إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

آل سعود كسائر المواطنين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق (2)

آراء

سيظل خالد الفيصل، النجم المحلق في سماء الشعر وسماء القيادة والإدارة، شخصية التجاذب والاختلاف بين المؤيدين والمعارضين، وهذا قدر الناجحين، لكن القاعدة العريضة من الناس هي التي ترى خالد الفيصل (مجموعة إنسان)، وتراه الرائد المجدد بما لا يمس الثوابت، وهو الوسطي، الذي يخطط ليكون شباب الوطن في مقدمة الصفوف، وهو الخلاق في كل منصب تولاه منذ أن كان في رعاية الشباب إلى كونه أميرا على عسير. حيث طوع جبالها، ويسر عسرها، وزاد ابتهاجها، وجعلها مزارا للمحافظين الباحثين عن السياحة النظيفة، ثم هو كذلك أمير لمنطقة مكة المكرمة، يتولى جبر كسورها، وردم ثقوب الفساد التي نخرت أحياء جدتها، وأزال عشوائياتها، وها هو يرجل شعرها، ويمسد جسدها، ويعيد ألقها لتعود عروسا بعد ما تغضنت ملامحها. خالد الفيصل، الحاسم الحازم، محل الخلاف والجدل، مثله مثل كل الرواد الذين يسبقون برؤيتهم زمنهم.

أكثر شيء أحزنني وأضحكني في نفس الوقت، بعض من علقوا وشنعوا بقصيدة الهبوب وقد عمدوا إلى التشكيك في شاعرية “دايم السيف”، حتى وصل بهم الحال إلى إعلان وفاة الشاعر الأصلي الذي يكتب لخالد الفيصل.

تخيلوا كيف أصبح هذا الشاعر الخفي ملازما للأمير خالد الفيصل منذ أكثر من نصف قرن، فإذا افترضنا أن هذا الخيال محتمل، فلا بد أن الشاعر الخفي قد أصابه الثراء أو اليسر، مقابل ما يقدمه الأمير له من هبات جزاء ما يكتبه، فإذا كان هذا صحيحا، فإن على الشاعر الخفي وقد صار ثريا أن تضعف قدرته الشعرية تبعا لكون الإبداع مرتبطا بالفاقة والحاجة، كما يعتقد اليساريون وأن الأثرياء والأمراء لا حق لهم في الإبداع كما يرى بعض ذوي النظرة القاصرة، بحجة أن الأمراء لا يملكون أسباب الإبداع؛ لأنهم ميسورون، ولا يعانون من الهموم التي تقدح جمر الإبداع. ومن زاوية أخرى سنفترض جدلا أن الشاعر الخفي قد لازم الأمير خالد الفيصل كظله يرصد أنفاسه ويكتبها شعراً خلال نصف قرن، إلا أن كل شاعر لديه قدر وافر من النرجسية والأنانية والإعجاب بما يكتب، وكل شاعر يغار من نسبة شعره لغيره، ولا بد أنه والحال كذلك أن شاعرنا الخفي قد عمد إلى اصطفاء بعض القصائد العزيزة وإخفائها وإبقائها لنفسه، ونشرها تحت اسمه بموازاة ما ينشر للشاعر خالد الفيصل. فلماذا لم يعمد الشاعر الخفي إلى هذا المسلك، ولن يلومه الأمير لو فعل ذلك طالما أنه يكتب شعرا كلما شاء الأمير. فإن رأيت صحة هذا الاستنتاج ومنطقيته، فهل سبق لك أن قرأت لشاعر يماثل في طرقه ونَفَسهْ وصوره وأخيلته ما تقرؤه خلال أكثر من خمسين عاما لخالد الفيصل؟.

غريب أمر الموتورين المشككين، فإذا كتب خالد الفيصل قصيدة عظيمة شككوا في كونه كاتبها، وإذا كتب قصيدة لم تعجبهم قبلوا بنسبتها إليه، عليهم أن يقبلوا به شاعرا بكل التحولات، أو أن يرفضوه شاعرا في المنشط والمكره، صعودا وهبوطا، خاصة إذا كان يدخل معتركا لا يطرقه كثيرا وأعني الفصيح، وخاصة أكثر إذا كانت القصيدة تحمل رسالة وهدفا ورؤية لا تحتمل الشطح والأخيلة.

كاتب الشعر عند خالد الفيصل لم يمت؛ لأنه كامن في دواخله وأحاسيسه، وإذا قبلنا جزافا أن من كان يكتب الشعر لخالد الفيصل خلال كل هذه العقود الطويلة قد مات بعد قصيدة “الهبوب”، فبماذا سيرد المشككون أن رد عليهم الشاعر خالد الفيصل بقصيدة نبطية جديدة تضاهي “يا زمان العجايب” و”من بادي الوقت” و”مجموعة إنسان” و”ستل جناحه” و”يا شبيه صويحبي” و”البراقع” و”جرح العيون” و”من يقول الزين” و”المعاناة” و”أجاذبك الهوى” و”في سحابه” و”كلما نسنس” إلخ.

هل سيقولون إن الشاعر الخفي قد بعث من مرقده وعاد للحياة؟ أم إن التشكيك سيبقى مستمرا لمجرد أن المبدع (أمير)؟ كيف لكثير من الناس أن يعلموا أن أسرة آل سعود حالهم كحال باقي الأسر والعوائل فيهم الحكيم، وفيهم الغشيم، وفيهم التقي، ومنهم الشقي، منهم المتعلم، ومنهم الجاهل، منهم الحليم، ومنهم غير ذلك، منهم من يملك الإبداع في الشعر والرسم والموسيقى، ومنهم من ليس له علاقة بالإبداع، على الذين يتحسسون لمجرد أن المخالف أو الشاعر أمير، أن يعلموا أن كثيرا من الأسر السعودية الأخرى فيها المخالف والفاسد والشاعر، وإنما يتم تسليط الأمر أكثر على الأسرة المالكة؛ لأن الفطرة البشرية تنزه علية القوم غالبا رغم أنهم كسائر البشر يجري عليهم الموت، ويأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق.

علينا ألا نبالغ في التنزيه والتطبيل ونفخ البخور ومسح الجوخ، كما أن علينا بالمقابل ألا نبالغ في سلبية الانطباع وتعميمه، وطرد الكل من رحمة الظن الحسن.

دعونا رجاء نحتفظ ببعض مفاخرنا حتى نبز بها غيرنا في مسيرة النجاح الإداري والإبداع الأدبي أو الفني، وهم ـ ولله الحمد ـ كثيرون في الوطن تجدهم يخرجون من أكمام أسرة آل سعود والحال كذلك مع سائر العوائل السعودية. احتفلوا بهؤلاء المبدعين، وارفعوهم فوق الأعناق؛ لنجعل لأجيالنا الشابة الصاعدة نماذج يقتدون بها ويحتذون نهجها، وإلا فإنهم سيلوون أعناقهم لنجوم يلمعون خارج الحدود، ليسوا على سليقتنا ونهجنا.. “وارفع رأسك أنت سعودي غيرك يركض وأنت تزودي”.

المصدر: الوطن اون لاين