ابتسامة جنيف

آراء

في هذه العاصمة المبتسمة دائماً، الطرق متداخلة ومتشعبة ولا تعرف يمينك من يسارك، ويكاد الغريب أن يقول خذوني ولا يجد مجالاً للفرار، إلا أنه يجوس في غي الدروب، وعندما تخطئ وتدخل في منعطف غير مناسب، وتصادفك سيارة، تواجهك مباشرة فلا تسمع ضجيج أبواق ولا تلويحات بأيد متوترة، ولا عيون حمراء محملقة كأنها الإشارة الحمراء، بل يغدق عليك الآخر بابتسامة مشرقة تمنحك الفرحة، فهناك لا لائم يلوم ولا شاتم يحوم ولا سباب شؤوم ولا محتقن ظلوم ولأنك مخطئ وارتكبت خطأ كاد أن يوقعك في حادث غير محسوب فإنك تلملم شتاتك وتزم شفتيك وتحني رأسك متشفعاً، مترفعاً عن المكابرة فتعتذر بابتسامة مرادفة وتواصل سيرك، وتتخيل لو أنك تجاوزت سائق تاكسي بطريق الخطأ في مكان ما من أي من بلاد الربيع العربي فسوف تقوم قيامة ويحشر العالم بأسره وينشر عند قارعة الطريق وقد تسمع سباباً وشتائم ما أنزل الله بها من سلطان، ولو حاولت الاعتذار فاعتذارك غير مقبول، لأنك أزعجت ووترت وأغضبت كائناً بشرياً يحمل من شحنات الغضب ما يكفي لزلزلة الأرض ورج الجبال وسجر البحار وتجريد الأشجار من أوراقها وإسقاط الطير من فضاء الله.. المشكلة تقع في المشاعر والثقافة ورقي النفس.. فالابتسامة في وجه أخيك صدقة، لم تعد حضارة في قاموس من غابت عن وجهه الابتسامة وتلاشت إشراقة اللغة واضمحلت تواريخ الحضارة الإنسانية.

هناك في أوروبا بأكملها التخلص من الاحتقان بدأ مع بروز ثقافة التصالح مع النفس واختفاء ظاهرة الحنق والحنك والضنك ونكوص الروح إلى مراحل متقدمة من التاريخ البشري.. هناك يخرج الإنسان من بيته وقد نظف الضمير بقبلة على جبين الحبيبة، وابتسامة في وجه طفل قرر الذهاب إلى المدرسة باكراً من دون أن ينسى واجباته المنزلية إثر خلاف ما بين الأم والأب.

هناك يخرج الإنسان من موئله وهو مقتنع أن للطريق مزالق، عليه أن يتجاوزها بالحب لا بالحقد.. هناك يغادر الناس بيوتهم وقد امتلؤوا بالأحلام الزاهية ومن دون أوهام الخصام مع الغير بسبب أو من دون سبب.. هناك الابتسامة مشروع، بناء مدينة عامرة بأزهار الفرح وأعشاب السعادة وماء رقراق يغسل الصدور من كوابيس الليل أو خلاف من قبل اليوم مع مدير أو زميل عمل.. هناك الأشياء تمضي بعفوية من دون رواسب، لذلك لا تجد العبوس، ولا ضبابية النفوس، هناك الأحلام مثل فراشات لا تغشيها غاشية الفزع الليلي، ولا تشوبها شائبة أحاديث ما قبل النوم الاستفزازية والمريبة.. والمخيبة لأمل العيش الهانئ.

المصدر: الإتحاد