أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

التطرف من وجهة نظر مغايرة

آراء

من الظلم أن نقول: إننا شعب، إرثنا ومناهجنا وتاريخنا عنف، فهذا الجلد لذاتنا لن يقدم حلاً شافياً ولا كافياً لمآسينا التي نشهد جزءاً منها الآن.

مثقف اسمه فيصل النعيم، عرض في «يوتيوب» محاضرة من خمس دقائق، أبدى فيها وجهة نظره حيال ما يحدث من عمليات الانتحار بتفجير النفس في المجمعات أو المساجد، أو باغتيال رجال الأمن، أو بقتل الأقارب، وهو الأبشع من دون جدال.

يرى النعيم – وهو في نظري محق – أن أعداد «الدواعش» في العراق يقدرون بين 100 ألف و200 ألف، ومن 29 دولة، وتحتل فيه السعودية رقم 2 بعد تونس، إذ إن أعداد التونسيين 17 ألفاً، بينما السعوديون 15 ألف مقاتل.

وبمقارنة العدد بمجموع السكان يتضح أن التونسيين ثلاثة أضعاف أمثالهم من السعوديين، وهي إشارة واضحة إلى أن المشكلة عالمية، وليست ذات خصوصية سعودية. فمن المعلوم أن تونس منذ أيام بورقيبة، أي أكثر من 50 عاماً، تتخذ العلمانية «منهجاً»، فضلاً عن أن المناهج غير إسلامية بتاتاً. النقطة الجديرة بالاهتمام هي أن النعيم ذكر أن أعمار هؤلاء الإرهابيين تراوح بين الـ16 والـ19 عاماً، أي أن ثقافتهم ووعيهم تشكل في السنوات الأربع الماضية، وهي كما يصفها النعيم فترة تغيير المناهج، ومراقبة منابر التكفير أو التطرف أو التحريض.

النعيم علل ما يحدث بوجود منظمات متطرفة في العالم، وذكر أرقاماً مخيفة، واعتبر التأثير من طريق الألعاب الإلكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي الطرف الأقوى، مبعداً العوامل الأخرى.

وتعليقاً على ما نشره النعيم، كتب المثقف علي العنيزان رأياً مؤيداً إلى حد «ما»؛ إذ قال: «الحديث يطول في الموضوع، وسأكتب رأيي المتواضع «كيفما اتفق».. أميل إلى أنه يوجد بعض من الحقيقة في ما يقول، التحكم في العقول علم قديم قائم بذاته، يتقدم بشكل متسارع، استخدمه الألمان في العهد النازي، وبالغ الأميركان في استخدامه بعد الحرب العالمية الثانية (غسل الأدمغة – السيطرة على العقول… إلخ). الجماعات الدينية المتطرفة ليست مقتصرة على العالم الإسلامي، حادثة الانتحار الجماعي عام 1978 لجماعة جم جونز في غويانا، التي مات فيها بالسيانيد حوالى 900 شخص، رُبعهم من الأطفال، لكن «ربعنا» حطَّموا الرقم القياسي كمّاً ونوعاً! وأجهزة المخابرات الدولية تستفيد من ذلك العلم وتسعى لتطويره، فالجماعات الإسلامية المتطرفة مخترقة حتى العظم من أجهزة المخابرات الغربية والعربية والعبرية، والتطور الهائل في وسائل الإعلام والاتصال أسهم في التجنيد والاحتواء، فعناصر التفجير في مجتمعاتنا المتخلفة موجودة ومتنوعة وتحتاج فقط إلى صواعق التفجير، وهذه مهمة الأجهزة. ليس صحيحاً أنه لا دور للمناهج والفكر المتشدد في توفير البيئة المناسبة للتطرف، فمنذ السبعينات استخدم هذا الفكر لمحاربة الفكر القومي واليسار، ونشط التصدير في شكل غير مسبوق بفضل القدرة المادية، ولا يمكن إغفال جوانب الارتزاق والاستثمار السياسي، بوصفهما من العوامل الأساسية الأخرى… الخ».

رأي المثقفَين؛ النعيم والعنيزان، أعلاه أقرب إلى المنطق، إنما تظل هناك تساؤلات محيرة، منها: أن فيصل النعيم لم يوضح الانجراف إلى قتل الأقارب تحديداً، وهو ما نراه في السعودية أكثر بكثير من تونس، كونه ذكرها في المقارنة؟

ولعل القصة الأخيرة عن التوأمين، اللذين قتلا والدتهما، وحاولا قتل والدهما وأخيهم في الرياض، تؤكد ما يحدث من بشاعة أخلاقية.

أتفق مع علي العنيزان تماماً في أن أجهزة المخابرات الدولية جاهزة بمشاعلها لتفجر في وقودنا، إذ سهلنا لها الأمر تماماً، أما المناهج فهي تحتاج إلى وقت ليتبين مفعول تحديثها الإيجابي.

هل يا ترى هناك ضوء في النفق المظلم؟ نعم، فأنا متفائل. فالحياة أقوى من الموت. والأمل بتكاتف الخيِّرين والشرفاء من تيارات الوطن وطوائفهم كافة، واتحادهم ضد غول الإرهاب ومسبباته، وبانتظار الموافقة على قانون الكراهية المطروح في مجلس الشورى. حينها سيتم دحر أية قوة ظلامية تنوي الشر لهذا الوطن.

المصدر: الحياة