ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

إيقاد الشموع لا يكفي

آراء

عندما كنتُ طفلاً في المدرسة كنت أحب الموسيقى، ورغم أنني لم أكن أجيد العزف، إلا أنني لم أتأخر عن حصة الموسيقى يوماً، وفجأة قيل لنا إن الموسيقى حرام، وتم اقتلاعها من الجدول الدراسي، وعلمتُ لاحقاً أن غرفة الموسيقى تحولت إلى مخزن. اتجهتُ إلى الرسم والتلوين والنحت، رغم فشلي فيها أيضاً، وإلى اليوم لا أستطيع أن أرسم خطاً مستقيماً، لكنني أحببتُ الفن كثيراً. لم أكن أعرف حينها أنها من أكثر الفنون نُبلاً وإبداعاً، ويكفي أن نزور المعابد القديمة ونلقي نظرة على جدران الكهوف العتيقة حتى ندرك أن الرسم كان لغة الإنسان الأول، والوعاء الذي احتمل فضفضاته وحملها عبر التاريخ. وفي يوم من الأيام اختفت حصة «الرسم» أيضاً، وعندما سألنا قيل لنا إنه مضيعة للوقت، والنحت صناعة للأوثان، وذلك حرام.

وفي المرحلة الثانوية اختفت دورس الفلسفة والمنطق من المناهج، ولا أدري إلى اليوم لماذا ألغيت! وقبل عامين، كنت أراجع مع ابني (سعيد) كان يبلغ 10 سنوات، مادة التربية الإسلامية، فوجدتُ باباً عن الجهاد وفضائله. تناولتُ القلم وشطبتُ على الدرس وكتبت للمعلم ما معناه إنني أرفض أن يدرس ابني هذه المفاهيم المغلوطة، ووضعت له رقمي وطلبت منه الاتصال بي، إلا أنه لم يفعل. وقد يتساءل القارئ الكريم عن كلمة «مغلوطة» في حق الجهاد، وأقول له إن الشيخ العلامة عبدالله بن بيّه، قد قال، قبل سنتين، بتحريم جهاد الطلب، مع بقاء جهاد الدفع مشروعاً على الدوام. وتأصيله لهذا المفهوم طويل لا تتسع له مساحة المقال، لكنه باختصار أن الجهاد كان مشروعاً قديماً لأن النظام العالمي كان مُركّباً حينها بطريقة مختلفة عن اليوم، فإما أن نَغْزو أو نُغزى. أما اليوم، ومع وجود القوانين والاتفاقات الدولية تغير الوضع تماماً، وأصبح جهاد الطلب تجاوزاً للقوانين واعتداءً على الناس وإفساداً في الأرض. وقبل أيام تم تعيين وزيرين جديدين في وزارة التربية والتعليم، إلى جانب الوزير الحالي، وقالت الحكومة إن التعليم هو رأس الأولويات. رسالتي للوزراء الجدد، ولجميع وزراء التعليم في المنطقة، هو أننا تعبنا من الخوف من المتشددين، تعبنا من قتل الجمال وسحق الإبداع باسم الدين حتى أصبح المجتمع متطرفاً عنيفاً، وادخل «تويتر» و«واتس أب» لتتأكد من صحة ما أقول. لابد أن تقف وزارة التربية والتعليم وقفة شجاعة وتواجه مفاهيم مربكة، كالجهاد والولاء والبراء، وغيرها من المفاهيم التي جرّتنا إلى التطرف والإرهاب، فبتعديل المناهج فقط سننتج جيلاً عقلانياً.

أقول لوزراء التعليم: لا يكفي أن توقدوا شموع التنوير والتسامح، بل تحتاجون إلى جانب ذلك إلى لعن الظلام مع كل شمعة توقدونها. يجب أن يُجرّم التكفير، ويُجرّم العنف، وتُجرّم الكراهية في المناهج بوضوح تام. يجب أن تتحلوا بالشجاعة الكافية لمواجهة الأفكار الظلامية وتقولون لا، لا لمحاربة العقل بالدين، لا لتكفير المبدعين والمفكرين، لا لشيطنة الفكر الحر الذي به فقط تسمو الحضارات، ويصبح الإنسان إنساناً.

المصدر: صحيفة الإمارات اليوم