبنا الأرضي هذا من دون ماء، ومع أن هذه حقيقة علمية – وبدهية - فإن الناس كثيرا ما يغفلون عنها: إما لطول الإلف والاعتياد، وإما لأن «الثقافة العلمية» لم تأخذ حظها في عقول الناس وأدمغتهم.. ولنضرب مثلا قريب التذكر.. لقد خصصت الأمم المتحدة يوما في آخر مارس (آذار) من كل عام سمته «يوم المياه العالمي» وهو يوم يتزامن مع أيام أخرى في أواخر مارس من كل عام.. فهناك يوم المرأة العالمي «وإن كان في أوائل مارس».. ويوم الأم.. ويوم السعادة العالمي. ولقد وجدت هذه الأيام الثلاثة الأخيرة من يوليها اهتماما ملحوظا في وسائل الإعلام، والبرامج الثقافية والاجتماعية، بيد أن «يوم المياه العالمي» مر دون أن يكترث به مكترث، على الأقل في منطقتنا العربية هذه «المهددة بوجه خاص بالجدب والجفاف وتدني معدلات المياه الضرورية للحياة». إن المياه تساوي الحياة…

«المجاهدة العلمية الواجبة» لـ«الجهاد البدعي» ذي التأويل الفاسد

السبت ١٥ فبراير ٢٠١٤

لهذا المقال مدخلان.. زمنيان موضوعيان: 1) مدخل انعقاد اجتماع غربي - عربي في لاهاي في الأسبوع الماضي.. وأجندة الاجتماع هي: بحث مكافحة الإرهاب بعد تزايد رقعته، وتكاثر أعداد المنخرطين فيه، لا سيما مخاطر عودة المسلحين الغربيين إلى بلادهم لممارسة الإرهاب فيها بعد عودتهم إليها!! 2) ومدخل صدور قرارات وقوانين سياسية وشرعية - في السعودية - تقضي بمنع سفر شباب سعودي إلى أي بلد بهدف المشاركة في القتال الدائر فيه. والحق أن الالتهاب السياسي - على كل مستوى - قد أذهل كثيرا من الناس. أو قلل اهتمامهم بـ«المخاطر الأكبر» المتمثلة في استغلال قادة الإرهاب لظروف الاضطراب والصراع الذي تشهده المنطقة: استغلوا ذلك في تفعيل خططهم وبرامجهم النائمة وإنزالها إلى ساحات الفعل والتطبيق عبر شبكة إقليمية وعالمية تفننت في تجنيد ألوف الشباب المسلم وزجهم في أفران القتل والقتال.. وهذه ظاهرة مرعبة تنبه لها الساسة بعد أن غفلوا عنها، وفق هذه الحسابات السياسية أو تلك. ولطالما قلنا: إن أي حساب سياسي ناجح ينبغي أن يمد بصره إلى الآثار الجانبية للقرار السياسي ابتغاء أن يتقيها، ولو قضت الوقاية من هذه الآثار بالكف أو العدول عن القرار السياسي نفسه!!.. إذ المضمون الأهم للقرار السياسي هو تحقيق المصلحة أو زيادتها، لا تفويتها أو نقصها. ومع أن تفريعات هذه القضية كثيرة ومتنوعة، فإننا نركز على القضية الأم…

هل يقف العالم على «حافة فوضى عالمية»؟!!

السبت ١٤ ديسمبر ٢٠١٣

كان مدير الاستخبارات الأميركية الأسبق «روبرت ولسي» قد سجل هذه الملاحظة أو المعلومة عام 1993 وهي أن: «العالم يعود الآن إلى ما كان عليه قبل 1914 عندما أدت المشاعر والأفكار المهتاجة إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى».. ولم يك هذا الرجل الممسك بـ«ملف الأمن العالمي» - بحكم وظيفته - لم يك يقصد الردة البشرية التقنية إلى الحقبة التي كان يفصلها عن كلامه نحو قرن من الزمان. فالترقي التقني لا يزال يطرد ويصّاعد، ولم ينتكس قط عبر ذلك المدى. المقصود - إذن - بالردة إلى ما قبل عام 1914 هو كم الأفكار والمفاهيم المضطربة ونوعها.. وتدني المقدرة العقلية.. وسوء السياسات الدولية.. وسيادة «العمى الاستراتيجي» بوجه عام. ولعل المؤرخ الأوروبي الرصين الشهير «هربرت فيشر» خليق بأن ندعه يصور مشهدا من مشاهد تلك الظروف الهائجة المائجة التي سبقت الحرب العالمية الأولى. فقد قال - في كتابه «تاريخ أوروبا في العصر الحديث»: «وكانت تزيد من قوة هذا النداء الفكري الجموح عاطفة بغض وكراهية متبادلة.. فقد كان المجريون مقيتين في أعين الكرواتيين مقتهم في أعين الصربيين. وقد ظهرت أحاسيس الكراهية والبغضاء بين صربيا والمجر في شكل حرب جمركية مشؤومة نشبت بينهما، وكانت هذه الأحاسيس مهيأة لأن تنقلب إعصارا أهوج يعم آفاق السياسة الدولية». نعم: إن العالم - يومئذ - كان يسرع الخطى نحو «فوضى عالمية» تتغذى…

لماذا أجمع الأئمة الكبار.. على نقض «بدعة التكفير»؟

السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠١٣

في سطور معدودة، نتم مقال الأسبوع الماضي عن منهج الإمام أحمد بن حنبل، ثم نبسط القول في الموضوع الذي يحمله العنوان أعلاه. الإمام أبو الحسن الأشعري: إمام كبير قدير، لا نحسب أن أحدا يستطيع أن يعرف تاريخ الفكر الإسلامي وهو لم يقرأ كتاب الأشعري «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين». ولقد سرنا الاحتفاء بهذا الإمام عبر مؤتمر خاص - عقد منذ عام تقريبا - يحمل اسمه.. ومن المفارقات أن هذا المؤتمر بدا وكأنه قد كثف الضوء، وأطال القول في «التضاد» المنهجي بين الأشعري وابن حنبل.. وهذا خلاف الحق الموضوعي، والواقع التاريخي، ذلك أن الأشعري نفسه يَعُد نفسه مقتديا بالإمام أحمد بن حنبل. فقد حرر الأشعري عقيدته ومنهجه في الفقرة التالية إذ قال - وهذه عبارته: «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث. ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل - نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق بعد ظهور الضلال». ولنبسط القول - بعد ذلك - في الموضوع الرئيس لهذا المقال وهو: لماذا اتفق الأئمة الكبار الثقات على «نقض بدعة التكفير»؟ مقتضيات وموجبات هذا الاتفاق أو…

نعم.. (بدعة التكفير).. جناية تعاقب عليها الشريعة

السبت ٠٩ نوفمبر ٢٠١٣

(أداة الطرح) الحسابية - 9 ناقص 3 مثلا - إذا استخدمت في الحكم على (إسلام) المسلمين، فإن حاصل الطرح سيهبط من خانة الآحاد والجموع الصحيحة إلى (خانة الصفر): هذا مسلم عاص فلنطرحه من الحساب.. وهذا مسلم زان.. وثالث شارب خمر.. ورابع آكل ربا.. وخامس نادى بفكرة قد تؤدي إلى الفساد.. هؤلاء جميعا كفرة فلنطرحهم من الحساب ولنخرجهم من الملة إخراجا. لا ريب في أن هذا منزع غير واقعي من جهة، إذ إن معظم المسلمين في العصور كافة لم يتطهروا بالكلية من هذه المعاصي والكبائر والآثام.. ثم إن هذا المنزع - من جهة أخرى - إنما هو منزع مضاد - مضادة كاملة - لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في (الاكتراث الكمي) بمجموع المسلمين فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((أحصوا لي كل من تلفظ بالإسلام)).. ومن مفاهيم هذا الحديث: أ - حسبان كل من تلفظ بلا إله إلا الله محمد رسول الله مسلما من أمة الإسلام. ب - إعلاء قيمة (اللفظ) للدخول في الإسلام.. ونقفي على هذا المفهوم الجليل الجميل (مفهوم أداة الجمع من خلال العد والإحصاء) بمفهوم آخر عميق جميل أيضا: مفهوم أن الإسلام (منهج جذب وضم) لا (منهج طرد وطرح). ولذلك جاء أمر الرسول ((أحصوا لي)).. وفي رواية ((اكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام من الناس)).. فالكم…