مذهبية إيران تعبث في باكستان – محمد بن صقر السلمي

أخبار

د. محمد بن صقر السلمي باحث في الشؤون الإيرانية

بدأ النظام الإيراني يعبث مذهبيا في باكستان من خلال ذراعيه حزب الله الباكستاني وداعش التي تتحدث تقارير عن ارتباطها به. فإيران ما تزال تحاول التمدد في دول الجوار العربي والإسلامي كالأخطبوط من خلال أذرع عسكرية وشبكات تجسس، وزراعة خلايا نائمة، لضمان وجود لها في تلك الدول، ولتستعين بها عند الحاجة.

وفيما احتفى الإعلام الفارسي بنشوء حزب الله الباكستاني، ألقى الضوء على داعش الباكستانية بصفتها خصما للشيعة، علما أن كثيرا من التقارير تحدثت عن ارتباط داعش بطهران منذ نشوئها في العراق.

وفي حين لا يستبعد أن يكون الارتباط نفسه، فإن لطهران من خلال تسليطها الضوء على الطرفين هدفين واضحين، هما: إشعال حرب مذهبية، وضرب خصومها البلوش من الداخل.

ويبدو أن شهية المؤسسة العسكرية والأيديولوجية الإيرانية منفتحة كثيرا في الآونة الأخيرة، والنشاط التوسعي الخارجي جلّ أهدافها وغاية مرامها.

وفي هذا الإطار بدأت قبل أشهر بوادر تشكّل «حزب الله اليمني» تشهد تقدما كبيرا، على غرار النسخة اللبنانية والعراقية، إضافة إلى محاولة إنشاء نسخة خليجية، وئدت في مهدها، إذ تمكنت السلطات الخليجية من اكتشافها وتقطيع أوصالها قبل أن تنشأ.

الأخطبوط الإيراني يحرك ذراعيه الباكستانيين لإشعال حرب مذهبية وضرب البلوش

حرّك النظام الإيراني الذي لا يزال يحاول التمدد في دول الجوار العربي والإسلامي كالأخطبوط من خلال أذرع عسكرية وشبكات تجسس وزراعة خلايا نائمة، لضمان تواجد لها في تلك الدول تتمكن من الاستعانة بها عند الحاجة، ذراعين له في باكستان هما حزب الله الباكستاني وداعش الباكستانية.

وفيما احتفى الإعلام الفارسي بنشوء حزب الله الباكستاني، ألقى الضوء على داعش الباكستانية بصفتها خصما للشيعة، علماً أن كثيرا من التقارير تحدثت عن ارتباط داعش بطهران منذ نشوئها في العراق.

وفي حين لا يستبعد أن يكون الارتباط نفسه، فإن لطهران من خلال تسليطها الضوء على الطرفين هدفين واضحين هما: إشعال حرب مذهبية، وضرب خصومها البلوش من الداخل.

يبدو أن شهية المؤسسة العسكرية والأيديولوجية الإيرانية منفتحة كثيراً في الآونة الأخيرة والنشاط التوسعي الخارجي جلّ أهدافها وغاية مرامها.

وفي هذا الإطار بدأت قبل أشهر بوادر تشكل “حزب الله” اليمني وتشهد تقدما كبيراً، على غرار النسخة اللبنانية والعراقية، إضافة إلى محاولة لإنشاء نسخة خليجية وئدت في مهدها إذ تمكنت السلطات الخليجية من اكتشافها وتقطيع أوصالها قبل أن تنشأ.

ولم ينحصر سعي إيران إلى زراعة عناصرها في الجوار العربي فقط، بل اتجهت شرقاً أيضاً وتحديدا باتجاه باكستان حيث شكّلت بسرية “حز الله الباكستاني”، وبدأت تظهر أخباره في بعض وسائل الإعلام الباكستانية التي رجّحت أن تكون للحزب الوليد علاقة وثيقة مع حزب الله اللبناني، لافتة إلى أن الحزب الجديد قام بعمليات انتحارية ضد “جماعات سلفية” وقتل 40 شخصا منهم.

خيط فارسي

وكانت وسائل الإعلام الباكستانية دقيقة فيما ذهبت إليه، كما كان هذا التصريح بمثابة الخيط الذي كوّن نقطة الانطلاقة في إعداد هذا التقرير، على الرغم من الشح الكبير في المعلومات في هذا الصدد.
وما أسهم في هذا الأمر، أن الإعلام الإيراني قدّم بدوره، بعض المعلومات حول الحزب الوليد وقياداته وأهدافه ومعاركه في جمهورية باكستان الإسلامية، إذ أجرى موقع “فرهنك نيوز” مقابلة مع الأمين العالم لحزب الله الباكستاني سيد هادي نقوي لتكون أول إطلالة إعلامية له، تحدث فيها عن الحزب وكيفية تأسيسه.

وقال نقوي: قبل 9 أشهر أسست مجموعة من شباب الشيعة في باكستان حركة تسمى “لبيك يا حسين”، ولكن تقرر لاحقاً تسميتها بـ”حزب الله الباكستاني”، مقراً بتلقي الدعم اللوجستي والتقني من حزب الله اللبناني وأنهما عملا سويا في بداية الأمر على مهاجمة المواقع الالكترونية التابعة للجماعات السلفية في باكستان، وبعد ذلك انتقل حزب الله الباكستاني إلى العمل العسكري وشن عمليات مسلحة ضد من أطلقوا عليهم “السلفية” و”الوهابية” في باكستان، قائلاً إن حزبه نجح في قتل 40 سلفياً وخسارته ثلاثة شخصيات قيادية خلال المعارك.

تهديدات نقوي

هناك غموض كبير حول عدد الأعضاء المنتمين لهذا الحزب، كما أن الأمين العام لحزب الله الباكستاني رفض الإفصاح عن العدد، مبررا ذلك بالدواعي والاحتياطات الأمنية، مطلقا اتهامات وتهديدات كبيرة في تلك المقابلة، طاولت دولا خليجية.

وعن إمكانات الحزب، قال نقوي إن الحزب أنشأ مراكز ومعسكرات للتدريب، إلا أنه لم يخف ضعف الجانب الاقتصادي وحاجتهم للدعم المادي.
وعما إذا كان الحزب يعمل في الوقت الراهن تحت مظلة حزب الله اللبناني، أجاب الأمين العام لحزب الله الباكستاني بالقول: نعم، لقد تأسست وبشكل رسمي حركة المقاومة “حزب الله” في باكستان، هذه الحركة المقاومة تنشط تحت مظلة حزب الله اللبناني، نحن نعمل، كحزب الله العراق، وحزب الله سوريا، ضد القوى التكفيرية، وندافع عن الثقافة والفكر الشيعي الغني بأرواحنا.

أما عن دوافع شيعة باكستان إلى قيامهم بتأسيس الحزب، قال نقوي: في السنة الماضية تعرض عدد كبير من الشيعة لهجوم واسع ذهب ضحيته العشرات، لذا لم يستطع الشباب الشيعي الغيور في باكستان الوقوف مكتوفا أمام معاناة إخوانهم وأبناء وطنهم الشيعة وبالتالي تم تأسيس هذه الحزب.

موقف الشارع

من المعلوم أن حزب الله الباكستاني قد أُسس حديثاً كما أن الإعلام الباكستاني لم يتطرق إلى ذلك بشكل كبير وبالتالي فإن موقف الشارع الباكستاني من ذلك غير واضح حتى الآن، إلا أنه بحسب التوقعات والتحليلات، لن يتقبل وجود حزب الله على أراضيه فهي فكرة دخيلة على البلاد كما أن حزب الله اللبناني يزعم بأن فكرة تأسيسه كانت مدفوعة بالمقاومة للعدو الإسرائيلي ودحره من الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن مبررات ضرورة التأسيس بهدف المقاومة لن تكون مقنعة للمواطن الباكستاني.

ومن المؤشرات لذلك ما كتبه أحد الباكستانيين، في موقع باكستاني على شبكة الانترنت، معلقا على رفع أحدهم علم حزب الله اللبناني في العاصمة الباكستانية إسلام آباد بقوله: “ماذا يفعل علم حزب الله بإسلام آباد.

فنحن ليس لدينا أساسا حدود مشتركة مع لبنان؟”.

ضغط إيراني

من المؤكد أن الهدف من تأسيس هذا الجناح العسكري لإيران في باكستان، لا يقف عند المواجهة مع الجماعات السلفية في باكستان فقط، بل إن أحد الأهداف يتمحور حول تأسيس ذراع عسكري إيراني في الداخل الباكستاني لملاحقة الجماعات السنية الإيرانية المسلحة مثل جماعة “جند الله” و”جيش العدل”.

فكما هو معلوم، تشهد الحدود الباكستانية الإيرانية مناوشات مسلحة متكررة بين الجماعات البلوشية الإيرانية المسلحة وحرس الحدود والحرس الثوري الإيرانيين، وأدت إلى مقتل العديد من الجانبين.
وآخر هذه العمليات قيام جيش العدل البلوشي باختطاف خمسة من أعضاء حرس الحدود الإيراني، وانتهت العملية بقتل أحد الجنود وإطلاق سراح الأربعة الآخرين بعد وساطات من رموز المذهب السني في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية وعلى رأسهم إمام وخطيب الجمعة في مدينة زاهدان الشيخ عبد الحميد مولوي.

هجوم مركز

وقادت هذه الأحداث وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي إلى التهديد باتخاذ إجراء من جانب واحد داخل الأراضي الباكستانية كوسيلة للحفاظ على الأمن الإيراني وتأمين جنودها العاملين على طول الحدود مع باكستان.

وأضاف فضلي: في حال رفضت الباكستان تطبيق القانون في مطاردة الإرهابيين وإطلاق سراح الجنود، فإن إيران سترسل قوات إلى أراضي الدولة الجارة وتحرر جنودها، وفق ما تناقلته وسائل الإعلام الإيرانية.

من جانب آخر، تلقت القيادة الباكستانية انتقادات سياسية من الوزن الثقيل على لسان رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي بعد الهجوم على أحد المراكز الحدودية، وقد عرضت إيران على باكستان إرسال محققين للبحث عمن تصفهم بالإرهابيين، لكنها لم تتلق ردا إيجابيا من الجانب الباكستاني.

ورقة ضغط

يبقى مستقبل “حزب الله” الباكستاني مرهونا إلى حد كبير بطبيعة العلاقات الباكستانية الإيرانية ومدى رغبة النظام الحاكم في إيران في تطوير هذا الحزب ليصبح نسخة طبقة الأصل من حزب الله اللبناني أو بعبارة أكثر دقة، دولة داخل دولة، تعمل على تنفيذ المهام العسكرية والسياسية من خلال أوامر تصدر من القيادة المركزية في طهران.

على الجانب الباكستاني، ينبغي على إسلام آباد أخذ هذا الحزب بكثير من الجدية وعدم التهاون في تعقب أهدافه ونشاطاته دون إغفال خطر تنظيم “داعش” الباكستاني، فقد يشكلان معاً تهديدا حقيقيا على الأمن والاستقرار في جمهورية باكستان الإسلامية، وبالتالي يصبح ورقة ضغط على حكومة إسلام آباد قد يتم استغلالها لاحقاً لأهداف سياسية ومذهبية وعسكرية.

خامنئي لشريف: اضبطوا حدودكم

بعد أيام من الإعلان عن تأسيس حزب الله الباكستاني، زار رئيس الوزراء نواز شريف طهران استجابة لدعوة رسمية وجهها الرئيس الإيراني حسن روحاني.والتقى شريف خلال الزيارة الرسمية التي استمرت يومين الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى علي خامنئي وعددا من المسؤولين الإيرانيين، كما وُقعت خلال الزيارة تسع مذكرات تفاهم بين الجانبين، معظمها يركز على الجانب الاقتصادي والتجاري.
وأشار خامنئي خلال لقائه بشريف، إلى اختلال الأمن في المناطق على الحدود بين إيران وباكستان خلال الأشهر القليلة الماضية.

وقال: يسعى البعض وبشكل متعمد إلى زعزعة الأمن على الشريط الحدودي بين البلدين، ونحن لا يمكننا التصديق بأن هذا الوضع طبيعي وغير متعمد.

وأضاف: الواقع أن لدينا معلومات مؤكدة حول بعض النشاطات في منطقة بلوشستان الباكستانية، والتي تهدف إلى زعزعة الأمن في المناطق الحدودية، مشددا على ضرورة محاربة الجماعات المتشددة والتكفيرية لأنها تشكل خطرا على الشيعة والسنة على حد سواء، وإذا لم تتم مواجهة هذه الجماعات فإن العالم الإسلامي سيواجه مزيدا من الخطر والتهديدات.

من جانبه شدد رئيس الوزراء الباكستاني على ضرورة التعامل بحزم مع المهددات الأمنية على الشريط الحدودي بين إيران وباكستان، مؤكدا أنه طمأن المسؤولين الإيرانيين بأن الحكومة الباكستانية ستقوم بكل الجهود الرامية إلى تأمين الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية المشتركة، وكذلك دعم الجهود الإيرانية في هذا الجانب.

من المستبعد أن تفوت إيران هذه الفرصة دون مناقشة مستقبل وضع الجماعات المسلحة البلوشية التي تتحرك على الحدود بين الدولتين وتقوم بعمليات عسكرية ضد أهداف في الداخل الإيراني.
كما أنه من المتوقع أن تكون طهران قد طالبت الجانب الباكستاني بتكثيف العمل لضبط الشريط الحدودي وزيادة عدد الدوريات الأمنية في تلك المناطق.

لكن القيادة الإيرانية قد تتجاوز في مطالبها التلويح بورقة “حزب الله” الباكستاني وتكليف هذه المليشيا المسلحة بمهام عسكرية وأمنية في الداخل الباكستاني كورقة ضغط على إسلام آباد إذا ما رفضت التعاون مع طهران في محاصرة الجماعات البلوشية والحد من أعمالها وتهديدها للأمن الإيراني.

طهران لجيش العدل: جهزوا أنفسكم للموت

قد يشكل حزب الله الباكستاني ورقة ضغط أو مساومة إيرانية على باكستان في كثير من الملفات الإقليمية. فمن غير المستبعد قيام هذا الحزب بعمليات تستهدف قوات الأمن أو الجيش الباكستاني ليثير فتنة داخلية ومصادمات أمنية تزعزع أمن واستقرار البلاد، خاصة أن هناك تقارير تتحدث عن احتمالية قيام حزب الله الباكستاني بعمليات ذات أبعاد محلية وإقليمية، كما أن منطقة بلوشستان التي يقسمها الخط الحدودي بين إيران وباكستان قد تتحول إلى ساحة معركة للاعبين دوليين.

وفي هذا الصدد، عنون الإعلام الإيراني لخبر تأسيس الحزب بقوله “على أعضاء جيش العدل تجهيز أنفسهم للموت”، في إشارة واضحة وجلية للمهمة المقبلة لحزب الله الباكستاني ونقل المعركة إلى الداخل الباكستاني لوضع إسلام آباد في موقف محرج.

ويؤكد هذا التوجه الإيراني، ما نقلته وكالة أنباء “فردا نيوز” الإيرانية قبل بضعة أيام عن وكالة أنباء “جعفريه” التابعة للشيعة في باكستان، بأن “الجماعات التكفيرية” في باكستان أعلنت عن تأسيس جماعة “داعش” الباكستانية والتي تهدف إلى التصدي لحزب الله الباكستاني.

وهددت داعش باستهداف الشيعة وإبادتهم في باكستان، وفقا لما نقله الموقع الإيراني.
ويضيف الموقع أن وسائل الإعلام التابعة للجماعات السلفية في باكستان أعلنت عن إقامة احتفالات كبيرة بمناسبة تأسيس “داعش” الباكستانية.

يجب أن نشير هنا إلى أن هناك تقارير متعددة تؤكد ارتباط الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بالنظام الإيراني وتنفيذ أجندته في المنطقة العربية بهدف التصعيد الطائفي من جانب، واللعب على وتر محاربة الإرهاب العالمي، من جانب آخر.

وبالتالي فإن هذه التصريحات تشير إلى أن إيران قد توقد فتيل الصراع الطائفي في باكستان بهدف تحقيق مكاسب سياسية هناك، خصوصا أن هناك خلفية تاريخية في بعض المدن الباكستانية التي سبق وشهدت اقتتالا مذهبيا، قد تسهم في اندلاع هذا الصراع واتساع دائرته.

المصدر: مكة أون لاين