“الإمارات”.. تصون التراث العالمي وتحميه وتحارب “التطهير الثقافي” بالإعمار

أخبار

شاهد العالم عبر مختلف وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة مشاهد مروّعة في كل من العراق وسوريا وليبيا، حيث أطلق «الإرهابيون» معاولهم لهدم كنوز من الحضارة الإنسانية بقيت لآلاف السنين دون أن تمسّها يدّ، وكانت قيادتنا الرشيدة سبّاقة كعادتها في الانتباه إلى مثل هذه القضية الخطيرة، فوجّهت بتنظيم «المؤتمر الدّولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر» الذي استضافته العاصمة أبوظبي في قصر الإمارات عام 2016، على مدى يومين في إطار مبادرة الشراكة الدولية التي دعا إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة، والرئيس فرانسوا أولاند، رئيس الجمهور الفرنسية الأسبق، بهدف حماية التراث الثقافي في مناطق النّزاع المسلّح، وانبثق عنه «إعلان أبوظبي» كنواة أولى لمشروع طويل الأجل، أكد التزام الدول بإنشاء صندوق لتمويل آليات حماية الآثار في مناطق النّزاع، وتعهدت الإمارات بتقديم دعم لهذا الصندوق بمبلغ 15 مليون دولار للمساهمة في التحالف الدولي لحماية التراث، وإيجاد ملاذات آمنة لهذه الآثار المهددة، وبخاصة في جمهورية العراق الشقيقة، التي شهدت مأساة ثقافية بفقدان وضياع وتدمير جزء مهم من تراثها من بينها جامع النّوري الكبير ومئذنته الحدباء المائلة.

ويعتبر جامع النوري أهم معلم في مدينة الموصل التابعة لمحافظة نينوى. بني في 568 هجرية – 1172 ميلادية على يدي نور الدين زنكي، وتم تدميره في 21 يونيو 2017، من قبل «تنظيم الدولة» المتطرف الذي مارس (تطهيراً ثقافياً) في العراق من خلال تدمير معالم تاريخية بارزة ورموز دينية للمسلمين والمسيحيين وصلت إلى أكثر من 5 آلاف مبنى، بالإضافة إلى سرقة 15 ألف قطعة أثرية وحرق المكتبة الوطنية، وإزاء ذلك كانت استجابة الإمارات العاجلة محط اهتمام عالمي، إذ تقدّمت وبناء على توجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في 12 مارس من العام الجاري، بمبادرة لإعادة إعمار وترميم جامع النوري الكبير التاريخي ومئذنته الحدباء، وذلك في إطار مشروع هو الأضخم من نوعه في العراق، وبالشراكة مع «اليونسكو» ووزارة الثقافة العراقية، وبالتعاون مع المركز الدّولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم).

وتأتي مشاركة الإمارات في المؤتمر الدولي حول إعادة إعمار الموصل تأكيداً لاستراتيجية دولة الإمارات في الحفاظ على التراث العالمي، وتحظى بأهمية بالغة، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الجهد الإنساني للارتقاء بثقافة التراث وحماية الإرث الثقافي عالمياً. ولا شك في أن المبادرات الدولية التي تقوم بها الإمارات تسهم في المحافظة على التراث العالمي من الضياع، وتحفظ حقوق الأجيال القادمة في العالم، في حضارتها وثقافتها وهويتها، ويتبدى هذا الاهتمام في صور وأوجه عديدة، منها: ترسيخ منظومة فكرية لإقامة شراكات عالمية مع العديد من الدول والمنظمات المتخصصة بمجالات صون التراث ونشر الثقافة والفنون، ومن ذلك إطلاقها عام 2007، مشروع إنشاء منطقة ثقافية متكاملة في جزيرة السعديات بأبوظبي، وتحتوي على سلسلة من المتاحف، يتصدرها «متحف اللوفر أبوظبي»، وهو أيضاً مركز ثقافي عالمي للتواصل والتسامح وقبول الآخر، وهي الرسالة التي توجهها أبوظبي للعالم أجمع نحو حوار حقيقي للحوارات والثقافات.

وفي السياق صادقت الإمارات على الانضمام إلى اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي أقرها المؤتمر العام لليونسكو عام 1972، وأيضاً إنشاء «صندوق التراث العالمي» الذي تساهم الإمارات في دعمه، ونستذكر في السياق استضافة متحف اللوفر بباريس مؤتمراً للمتبرعين برئاسة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وجسد المؤتمر خطوة تأسيسية في مشروع إنشاء صندوق مخصص لحماية التراث العالمي وتوفير الدعم المالي الضروري لتنفيذ المشاريع الوقائية ومهمات التّدخل السريع وبرامج ترميم الممتلكات التراثية المعرضة لخطر التدمير، تحت وطأة الصراعات المسلحة، وبحسب السفير عبد الله علي مصبّح النعيمي المندوب الدائم للإمارات لدى اليونسكو، فلا شك في أن مثل هذه المبادرة أحدثت أصداء طيبة وإيجابية في الدوائر الإقليمية والدولية، حيث سارعت منظمة اليونسكو إلى الدخول كشريك فيها وكذلك دول عربية وعالمية تبرعت للصندوق الدولي، ثم انعقد أول اجتماع لـ«مجلس إدارة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع» في مدينة بيرن السويسرية في مايو 2017، برئاسة مشتركة إماراتية – فرنسية، وجرى التأكيد خلاله على انضمام 35 دولة، والالتزام بميثاق مؤتمر المتبرعين الذي ينص على المحافظة على التراث الإنساني العالمي.

لقد أثبتت الإمارات أنها وعلى كافة المستويات مهيأة فكراً وعملاً للمساهمة الفعالة في حماية مخزون المنطقة العربية والعالم من الآثار والتراث الثقافي، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، رائداً في هذا الاتجاه، كما القيادة الحالية التي تسير على نهجه، عندما بادر إلى تمويل عمليات ترميم وصون مواقع أثرية مهمة في اليمن الشقيق، كما شغلت الإمارات مقعد العضوية في لجنة التراث العالمي، من 2009 إلى 2013، وكان الحضور الإماراتي هنا إيجابياً وفاعلاً، كما شغلت عضوية لجنة التراث الثقافي غير المادي بين 2006 و 2010، ما جعلها تترك بصمة واضحة على جهود حماية التراث العالمي في كل مجال.

كل هذا وغيره، صنع للإمارات مكانة خاصة في العالم، وجعلها تتمتع بتقدير واحترام المجتمع الدولي على كافة الصعد، أما أبوظبي فمشهود لها بجهودها في صون التراث ورعاية النشاط الفكري والثقافي والحوار بين الحضارات، وهي بحق منارة ثقافية تسطع بنورها في سماء العالم.

مسؤولية الجميع

يقع في الجانب الغربي للموصل، وقد بناه نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري، أي أن عمره 9 قرون، ويعتبر ثاني جامع يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، وأعيد إعماره عدة مرات كان آخرها عام 1944، ويشتهر الجامع بمنارته المحدّبة نحو الشرق، وكانت الجزء الوحيد المتبقي في مكانه، وعادة ما تقرن كلمة الحدباء مع الموصل، وتعد المنارة إحدى أبرز آثارها، وقالت المديرة العامة لليونسكو أودري أرولاي، إن الأحداث التي وقعت في الموصل تهم الإنسانية جمعاء، وإعادة المدينة إلى ما كانت عليه في السابق كنقطة التقاء للعديد من الثقافات والحضارات مسؤولية الجميع.

المصدر: الاتحاد