الإعلام ومكـافحة الفســاد – إبراهيم البعيز

أخبار

يتندر السعوديون في قنوات التواصل الاجتماعي بما تحرص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على نشره في وسائل الإعلام عن حالات الفساد التي كشفتها، ولعل آخرها قضية تقشر الدهان في أحد مستشفيات وزارة الصحة، وهذا يشير بشكل أو بأخر إلى حالة من الإحباط الشعبي بما أنجزته الهيئة. وأنا هنا أشفق كثيرا على الهيئة ومسئوليها الذين لا زالوا يناورون في المنطقة الرمادية بين الرغبة والقدرة. فهم بدون شك راغبون وحريصون في جهودهم لانجاز ما أوكل إليهم من مسئوليات، ويعملون بإخلاص على تحقيق ما جاء في الخطة الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي سبق إقرارها من مجلس الوزراء قبل قيام الهيئة بأربع سنوات.  لكن في الوقت ذاته اشك في قدرتهم على ذلك. فالبينة السياسية والتشريعية في المملكة لم تتوفر فيها بعد المقومات اللازمة التي تسمح للهيئة – أو حتى غيرها من المؤسسات الحكومية أوالأهلية- على القيام بذلك الدور. لذا لا يفترض ان نستغرب ان سارعت الهيئة في النشر الاعلامي عن حالات هي اقرب الى سوء الادارة من ان تكون حالات فساد، ويبدو ان ذلك محاولة لتقديم اي منجز يخفف من عبء ذلك السقف العالي من التوقعات لدى الشارع السعودي.

الفساد، وما يترتب عليه من ضياع للمصالح والحقوق، ينمو ويترعرع في الملفات السرية وخلف الأبواب المغلقة، وليس هناك من مؤسسة قادرة على كشف تلك الملفات وفتح تلك الابواب دون ان يكون لها مستندا قانونيا يمنحها الشرعية ويعطيها الالية والإجراءات التنفيذية التي تمكنها من تلك المهمة. ويظهر لي ان ذلك ما لم تسعى اليه الهيئة، فكاني بها ان عزمت على قطف ثمار لم تحرث لها ارضا ولم تزرع لها اشجار.

التجارب العالمية – قديمها وحديثها – تشير الى أن الاعلام هو المؤسسة القادرة على كشف تلك الملفات السرية وفتح تلك الابواب المغلقة. فالمؤسسات الاعلامية حين تتوفر لها بيئة تشريعية ناضجة كان ولا زال لها قصب السبق في هذا المضمار. فالفساد ومظاهره مادة مثيرة لشهية الإعلام، فهو متعطش للكتابة عنها من منطلقات وطنية أو مهنية أو حتى ربحيه أحيانا. الفساد مادة تتسم بالدرامية والإثارة وهو ما يحرص عليه الإعلام دائما.

الإعلام – مجازا – هو سلطة رابعة تتولى مسئولية المراقبة للسلطات الثلاث الأخرى.  لكن هذا الدور مرتبط بتوفر التشريعات والتنظيمات التي تضمن له استقلاليته السياسية والاقتصادية. ويفترض في هذه البيئة أن تشتمل على قوانين ولوائح تنفيذية تضمن في الحد الأدنى:

  • حرية الصحافة وحرية التعبير، بحيث لا تشمل قوانين العقوبات أو غيرها من القوانين الأمنية ما يحد من هذه الحرية أو تتم معاقبة الصحفيين بناء عليها.
  • معاملة الإعلام للمسئولين والمؤسسات العامة والخاصة كشخصيات عامة، يمكن النشر عنها بشفافية دون خوف من المسألة القانونية بحجج وذرائع التشهير.
  • تمكين الصحفيين من الوصول إلى المعلومات العامة وفق إجراءات إدارية واضحة من حيث المدة والتكلفة.
  • محاسبة المسئولين في حالة الرفض – غير القانوني – للكشف عما يدخل في نطاق المعلومات العامة.
  • عدم تلقي المؤسسات الإعلامية أو الصحفيين منافع (مالية أو اية امتيازات) تؤثر على أدائهم المهني.
  • تفعيل الدور النقابي لهيئة الصحفيين وبما يمكنها من حماية منسوبيها من أية مسألة تتعلق بأدائهم المهني.
  • عدم إجبار المؤسسات الإعلامية والصحفيين في الكشف عن مصادرهم.

وحري بهيئة مكافحة الفساد ان تعمل على تعزيز البيئة التشريعية التي تمكن وسائل الإعلام من العمل بفاعلية لمكافحة الفساد، وهذا الدور جاء على قائمة الاختصصات الهيئة اشار اليها الامر الملكي بانشاء الهيئة، حيث يتوجب عليها المبادرة بمراجعة كافة الانظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته، وسبق أن اكدت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة على “مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة عن طريق كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة الجمهور ووسائل الإعلام”.

خاص لــ (الهتلان بوست)